بعد عقد من القطيعة.. أردوغان والسيسي يتفقان على فتح صفحة جديدة
يعقد الرئيس عبد الفتاح السيسي مباحثات موسعة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يزور القاهرة الأربعاء، في زيارة غير مسبوقة لترسيخ المصالحة بعد قطيعة استمرت أكثر من عقد، ومساعي حثيثة من أنقرة لإزالة التوتر الذي تسببت به بدعم جماعة الإخوان وشن حملات إعلامية ضد القاهرة لسنوات.
وأشار المتحدث باسم الرئاسة المصرية أحمد فهمي، في منشور على موقع فيسبوك، إلى قمة مصرية تركية بالقاهرة. وأضاف “من المقرر أن يعقد الرئيس عبد الفتاح السيسي مباحثات موسعة مع الرئيس أردوغان لدفع الجهود المشتركة لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، والتباحث بشأن العديد من الملفات والتحديات الإقليمية، خاصة وقف إطلاق النار في غزة وإنفاذ المساعدات الإنسانية لأهالي القطاع”.
ووقع السيسي ونظيره أردوغان عددا من اتفاقيات التعاون المشتركة بين البلدين في قصر الاتحادية. إضافة إلى التوقيع على الإعلان المشترك حول إعادة تشكيل اجتماعات مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين مصر وتركيا.
وأشار الإعلان إلى أن رئيسي البلدين سيترأسان الاجتماعات المقبلة لمجلس التعاون الاستراتيجي الرفيع المستوى وأن المجلس سيجتمع بالتناوب كل عامين في تركيا ومصر، وسيتم تنسيق العمل وإعداد جدول الأعمال لكل اجتماع من قبل وزيري خارجية البلدين.
وتابع أنه “سيتم التعاون بين الجانبين في مجالات الخدمات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والتجارية والمصرفية والمالية والاستثمارات والنقل والطيران والبحرية والسياحة والصحة والعمل والأمن والصناعات العسكرية والدفاعية ومكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب”.
كما سيتم التعاون في مجالات الثقافة والتعليم والعلوم والتكنولوجيا والطاقة والتعدين والزراعة والبيئة والغابات والتحول السكني والحضري وتغير المناخ والاتصالات والمعلومات والشؤون القنصلية.
ولفت الإعلان المشترك أنه تم تكليف وزيري الخارجية والوزراء المعنيين الآخرين في البلدين، من أجل تفعيل التعاون في هذه المجالات والقيام بالتنسيقات اللازمة واتخاذ كافة الإجراءات لإعداد مذكرات التفاهم والاتفاقيات.
ووفي مؤتمر صحفي مشترك، أعرب السيسي عن ترحيبه بنظيره التركي واصفا الزيارة بأنها ”أول زيارة له لمصر منذ أكثر من 10 سنوات لنفتح معا صفحة جديدة بين بلدينا بما يثري علاقتنا الثنائية ويضعها على مسارها الصحيح”.
وتابع “إن مصر وتركيا أكدتا على أهمية زيادة المساعدات الانسانية إلى قطاع غزة وأهمية وقف إطلاق النار فيه” وقال إن التواصل الشعبي بين مصر وتركيا استمر خلال السنوات العشر الماضية، كما شهدت العلاقات التجارية والاستثمارية نموا مضطردا خلال تلك الفترة. وأضاف أن مصر حاليا الشريك التجاري الأول لتركيا في أفريقيا كما أن تركيا تعد من أهم مقاصد الصادرات المصرية.
ونوه أن التجربة أثبتت الجدوى الكبيرة للعمل المشترك بين قطاعات الأعمال في البلدين، مضيفا:” وبالتالي سنسعي معا إلى رفع التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار خلال السنوات القليلة القادمة وتعزيز الاستثمار المشترك وفتح مجالات جديدة للتعاون “. وأضاف “مهتمون بتعزيز التنسيق المشترك والاستفادة من موقعي البلدين كمركزي ثقل في المنطقة لتحقيق الاستقرار”. وأوضح أن مصر وتركيا تواجهان تحديات مشتركة مثل خطر الإرهاب والتحديات الاقتصادية.
ومن جانبه، قال الرئيس التركي “إنه يمكن تطوير علاقتنا العسكرية مع مصر إضافة الي مجالي الطاقة والسياحة” مشيرا إلى أنه يستهدف مع مصر زيادة حجم التبادل التجاري الي 15 مليار دولار.
وأضاف أردوغان عازمون على زيادة استثماراتنا في مصر والتي هي في حدود ثلاثة مليارات حاليا. وتابع أن ما يحدث في غزة من أحداث مأساوية قد تصدر جدول أعمالنا اليوم، معربا عن تقديره لدور مصر في إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
وعملت أنقرة على إرسال إشارات للتقارب مع مصر منذ فترة، كانت سببا في مصافحة السيسي ,لأردوغان بقطر في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، على هامش بطولة كأس العالم، وعرض أنقرة التوسط بين مصر وإثيوبيا في أزمة سد النهضة، وتشديد السلطات التركية الخناق على أنصار الإخوان بتركيا. وأواخر العام الماضي، أعلنت مصر وتركيا إعادة تبادل السفراء، كخطوة في اتجاه تحسين العلاقات وحل الخلافات خلال السنوات القليلة الماضية.
وأعلن أردوغان الاثنين أنه سيتوجه إلى الإمارات ثم إلى مصر “لرؤية ما يمكن القيام به من أجل إخواننا في غزة”. وأضاف أن أنقرة تفعل “كل ما في وسعها لوقف إراقة الدماء. وتحسنت العلاقات بين الرجلين، مع تقارب مصالحهما الآن في العديد من النزاعات الإقليمية بما في ذلك السودان أو قطاع غزة.
وكانت آخر زيارة لإردوغان الى مصر في عام 2012 عندما كان رئيسا للوزراء. وكان حينها الإسلامي الراحل محمد مرسي حليف أنقرة، رئيسا للبلاد. وأطاح وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي حينها مرسي عام 2013، ومنذ ذلك الحين كرر إردوغان أنه “لن يتحدث اطلاقا” مع “شخص مثله”.
وبعد الزيارة بعام، أطاحت ثورة شعبية بمرسي في 2013، بمساندة الجيش ومنذ ذلك الحين اشتدت الخلافات بين البلدين، وكرر أردوغان أنه “لن يتحدث إطلاقا” مع “شخص مثله”، في إشارة إلى السيسي.
واحتج إردوغان علنا على الإطاحة بمرسي واتهم السيسي، بقيادة انقلاب ضد زعيم الإخوان، وتصاعدت حدة الحرب الإعلامية بين البلدين وصولا إلى سحب السفراء، ما مثل بداية قطيعة دبلوماسية استمرت 10 سنوات. ومن عام 2013 إلى عام 2021، تفاقمت المشكلات بين البلدين بسبب استمرار أنقرة في دعم الإخوان في حملاتهم وتحركاتهم ضد القاهرة.
ويعتبر الإخوان المقيمين في تركيا وقنواتهم الإعلامية سببا لتأجيج شدة الخلاف بين البلدين، وكانت القاهرة ترغب في أن تضيق السلطات التركية الخناق على أعضاء الجماعة المنفيين وأنصارهم المقيمين في تركيا وتسلم الهاربين الذين تتهمهم القاهرة بارتكاب أعمال عنف ضد الدولة المصرية. بالإضافة إلى ذلك أرادت السلطات المصرية إغلاق القنوات الإعلامية التي تتخذ من إسطنبول مقرا لها، والتي تهاجم بشدة مصر.
وانضمت مصر إلى الإمارات والسعودية والبحرين في فرض مقاطعة وحصار على قطر في 2017 بعد اتهام الدوحة بدعم الجماعات الإسلامية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، والتي اكتسب بعضها السلطة مباشرة بعد احتجاجات ما سمي بـ”الربيع العربي” عام 2011. لكن تركيا إردوغان دعمت قطر خلال الأزمة وتعهدت بتقديم دعم عسكري، ما فاقم الخلاف المصري التركي في ملفات أخرى، أبرزها ليبيا.
وتصاعد التوتر بين البلدين في الملف الليبي عام 2020، ما هدد بمواجهة عسكرية كاملة بعد تدخل تركيا عسكريا في الحرب الأهلية في ليبيا، وهي خطوة أثارت رد فعل عنيف من الرئيس السيسي، الذي اعتبرها تهديدا صارخا للأمن القومي المصري.
ورغم استمرار الأزمة السياسية لفترة طويلة تدعم مصر وتركيا حكومتين متنافستين في ليبيا وبقيت العلاقات التجارية جيدة، فأنقرة هي الشريك التجاري الخامس للقاهرة.
لكن لاحقا اتخذت أنقرة خطوات لإظهار جديتها بشأن التقارب مع مصر، وفي مارس 2021، حث مسؤولون أتراك قنوات المعارضة المعادية على تخفيف حدة انتقاداتها للرئيس المصري، ولم يمض وقت طويل بعد ذلك، حتى أعلنت قناة “مكملين”، وهي قناة تابعة لجماعة الإخوان المسلمين تشتهر بانتقادها المستمر للسيسي، تعليق بثها من إسطنبول، قائلة إنها ستنقل مقرها الرئيسي “إلى مكان آخر”.
وفي أيلول/سبتمبر الماضي تحدث الرئيسان للمرة الأولى وجها لوجه على هامش قمة مجموعة العشرين في نيودلهي. وكانا تحادثا أيضا غداة وقوع زلزال السادس من شباط/فبراير 2023 الذي خلف أكثر من 50 ألف قتيل في تركيا. وفي تموز/يوليو تم تعيين سفراء من الجانبين.
ومطلع شباط/فبراير أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بيع مصر مسيرات قتالية.
وعلى صعيد أزمة غزة، استدعى إردوغان الذي وصف إسرائيل بـ “دولة إرهابية” وحماس بـ “مجموعة محررين”، السفير التركي في تل أبيب مطلع تشرين الثاني/نوفمبر، رغم اعتباره أن “قطيعة تامة” مع اسرائيل مستحيلة.
وقبل السابع من تشرين الاول/اكتوبر كان العديد من القادة السياسيين لحماس يقيمون في اسطنبول، وطلب منهم بعد ذلك مغادرة البلاد. ولدى اندلاع الحرب في غزة. اقترح اردوغان وساطته لكن المفاوضات للتوصل الى هدنة ما تزال تقودها حتى الآن قطر ومصر دون دور كبير لتركيا.