مع قرب انتهاء الفترة التي حددها الرئيس قيس سعيّد لتجميد صلاحيات البرلمان وفق بيان 25 يوليو، لا يزال التونسيون ينتظرون الخطوات القادمة.
فتدابير الرئيس التونسي شملت تجميد البرلمان شهرا، وتوليه السلطات التنفيذية كافة، تزامنا مع إعلان حل الحكومة، وهي القرارات التي اعتمد الرئيس فيها على الفصل 80 من الدستور، وفق حقه كرئيس للجمهورية بالتدخل لإنقاذ البلاد من خطر داهم حسب ما يراه، وقد دعمه في ذلك كامل الإرادة الشعبية.
لذا، فإن أهم ما يترقبه التونسيون حاليا هو الإعلان عن حكومة جديدة وتكليف شخصية وطنية بتشكيلها، فالرئيس لا يمكن له أن يغامر بالتأييد الشعبي الكبير الذي يحظى به، لا سيما أن حركة “النهضة” الإخوانية وتابعيها قد أغرقوا وسائل الإعلام بأخبارهم المزيفة والمتناقضة، والتي تستعدي الشعب على الرئيس، كما أنهم استقووا بالخارج لتمرير خطابين مزدوجين، الأول للداخل التونسي تعترف فيه “النهضة” بأنها أخطأت وتدعو للحوار، والثاني للغرب تحذره مما تسميه “دكتاتورية جديدة” في تونس.
الإخوان، الذين يُحاربون رغبة الشعوب بلافتة الديكتاتورية، يكرهون الابتعاد وفقدان السلطة، التي هي أهم أهدافهم، ومن هنا نجد أن قرارات الرئيس التونسي أشارت بوضوح إلى مدى الزلزال الداخلي، الذي تعرضت له حركة “النهضة”، وتدني شعبية “الغنوشي”، وعدم إمكانية استمراره كزعيم للحركة، غير أن الأهم من كل هذا أن “النهضة” عرضت استعدادها لمراجعة ماضيها والقرارات التي اتخذتها، بشرط أن يتم ذلك في سياق حوار وطني شامل.
وهذا الأمر الخبيث لم يفُت على الرئيس قيس سعيد في ظل انعدام الثقة الشعبية في “إخوان تونس”، وفي ظل الأزمات المتلاحقة التي ألحقوها بالبلاد، وفي ظل الفساد والوسائل والأساليب الملتوية التي يمارسونها على مدار سنوات مضت، ما يجعل القبول بوجود الإخوان، ممثلين في حركة “النهضة”، مرة أخرى في دائرة الحكم يدخل حاليا في دائرة المستحيل.
وما استجابة الشعب الفورية لقرارات “سعيد” إلا تأكيد لفرحة التونسيين بالتخلص من حركة “النهضة”، التي كان استمرارها في الحكم محل غضبهم، لذا سارعوا منذ اللحظة الأولى لإعلان القرارات التاريخية إلى الالتفاف حول رئيسهم، وصار “سعيد” بطلا شعبيا يحظى بإجماع لافت، وهو الذي فاز في انتخابات 2019 بأغلبية غير مسبوقة، رغم أنّه جاء من خارج المنظومة الحزبية، بخلاف الرؤساء الذين سبقوه، ولأنه أستاذ القانون الدستوري الذي امتلك الشجاعة لينهي لعبة الدجاجة والبيضة ويحكم بتفويض من الشعب وباسمه، بعد أن ملّ التونسيون شعارات الديمقراطية والحرية الزائفة، والتي حوّلتها الأحزاب المؤدلجة إلى جدل سياسي ونخبوي عقيم، وبات شعارهم إما ديمقراطية تقودهم إلى السلطة تحت إرادة وإدارة التنظيم الدولي للإخوان -وهو سلاح تستعمله “النهضة” ليبدو وجودها في الحياة السياسية طبيعيا- وإما الغرق في الفوضى والإرهاب والعنف.
من حق الشعب التونسي ملاحقة ومحاسبة جماعة الإخوان الفاسدة، وفتح الملفات الغامضة والمسكوت عنها، ومن حق وواجب الرئيس تشكيل حكومة عاجلة، حتى لا تُستغل تلك اللحظة التي يعيشها التونسيون اليوم، في ظل وعيهم بحجم التحديات التي تواجه بلادهم من خطر التنظيم الدولي للإخوان.