منذ مطلع القرن العشرين، نشأت العديد من الحركات والجماعات الإسلامية على غرار جماعة الإخوان المسلمين، ونادت معظمها بالإحياء والإصلاح، والتحرّر عن طريق الدعوة إلى الإسلام الصحيح، الذي خرجت معالمه مع الوقت عن الكتب الدينية لتترسخ في صور قادة ودعاة تلك الحركات أنفسهم؛ كحسن البنا وجمال الدين الأفغاني وغيرهما.
وقد التصقت أحلام الإصلاح والأيديولوجيات المثالية عن النهضة وإعادة أمجاد الأمة الإسلامية بشخوص أولئك القادة، الذين حملوا ألقاباً بطولية عديدة، منها لقب المرشد، الذي التصق بجماعة الإخوان تحديداً، وبالقائد الأعلى الروحي للدولة الإيرانية بعد ثورة 1979، فما سرّ هذا اللقب الذي لا يحمله إلا شخصانِ في هذا العالم؟ ولماذا حاز كلّ هذه الشهرة؟
الركن السادس
تاريخياً، يوجد تقاربٌ بين جماعة الإخوان المسلمين وإيران، ما يجعل كلمة مرشد، التي تعني وفق معجم “المعاني”: التربوي، والدليل، كلمةً لها تاريخ مشترك قديم أيضاً، وقد مرّت في دلالة استخدامها بتغييراتٍ عند كلا الطرفين؛ حيث أصبحت تقود في باطنها إلى ما هو بعيد عن ظاهرها، وتجاوزت منذ زمنٍ طويل إشارتها إلى الوعظ والدعوة الدينية.
وعن العلاقة بين إيران والإخوان؛ يقول المحامي والقيادي السابق في جماعة الإخوان، ثروت الخرباوي: إنّ “التقارب بين الإخوان وشيعة إيران بدأ منذ العام ١٩٣٨؛ عندما جاء تقي الدين القمي إلى مصر، وتقابل مع حسن البنا، وبدأت تختمر لديهما فكرة التقريب بين السنّة والشيعة”.
ويضيف الخرباوي في حديثه لـحفريات: وهذه الفكرة ظاهرها طيب وباطنها خبيث؛ إذ إنّ كلّ ما يهمّ الشيعة هو نشر مذهبهم في العالم السنّي، ومن ثم السيطرة عليه، ثمّ بالفعل أنشؤوا العام ١٩٤٧ داراً للتقريب بين السنّة والشيعة، في حين قابل البنا في الفترة بين 1938 و1947، عدداً من رجال الدين الشيعة”.
أيضاً، يعيد النامي تأكيد الإعجاب الكبير الذي يحظى به سيد قطب وأفكاره من قِبلِ خامنئي بالذات، والعديد من رجالات الدولة الإيرانية الآخرين، ويعلق الخرباوي بقوله: “فكرة الحاكمية لها جذور واحدة بين الإخوان وشيعة إيران، وقد كتب الخميني كتاباً مهماً، العام ١٩٦٩، وضع فيه أسس الحاكمية عند شيعة العصر الحديث، وهو كتاب “الحكومة الإسلامية”، وفكرة هذا الكتاب مأخوذة من كتاب “معالم في الطريق”، لسيد قطب، لكنّ الخميني صاغ فكرته بما يتناسب مع عقيدة الشيعة الإمامية، وتتمثل في وضع التأصيل لولاية الفقيه كبديل لولاية الإمام حين ظهوره، وإذا كان الشيعة جعلوا من الإمامة ركناً سادساً من أركان الدين لا تقوم باقي الأركان بدونه، فإنّ حسن البنا جعل من الخلافة والحكم ركناً سادساً من أركان الدين لا تقوم باقي الأركان من دونه”.
ومن أجل الوصاية على هذا الركن؛ يؤكّد الخرباوي أنّ باقي الأركان الدينية “يجب أن تعمل لخدمة ركن الخلافة والحكم عند الإخوان وشيعة إيران؛ لذا فإنّ الدين تمّ تسخيره لتحقيق مصالحهم السياسية، كما أنّ مشروعهم هذا قضى في فكرته الرئيسة على مفهوم الوطن الحديث، ورأى أنّ العمل من أجل الوطن الحدودي هو إشراك بالله”.
من الوعظ إلى السياسة
تحوّلت جماعة الإخوان مبكراً من الوعظ إلى العمل السياسي، محاولةً جعل مسألة الحكم بما أنزل الله تعالى ذريعةً حتى تقول الجماعة من خلالها أنّها الوحيدة الصالحة للحكم، وقد سقطت هذه الذريعة بسهولة، في الفترة بين عامَي 2012 و 2013؛ إذ إنّه سرعان ما اعترض الشعب على حكم الجماعة، وعزل الرئيس الإخواني محمد مرسي عن السلطة آنذاك، وبصرف النظر عن باقي التفاصيل، فإنّ إيران وَعَت درس التحوّل هذا من الدعوة إلى السياسة، وسخرته منذ قيام ثورتها، من باب مبدأ تصدير الثورة الذي رحّب به الإخوان نهاية سبعينيات القرن الماضي.
وبسؤاله عن المعنى الكامن في لقب المرشد، أوضح الخرباوي: هو لقب ديني صوفي تستخدمه الطرق الصوفية كلقب للولي، وهو يعني أنّ المرشد يقوم بتوجيه الضالين العميان الذين يعيشون في التيه، ولا يعرفون الحقّ من الباطل، المرشد عندهم هو الذي يمسك بيد العميان حتى يقودهم إلى طريق الحقّ، وهذا الضّال يجب لخلاصه من التيه أن يلتزم بالسمع والطاعة المطلقة لمرشده”.
ويشير القائد السابق في الجماعة إلى فكرة الطاعة المطلقة هنا، قائلاً: “لقد اختار حسن البنا هذا اللقب من الطريقة الحصافية الصوفية، ووضع مفاهيم السمع والطاعة المطلقة من خلالها، حتى إنّ أشهر مقولات الإخوان التي تلخص الانقياد التام للمرشد هي: “أنا بين يدي المرشد كالميت بين يدي من يغسله يقلبني كيف يشاء”، ومكانة المرشد عند الإخوان كبيرة جداً لدرجة أنّ المرشد قبل أن يحصل على موقعه هذا يتعامل معه الإخوان بشكل عادي، لكنّه عندما يصبح مرشداً ينال قداسة كبيرة، وهو أمر يشبه منصب بابا الفاتيكان كثيراً”.
ويعتقد الخرباوي، وفق خبرته السابقة في الجماعة؛ أنّ تلك القداسة التي يتمّ فرضها من خلال لقب المرشد، “ربما هدفها أن تحمي الجماعة من التفكّك، بالتالي، فإنّ الاعتماد في بنية الجماعة على طاعةٍ مطلقة لفردٍ واحدٍ (دكتاتور)، تعني أنّ أيّ اهتمامٍ وطني أو برامجي سياسي، أو اجتماعي، لا قيمة له في النهاية، وربما ليست له فاعلية حقيقية، ما دامت أهداف الجماعة تتمثل في فرد واحد، يمثل الحقّ على حساب كلّ ما ذكر آنفاً”.
لا يختلف الأمر كثيراً في دولة المرشد الإيرانية؛ فمنذ عهد الخميني وإلى خامنئي، ورغم تسلّم المرشد الأعلى للحكم في إيران بصورةٍ فعلية، فإنّ فكرة اللادولة واللاوطن ظلت حاضرةً في أذهان المرشدين؛ فالأوامر السياسية والضوابط الأخلاقية والمعاملات الاجتماعية، تتم في النهاية وفق رؤية المرشد، وليس ضمن تسلسل بيروقراطي يحترم المؤسسية.
نقلا عن حفريات