حلف الناتو ومخاطر سياسة الأبواب المفتوحة
عندما تأسس حلف شمال الأطلسي “الناتو” في أبريل عام 1949، كان عدد أعضائه 12.
وقد بلغ هذا العدد نهاية العام الماضي 30 عضوا، وهو رقم قابل للزيادة على وقع تداعيات الأزمة الأوكرانية وإعلان الحلف استعداده للنظر سريعا في قبول عضوية كل من فنلندا والسويد، مع احتمال إقدام دول أوروبية أخرى، عُرفت بـ”الحياد الإيجابي” على تقديم طلب العضوية.
واللافت أن زيادة عدد أعضاء الحلف تأتي على وقع الحروب، حيث شكلت الحرب الكورية، ومن ثم الحرب اليوغسلافية، واليوم الحرب الروسية-الأوكرانية، أبرز محطات توسيع الحلف في إطار سياسة “الأبواب المفتوحة” التي يتبعها.
وهو ما يؤكد علاقة خطط الحلف بالحروب، رغم أن شعاره الأساسي هو الدفاع.
بانتظار انضمام فنلندا والسويد إلى عضوية الحلف، يحمل هذا التوسع الجديد مخاطر كثيرة، لعل أهمها:
1-توسيع رقعة الحرب الروسية-الأوكرانية، خاصة في ظل تهديدات روسيا بـ”إجراءات انتقامية”، في ظل قناعتها الدفينة بأنها هي المستهدفة من هذا التوسع الجديد للحلف، وهذه التهديدات قد تطال فنلندا، التي لها حدود بطول 1300 كم مع روسيا، حيث من شأن انضمامها للناتو محاصرة روسيا جغرافيا، وتحقيق تغيير جيوسياسي في موازين القوى على شكل انتصار للناتو على روسيا، وهو ما لن تقبل به الأخيرة، ولعل هذا ما يفسر تهديدها بنشر أسلحة نووية تكتيكية على الحدود مع فنلندا، التي لها تاريخ من الحروب والصراعات مع روسيا، أبرزها ما عرف بـ”حرب الشتاء”، بعد أشهر قليلة من اندلاع الحرب العالمية الثانية.
2-نهاية سياسة الحياد الإيجابي، التي اتبعتها الدول الاسكندنافية، الأمر الذي يحمل مخاطر جمة على الأمن الدولي، فسياسة الحياد التي اتبعتها هذه الدول كانت بمثابة جدار عازل يمنع إمكانية المواجهة والصدام، ويقلل من هامش الخطأ العسكري، إذ إن مثل هذا الخطأ يصبح واردا بقوة مع الحروب، لا سيما مع انتشار الأسلحة النووية التكتيكية، وعليه فإن هذه السياسة التي شكلت رمزا للإيجابية والاعتدال والتوازن، باتت أمام فصول التخندق في التحالفات والمحاور الدولية، بعد أن لعبت الدول التي اتبعت سياسة الحياد دورا مهما في حل الصراعات، وعقد التفاهمات والاتفاقيات بين الدول المتصارعة طوال العقود الماضية.
3-أن خطوة توسيع حلف الناتو من خلال القبول المرتقب بعضوية كل من فنلندا والسويد في الحلف، من شأنها تعقيد فصول الحرب الروسية-الأوكرانية، ونقلها إلى مرحلة جديدة من التصعيد، وإطالة عمر هذه الحرب، وربما القضاء على إمكانية فرص التفاوض بين موسكو وكييف، ومن شأن كل ما سبق إطلاق العنان للنزعات العسكرية في العالم، لا سيما من قبل الدول الكبرى التي لها مصالح وحسابات إزاء الصراع الجاري بين “الأطلسي” وروسيا على وقع الأزمة الأوكرانية.
الثابت أن انضمام دول جديدة لعضوية الناتو، ليس مجرد عملية دون معانٍ أمنية جيوسياسية، بل في المحصلة هي تعبير عن تغيير واقع الأمن الدولي، وقلب موازين القوى التي لن تقبل بها الدول الكبرى المتضررة من هذا التوسع، خاصة أن عملية الانضمام تعني تلقائيا تفعيل المادة الخامسة من ميثاق الحلف، التي تؤكد مبدأ الدفاع الجماعي للدول الأعضاء ردا على أي هجوم من قبل أطراف خارجية، وهو ما سيزيد من إمكانية الصدام بين الحلف وروسيا، التي باتت محاصرة بالحلف، خاصة أن روسيا تجد في توسع الحلف تهديدا مباشرا لأمنها القومي، وهي تحت عنوان هذا الأمن بدأت عمليتها العسكرية في أوكرانيا.
في الواقع، باتت موسكو ترى في “الأبواب المفتوحة” لحلف الناتو سياسة هدفها دفع روسيا إلى وقف حربها ضد أوكرانيا دون تحقيق أي من أهدافها، وهو ما لن تقبل به، إذ إن ذلك سيشكل “هزيمة مدوية لها”، خاصة أنها ترى أن أمن أوروبا يقع تحت رحمة صواريخها، فهل تجر عضوية هلسنكي واستوكولهم في حلف الناتو العالم إلى حرب عالمية جديدة؟