اخترنا لكم

تونس ليست بخير

فهد ديباجي


بعد عشر سنوات من ثورة الياسمين، يتبادر في أذهاننا السؤال عن حال تونس: هل هي بخير؟ ليأتينا الجواب “تونس ليست بخير”.

لأنّ نظامها وشعبها لم يكونا بخير، ولن يكونا على خير، في ظل استمرار الأوضاع نفسها، وسعي جماعات الإسلام السياسي “المتمثلة في حزب النهضة”، للوصاية والهيمنة عليها، ثم تحركات هذه الجماعات الخارجية المريبة، واستمرار حرب تنظيم “الصلاحيات والدستور” التي لن تسمح باستقرار الدولة بعدما برزت للعلن، وطالما ارتضى شعب تونس الخضوع.

تونس التي تفرض حجراً صحياً شاملاً بدءاً من الأحد؛ للحد من “انتشار كورونا”، يقر ويصادق برلمانها بأغلبية أعضائه على تعديل قانون المحكمة الدستورية بعد أن رفضه رئيس الجمهورية سابقاً قيس سعيد، بطلب من الحكومة التي تعتزم أن تؤكد “سيطرتها” على الوضع السياسي في تونس؛ طلباً لتفويض استثنائي من البرلمان، وهو ما خلّف جدلاً سياسياً حادا يعده البعض غير دستوري، لا سيما بعد اتهام الائتلاف البرلماني الداعم للحكومة بمحاولة تجاوز الرئاسة، واللجنة المالية.

تونس التي شكّلت في تاريخها الحديث “بلداً نُخبوياً” ظلت تضم نُخباً “ثقافية تنويرية” أسهمت في إشعاع مبادئ وقيم ثقافية، بحيث لم تفقد تونس ذلك السحر المُميَّز الذي أهّل نُخبها الثقافية والسياسية لتَصُدُّر مواقع ريادية، إلا أن ما يحدث حالياً يأتي ضمن أوهام “الربيع العربي”، ومحاولة جماعات الإسلام السياسي للاستغناء عن “الدولة الوطنية” تحت بند “الدولة الاستبدادية” وباسم مشروع ديمقراطي “مزيف” للسلطة، لتكون الدول والشعوب أسيرة للحركات السياسية الدينية المشوهة، وأسيرة الأيديولوجيات والتيارات الفكرية التي تمثل ثقافة الكراهية والانعزالية، وتفتقد أدنى مقومات إدارة الدول ومؤسساتها.

فقد أثبتت السنوات الماضية أن مشروع الإسلام السياسي في بنيته السياسية متهالك إلى درجةٍ لا تؤهله ليكون مشروعاً للحكم الذي يقدّم البديل للدولة المتأزمة، بل على العكس، فقد أظهرت تجربة الإسلاميين أن المشروع الذي حملته حركات “الإسلام السياسي” يزيد الواقع مأساة، إذ هو منفصلٌ بقدر كبير عن متطلبات الواقع، ويميل في معظمه إلى الشعارات التي لا تدعمها برامج ومشاريع واضحة للحكم، ويخضع لأجندات القوى الخارجية؛ ولأنها تفتقد في الأصل القيم الديمقراطية، والمواطنة، وممارساتها، وغياب نقد الذات، وثقافة الحوار والتعايش من دون إقصاء، والقبول بالتعدّدية، وافتقاد الوعي بـ”الأبعاد والاحتياجات” التي تدعم الاستقرار؛ نتيجة حلمهم الجمعي بحكم الدولة وفق الحزب الحاكم الواحد، دون بقية الأحزاب من باب “مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى”، ولتتحول تونس من جمهورية الخوف في الحقبة السابقة إلى جمهورية الفوضى تحت قيادة الجماعة، وهو ما يعيدها إلى المربع الأول لغة الاستبداد، ولغة الجماعة “الجماعة الواحدة” التي يرى الكثير أنها الخطر الأكبر على البلاد ومصالحها الاستراتيجية، والمسؤولة عما حلّ بتونس.

من هنا غدت المواجهة في تونس بين رئيس الجمهورية قيس سعيد وزعيم حركة النهضة رئيس البرلمان راشد الغنوشي، معلنة ومفتوحة على كل الاحتمالات، فحين يقول رئيس الجمهورية: “تونس دولة واحدة لها رئيس واحد.. حيث لن نسمح بمراكز قوى فيها”، بينما الغنوشي الذي يبدو أنه يخرق “سفينة تونس” قام بتشكيل جهاز أمن موازٍ في البرلمان، بعد إصداره مذكّرة تنفيذية تضمنت أسماء الإداريين المكلفين بحفظ النظام في مجلس نوّاب الشعب، وكأن طبول الحرب الباردة الداخلية تُقرع، ولن يتوقف الصراع على القمة إلا بحوار بين الفرقاء، أو استسلام أحدهم.

لعلَّ “تونس في مهب الريح”، مصطلح مقبول، فهي بدون أي استقرار اقتصادي، لا سيما أن الصندوق الدولي الذي يعد طوق النجاة غير متحمّس لإقراض البلاد نحو 4 مليارات دولار، في ظل بعض التحفظات، خصوصاً في مسائل يراها ضرورية لغياب الاستقرار الحكومي، وعدم التزام الحكومات التونسية التي تعاقبت بتنفيذ حزمة تعهداتٍ تعهدت بها، فالاستقرار في تونس اليوم ما زال بعيداً عن المأمول؛ لأن غياب الاستقرار في أيّ بلد يكمن في الصراع “الشخصي” على السلطة، ومحاولة صناعة ديكتاتورية جديدة بطريقة أو بأخرى.

كذلك لن يأتي الاستقرار و”النظام أعوج”، فكل المؤشرات تؤكد أن تونس مثقلة بالديون، وبالارتفاع الكبير في نسب البطالة تنحدر نحو الهاوية، وصراعات أصحاب السلطة زادت من منسوب الاحتقان في الشارع، وهو ما يؤكد أنه آن الأوان لتهب رياح الإصلاح، وأن تونس تحتاج إلى مشروع إصلاح وطني حقيقي، وأن يحتكم الفرقاء إلى خارطة طريق، من مخارجها: سدّ الفجوات الدستورية، ومعالجة القضايا الاقتصادية، والاجتماعية، والصحية، والتنمية، ولظى الإرهاب والتطرف، ونيران الاقتتال، وشبح المجاعة، ليبقى السؤال: هل ما زالت تونس قادرة على العبور بهذا المركب المترنح؟ وهل لديها القدرة على مواجهة كل هذه الصعوبات والمآزق وإيجاد مخارج ناجعة، وحكومة عقلانية “للخروج” من وجع الدستور والصلاحيات؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى