حقوق الإنسان في تركيا.. سجل حافل بالانتهاكات الجسيمة
يضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لكل شخص الحق في الحياة والحرية والأمن، والمساواة أمام القانون، والحق في التملك والتعليم وحرية الرأي والعمل والمشاركة في القرار. وتقول المادة 31 منه: ليس في هذا الإعلان نص يجوز تأويله على أنه يخول لدولة أو جماعة أو فرد أي حق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه.
ورغم الاتفاقات الدولية التي تدعو إلى ضمان حقوق الإنسان، ما يزال عالمنا مثقلاً بالممارسات التي تقوض تلك الحقوق، حيث تعاني شعوب عدة دول من الإقصاء والتهميش والقمع والحرمان من أبسط الحقوق كالمياه والطعام والعيش الكريم.
وفي هذا السياق، أظهر التقرير السنوي للعام الحالي الصادر عن الاتحاد الدولي لنقابات العمال، الصادر قبل أيام، والمنشور على الموقع الإلكتروني الرسمي للاتحاد، تعرّض العمال الأتراك ونقاباتهم لانتهاكات حقوقية جسيمة على خلفية الحملات الأمنية التي تقودها السلطات التركية ضدهم، وهو ما أثار انتقادات واسعة من مؤسسات محلية ودولية معنية بحقوق الإنسان ضد أنقرة.
والاتحاد تأسس في الأول من نوفمبر من عام 2006 بعد اندماج الاتحاد الدولي لنقابات العمال الحرة مع الاتحاد العالمي للعمل، ليشكلا بذلك أكبر اتحاد لنقابات العمال في العالم.
وقال التقرير إن الشرطة التركية حاصرت مقر اتحاد نقابات العمال التقدّمي التركي والمعروف اختصاراً بـ DISK في شهر مايو الماضي، عندما اعتقلت رئيسه أرزو سيركيز أوغلو وأمينه العام عدنان سيردار أوغلو و25 آخرين من أعضاء الاتحاد الذي يعد واحداً من أكبر نقابات العمال في تركيا.
واتهم الاتحاد الدولي لنقابات العمال، الحكومة التركية بقيادة حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان، باتباع سياساتٍ معادية للعمال وممثليهم في النقابات. كما اتهم أنقرة بانتهاك حقوقهم أيضاً، علاوة على حقوق المدافعين عنهم.
هذا، وصادق أكبر اتحادٍ لنقابات العمال الأتراك على المعلومات التي وردت في تقرير الاتحاد الدولي لنقابات العمال الذي صنّف تركيا بموجبه ضمن أسوأ 10 دول تُنتهك فيها حقوق العمال في العالم، ورصد من خلاله حادثة سجن 26 مدرّساً من أعضاء مؤسسة اتحاد التعليم بعد مداهمة بيوتهم في مقاطعة ديار بكر ذات الغالبية الكردية والواقعة جنوب شرقي تركيا، وكذلك عقب تفتيش محتويات مكاتبهم في أماكن عملهم.
وتواصل السلطات التركية سجن قادة نقابيين اعتقلتهم في غضون العام الجاري، على خلفية مواقفهم المعارضة للحكومة التركية، وانتقادهم لسياساتها المناهضة للنقابات غير الحكومية، بحسب ما جاء في تقرير الاتحاد الدولي الذي أكد أيضاً استمرار السلطات بما أطلقت عليه العداء للعمال ومنع بعض أرباب عملهم من الالتحاق بالنقابات التي تحمي حقوقهم.
وتعرّضت مختلف النقابات التركية لضغوطاتٍ أمنية، خلال السنوات الماضية، خاصة عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة على حكم الرئيس أردوغان منتصف شهر يوليو من العام 2016، حيث أُغِلق بعضها بذريعة ارتباطها بجماعة فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بالوقوف خلف تلك المحاولة الانقلابية، كما تم طرد عشرات الآلاف من وظائفهم بذريعة مشاركتهم في المحاولة الانقلابية، في حين اتهِمت أنقرة من قبل جهات دولية بينها وكالة تابعة للأمم المتحدة، بانتهاك اتفاقيتها بشأن العمل عقب إغلاق السلطات نقاباتٍ عمالية وسجن بعض القائمين عليها.
ولجأت نقابات تركية أغلقتها أنقرة إلى منظمة العمل الدولية بعدما انتهكت السلطات حرية تكوينها، مثلما فعل اتحاد أكسيون – إيش، لكن السلطات لم تتراجع عن قرار إغلاق هذا الاتحاد حتى الآن.
ودائما مع الانتهاكات التركية، تشهد سجون البلاد انتهاكات جسيمة بحق السجناء، تفاقمت بشدة مؤخرا، خاصة مع أزمة فيروس كورونا المستجد، لتصل حد التفتيش العاري والحرمان من المياه والطعام، حيث كشف تقرير أعدته لجنة التحقيق في حقوق الإنسان، واللجنة الفرعية المعنية بحقوق المحكوم عليهم والسجناء، انتهاكات جسيمة عن أوضاع السجناء في سجون فان وإزمير علي أغا ومانمان، أبرزها استمرار التفتيش العاري للسجناء.
ويعاني السجناء من صعوبة في الوصول إلى الماء الساخن والبارد، ويقدم لهم طعام غير صحي، ويتم تقييد أيدي السجناء بالكلبشات أثناء نقلهم إلى المستشفيات، بغض النظر عن وضعهم الصحي، كما أن طلباتهم بتغيير الغرف مرفوضة، ولا يتم الرد على التماساهم، ويتعرضون باستمرار لاستخدام العنف النفسي، حيث اشتكى سجناء من أنه لم يسمح لهم بمقابلة أي شخص لمدة 18 شهرًا.
وكشف السجناء عن وقوعهم فريسة لحراس السجن الذين يخاطبون السجناء بطريقة تحط من الكرامة الإنسانية، ما وصل أحيانا إلى مستوى التهديد، ووصلت الانتهاكات إلى أن هناك أشخاصا يوضعون في الزنزانة بمجرد قدومهم إلى المؤسسة بإحالة إجبارية ويبقون فيها لعدة أيام دون توفير الماء البارد.
وكشف التقرير عن غياب الرعاية الصحية، خلال وباء كورونا، حيث كانت هناك مشاكل في الاستفادة من الخدمة الصحية وزيارة طبيب الأسنان بشكل عام، وكان لقاء الطبيب في حالات الطوارئ فقط، وكان أحد الأجنحة مصابًا بالجرب، لكن لم يتم نقلهم إلى الطبيب، وأيضا لم يُسمح للمدانين والمعتقلين باستخدام إجازة الجنازة، وتسببت هذه الممارسة في الإيذاء.
وبالإضافة إلى كل ذلك، يوجد 26 شخصا داخل زنزانة واحدة تتسع فقط لـ14 شخصا، زيادة على مواجهة السجناء صعوبة في الوصول إلى العقاقير الطبية، وتجاهل حق المعتقلين في التصويت. لم يُسمح لمن كان لهم حق التصويت بالتصويت.
وخلال الربع الأول من العام الحالي، كشف تقرير سابق للجنة السجون التابعة لجمعية حقوق الإنسان- فرع إسطنبول، عن 1233 انتهاكا للحقوق، من بين أهمها استمرار تعذيب السجناء، وإساءة معاملتهم من خلال الاعتداء الجسدي، والتهديد، والضرب، والبحث في العنابر أثناء المداهمات، وانتهاكات الحق في الرعاية الصحية والعلاج، والحظر، والممارسات التعسفية.
وتابع: إنه تم إلغاء جميع الحقوق الاجتماعية في السجون بذريعة وباء كورونا، حيث تم تكثيف العزلة والفصل، بينما لم يتم اتخاذ الإجراءات المناسبة الخاصة بالمرض؛ ما أدى إلى ارتفاع عدد حالات الإصابة إلى حد كبير.