سياسة

تاتشر والتوحد.. كتاب جديد يثير الجدل حول صحتها النفسية


أثار كتاب جديد موجة من النقاشات الحادة في الأوساط الأكاديمية والسياسية البريطانية. بعد طرح فرضية غير تقليدية تتعلق بشخصية رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر.

فبينما اعتاد العالم على وصفها بـ”المرأة الحديدية” التي حكمت بريطانيا بقبضة صارمة لأكثر من أحد عشر عاماً، يطرح المؤلف سؤالا جريئا: هل كانت السمات الشخصية لتاتشر انعكاسا لاضطراب طيف التوحّد الوظيفي العالي. بما يحمله من خصائص سلوكية وعقلية باتت مفهومة أكثر في زمننا الراهن؟

يستند الكاتب في طرحه إلى نحو 150 رسالة خاصة تبادلتها تاتشر مع شقيقتها، إضافة إلى شهادات مقربين منها، ليؤكد أن الكثير من سماتها تتوافق مع ما يُعرف اليوم بخصائص التوحّد. فقد كانت صارمة الذهن إلى حد التطرّف، مهووسة بالتفاصيل الدقيقة إلى درجة أرهقت من حولها. وتعتمد أسلوباً مباشراً وصادماً في الحديث، ما جعل كلماتها في كثير من الأحيان تجرح الآخرين من دون قصد.

أما أكبر نقاط ضعفها فتمثلت – بحسب الكتاب – في عجزها شبه الكامل عن “قراءة الغرفة”. أي فهم السياق الاجتماعي والمزاج العام للمحيطين بها، بحسب صحيفة ديلي ميل. 

منذ طفولتها في مدينة غرانثام، بدت تاتشر مختلفة عن زميلاتها. فلم تكن محبوبة على نطاق واسع في المدرسة، إذ عُرفت بكثرة المحاضرات التي تلقيها على من حولها وبميلها الدائم إلى استعراض إنجازاتها، من دون أن تدرك كيف كان ذلك يُستقبل من الآخرين.

وكانت تأخذ الأمور على محمل الجد إلى درجة أنها كثيرا ما فسّرت العبارات المجازية بشكل حرفي، ما جعلها تبدو غريبة الأطوار أحياناً.

ومع دخولها عالم السياسة، لم تتغير هذه السمات كثيراً. فقد أشار مساعدوها المقربون إلى أنها لم تكن تفهم النكات بسهولة، بل كانت تحتاج إلى شرح مطوّل كي تستوعبها. وأنها كانت تفتقر على الدوام إلى الحس الاجتماعي الذي يساعد السياسيين عادة على كسب التعاطف الشعبي.

هذا الضعف جعلها تعتمد بشكل كبير على فريق من الكتّاب والمستشارين لصقل صورتها العامة ولإعادة صياغة خطابها بما يتناسب مع متطلبات التواصل السياسي والإعلامي.

ورغم اعتراف المؤلف بأن التشخيص الطبي بأثر رجعي أمر مستحيل وغير دقيق، إلا أن طرحه يسلط الضوء على زاوية جديدة لشخصية مثيرة للجدل. فربما لم يكن صلابتها وعنادها مجرد صفات قيادية طبيعية، بل انعكاساً لطريقة مختلفة في معالجة المعلومات والتفاعل مع العالم من حولها.

وبالنسبة لمؤيديها، قد يشكّل هذا التفسير إضافة لفهم سر قوتها وصلابتها. إذ أنها لم تهتم يوما إن أحبها الناس أم كرهوها، بقدر ما كانت مشغولة بتنفيذ ما تراه صحيحاً وصائباً.

أما منتقدوها، فيرون أن هذه السمات نفسها جعلتها غير مرنة. غير قادرة على التراجع أو التفاوض، الأمر الذي ساهم في انقسامات عميقة داخل المجتمع البريطاني خلال سنوات حكمها.

وفي نهاية المطاف، يفتح الكتاب الباب أمام نقاش واسع: هل كانت مارغريت تاتشر بالفعل رمزا للقوة والعناد السياسي فحسب. أم أنها كانت أيضا مثالا مبكرا على قيادة سياسية خرجت من داخل طيف التوحّد، في زمن لم يكن هذا التشخيص معروفاً أو مقبولاً اجتماعياً؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى