تفاصيل جديدة حول هجوم 7 أكتوبر
كشفت مصادر خاصة لصحيفة “الشرق الأوسط” تفاصيل جديدة تتعلق بهجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي الذي نفذته (كتائب القسام)، الجناح المسلح لحركة حماس في المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة.
وقالت المصادر: إنّ الهجوم بدأ بـ (70) مقاتلاً فقط نفذوا هجوماً مباغتاً انطلاقاً من عدة مناطق على طول حدود القطاع من شماله إلى جنوبه، وهؤلاء هم الذين تجاوزوا العائق الحدودي الإسرائيلي في اللحظات الأولى عبر تفجير عبوات ناسفة أعدت خصيصاً لتفجير فتحات في جدار سميك بعد تحديد نقاط الضعف فيه، وعبر استخدام طائرات شراعية ومظلات أسقطت مقاتلين وراء المواقع الإسرائيلية وفوقها وحولها.
وأوضحت المصادر للصحيفة أنّ هؤلاء تم اختيارهم من مختلف مناطق القطاع من بين مئات من عناصر “وحدة النخبة”، وقد تلقوا تدريبات مكثفة على مدار أعوام، وكانت تجري اختبارات خاصة لهم كل فترة لتحديد قدراتهم وتطوير مهاراتهم القتالية، مشيرة إلى أنّ خطة اقتحام مستوطنات غلاف غزة ليست جديدة، بل تم التفكير فيها وبدء الإعداد لها قبل حرب عام 2014. وعندما اندلعت تلك الحرب تم تجميد الخطة، قبل أن تتجدد المساعي بعد عام. وما إن وقعت معركة “سيف القدس” عام 2021، حتى تقرر في الجناح العسكري لـ (حماس) الاستعداد لها وتنفيذها حين تتهيّأ الظروف.
وأدى عناصر النخبة الأكثر تميزاً الذين تم اختيارهم للعملية قسَماً خاصاً أمام قادتهم على عدم إفشاء أيّ سر عن تدريباتهم، وعدم الحديث عن أيّ خطط تتعلق بتلك التدريبات، وذلك على الرغم من أنّ هؤلاء العناصر لم يكونوا على علم بوجود مخطط واضح وقريب لتنفيذ أيّ هجوم، وإنّما تلقّوا فقط تدريبات خاصة حول اقتحام المستوطنات.
ووفق (الشرق الأوسط) فإنّ العديد من قادة الكتائب في مناطق قطاع غزة لم يكونوا على علم بأيّ تفاصيل، أو حتى على علم بوجود نيات عن هجوم قريب، بينما اطلع بعضهم على معلومات محدودة تتعلق بمهامهم، مضيفة أنّ ذلك كان جزءاً من خطة أمنية تم وضعها لمنع تسريب أيّ معلومات قد تصل إلى المخابرات الإسرائيلية التي اعترفت لاحقاً بفشلها في منع وقوع ما حصل في 7 تشرين الأول (أكتوبر).
أمّا قرار تنفيذ الهجوم وتوقيته، بحسب ما تقول المصادر ذاتها، فقد اتخذ من قبل (5) أشخاص فقط، هم: قائد حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار، وقائد (كتائب القسّام) محمد الضيف، وأحد أهم مساعديه وأبرز المطلوبين لإسرائيل، محمد السنوار “شقيق يحيى”، والقيادي في الحركة روحي مشتهى، وهو المقرب من السنوار، إلى جانب أيمن نوفل أحد المقربين من الضيف والمسؤول السابق عن “استخبارات القسّام” وقائد “لواء الوسطى” في الكتائب والمسؤول عن غرفة العمليات المشتركة للمقاومة، وقد اغتالته إسرائيل خلال الحرب الحالية.
وأضافت المصادر أنّ المسؤولين عن التحضير للعملية أعلموا لاحقاً قادة ألوية (كتائب القسّام) بالتجهيزات التي تم وضعها وبمخطط الهجوم ولكن ليس توقيته، وتم إخطارهم قبل (3) أيام بالاستعداد النهائي، ثم اجتمعوا مع قادة كتائب المناطق وأعطوا كل قيادي مهام محددة من دون تحديد “نقطة الصفر”. وقام قادة الكتائب بدورهم في تجهيز قواتهم المختارة للمهمة، فيما تلقى أيمن صيام، قائد الوحدة الصاروخية على مستوى قطاع غزة (اغتيل أيضاً خلال هذه الحرب)، تعليمات خاصة بالتجهز لإطلاق مئات الصواريخ تزامناً مع بدء الهجوم.
وشرحت المصادر كيف تم تحديد يوم 7 تشرين الأول (أكتوبر)، إثر تقارير ميدانية من وحدات الرصد أكدت وجود حالة سكون تام على الحدود، ثم قرر المسؤولون الـ (5) يوم الجمعة الموافق 6 تشرين الأول (أكتوبر) أنّ أنسب وقت هو صباح يوم السبت (العطلة الرسمية في إسرائيل)، وانتظروا دخول منتصف الليل وأعطوا الأمر بالتجهز، فتلقى القادة الميدانيون ومقاتلو “قوات النخبة” التعليمات، وبدؤوا بالتحرك حتى ساعات الفجر، ثم انطلقت العملية.
وطال غطاء السريّة التي عمل بها مسؤولو (القسام) المسؤولين السياسيين في حماس، كما يبدو، فقد قالت المصادر ذاتها إنّ قادة حماس في داخل القطاع وخارجه تلقوا إحاطة قبل ساعات من العملية، وطُلب منهم الاختفاء الكامل، وفق الخطوات الأمنية المتبعة عند الطوارئ.
وذكرت المصادر أنّ قادة الحركة الكبار، وبينهم رئيسها إسماعيل هنية، ونائبه صالح العاروري، أحيطوا علماً بوجود خطة لهجوم استثنائي، ولكن من دون تفاصيل دقيقة أو موعد ذلك، وعلموا بالتوقيت قبل ساعات قليلة ومحدودة، مثل البقية.
وشددت على أنّ هدف الخطة الأساسي كان تنفيذ “هجوم نوعي كبير”، وأسر مجموعة من الجنود الإسرائيليين، ولكن حدثت مفاجآت جعلت الهجوم أوسع. وقالت إنّ المقاتلين فوجئوا بسهولة سقوط خطوط دفاع القوات الإسرائيلية، ممّا أدى إلى قتل وإصابة وأسر عدد كبير من الجنود فوراً. وبعد مرور ساعة ونصف على الهجوم الأوّلي، تقرر استنفار بقية أفراد “وحدات النخبة” في (القسّام)، ووصلت رسائل لهم بالتجمع في نقاط مختلفة، والانطلاق كقوات إسناد للعناصر الموجودة داخل مستوطنات الغلاف. وفي وقت لاحق أبلغ منسق الأجنحة العسكرية في (كتائب القسام) بقية الأجنحة المسلحة للفصائل بإمكانية مشاركتها في العملية، وحدد لكل فصيل مهام معينة، ثم توسع الهجوم ونجح المئات من المسلحين والمواطنين والصحفيين، بالدخول إلى مستوطنات الغلاف بعد انهيار القوات الإسرائيلية.
وأكدت المصادر أنّه بعد أسر عشرات الإسرائيليين ووسط فوضى كبيرة، طلبت قيادة (القسّام) من المقاتلين في المستوطنات إشغال القوات الإسرائيلية قدر الإمكان، مستغلة ذلك للتركيز على عملية جمع المختطفين وإخفائهم.
حماس وفصائل فلسطينية وجماعات وعائلات نجحت في نقل نحو (240) مختطفاً إسرائيلياً وغير إسرائيلي (مثل العمال التايلانديين) إلى داخل قطاع غزة. وتبقى منهم الآن نحو (136) بعد إجراء عمليات تبادل أسرى ومحتجزين في وقت سابق. كما عثر الجيش الإسرائيلي على جثث بعض المخطوفين ونقلهم إلى داخل إسرائيل خلال العمليات البرية الجارية في القطاع.
يذكر أنّ الهجوم الذي شنته حماس أدى إلى مقتل أكثر من (1200) إسرائيلي، واختطاف أكثر من (200) آخرين في مستوطنات وكيبوتزات ومواقع عسكرية في منطقة غلاف غزة، وتشن إسرائيل من يومها حرباً جوية وبرية انتقامية، قتلت خلالها أكثر من (23) ألف فلسطيني، أغلبهم من الأطفال والنساء.