على مدى تطور التاريخ البشري، شهد العالم ظهور خطابات الحض على الكراهية ضد مجموعات بشرية بعينها.
والتي تحولت إلى ممارسات للتمييز والاضطهاد والعزل، وتنوعت الأسباب التي دعت إلى هذا التمييز ولكنها ارتبطت عادةً باختلاف الأعراق والأجناس والثقافات، وتخوُّف الأغلبية في مجتمعٍ ما من الأقليات التي تعيش بين ظهرانيها، وارتبطت أحياناً أخرى بممارسات جماعات أقلية متطرفة فكرياً ومذهبياً تبنَّت خطاب كراهية تجاه جميع من يخالفها في الرأي.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك، ما قام به الحُكم النازي في ألمانيا ضد اليهود وبعض الفئات الأخرى كالغجر والسلاف وذوي الإعاقة، ومنها التمييز العنصري ضد الأمريكيين السود، والانتقاص من حقوقهم السياسية والمدنية حتى ستينيات القرن الماضي، واستمرار ثقافة التمييز ضدهم التي ظهرت للعيان بعد تكرُّر إطلاق رجال الشرطة الرصاص على المشتبه فيه منهم، والذي وصفه الرئيس “بايدن” في الأسبوع الماضي بتعبير “التمييز المُمنهج أو المؤسسي”، ومنها خطابات الكراهية في الدول الأوروبية ضد الإسلام والمسلمين، وربط الإسلام بالإرهاب مما دفع الحكومة الألمانية في 2020 إلى إصدار قوانين ضد أفكار الحض على الكراهية والتمييز، ومنها الاضطهاد الذي تعرَّض له مُسلمو الروهينجا في ماينمار واضطر مئات الآلاف منهم إلى الهرب خارج بلادهم.
وهناك أخيراً وليس آخر.. أفكار التطرف الديني والمذهبي الذي تتبناه الجماعات الإرهابية والتي تسعى لفرضها بالقوة على الآخرين بصورة وحشية، كان من مظاهرها ما فعله تنظيم داعش في العراق، خصوصاً الأزيديين الذي وصل الأمر معهم إلى الاسترقاق والبيع.
تُبين هذه الأمثلة ما يؤدي إليه الحض على الكراهية من نتائج وممارسات تخالف أبسط قواعد احترام كرامة البشر مثل تبرير القتل وتوفير الغطاء الشرعي له، والعبودية واعتبار الأشخاص الآخرين في مرتبة أدنى من البشر، واستباحة أعراض الفتيات والنساء وبيعهن لمن يدفع الثمن، ثم إن خطاب الحض على الكراهية يؤدي إلى انقسام المجتمع وتسميم العلاقات بين مكوناته، ونمو مشاعر الخوف والشك وعدم الثقة بين الأفراد والجماعات.
فدعوة الحض على الكراهية تخاطب الغرائز الدُنيا عند الإنسان، وتطلق قوى البغض والكراهية الدفينة بداخله، وتقوم على إطلاق صفات بعينها على شعوب وأقوام بأكملها، فخطاب التمييز والحض على الكراهية يحقق مهمتين: فبالنسبة للأفراد الذين يسعى الخطاب إلى كسب تأييدهم لأفكاره فإنه يُنمِّى لديهم الشعور بالتفوق والتميُّز والسمو والاستعلاء، وأنهم أكثر قدرة أو أنقى عرقاً أو أفضل خُلُقاً من الآخرين، وبالنسبة للأفراد الذين يحض الخطاب على كراهيتهم فإنه يُصوِّرهم على أنهم أقل قدرة وأضعف خُلُقاً، ويغرس لديهم الشعور بالدونية، وأنهم السبب في تخلف المجتمع ويُمثِّلون حجر عثرة أمام تقدمه، ويصل الأمر أحياناً إلى وصفهم بـ”الغُرباء” عن المجتمع وأنهم “دُخلاء” عليه.
ومناسبة هذا الحديث، هو ما يحدث في الولايات المتحدة في الشهور الماضية من حض على الكراهية تجاه الأمريكيين من ذوي الأصول الأفريقية والآسيوية، والتي استدعت من الكونجرس والرئيس التدخل لإدانتها، وبخصوص التمييز ضد السود فقد أصبح بؤرة اهتمام الرأي العام الأمريكي والدولي بعد حادثة جورج فلويد في مايو 2020، وانتشار حركة “حياة السود تهُم” في كثير من الدول الأوروبية والأفريقية، وإن كان ذلك لم يمنع من أحداث إطلاق رصاص الشرطة على سود مُشتبه فيهم ولا يحملون سلاحاً، كان آخرها ما حدث في ولاية مينيسوتا في 12 أبريل الحالي.
أما التمييز ضد الأمريكيين من أصول آسيوية والحض على كراهيتهم فقد برز بشكلٍ درامي في العام الأخير مع ازدياد أحداث الاعتداءات عليهم، والتي وصلت إلى إطلاق الرصاص وقتلهم، وإيذائهم بعبارات مسيئة ودفع المُسنين لإيقاعهم أرضاً، ويرجع السبب المباشر لهذه الموجة إلى خُطب وأحاديث الرئيس ترامب، والذي وصف فيروس مرض كورونا بـ”الفيروس الصيني”، وأصر على اتهام الصين بإخفاء الحقائق والتهرب من تحمل المسؤولية.
ومع الإقرار بدور ترامب في إحياء هذه المشاعر، فإن لها جذوراً تعود إلى نهاية القرن التاسع عشر، ففي عام 1882 صدر قرار بمنع هجرة الصينيين إلى أمريكا، وكذلك خلال أعوام الحرب العالمية الثانية عندما تم تجميع الأمريكيين من أصول يابانية في معسكرات اعتقال، أضف إلى ذلك الصورة السائدة في أمريكا من سنوات عن الصين كعدو يسعى لإزاحة واشنطن عن زعامتها للعالم.
ومن التاريخ نتعلم أن الأيديولوجيات والأفكار التي حضت على الكراهية والتمييز انتهت بإفلاسها وتدمير النظم التي أقامتها ونهضت عليها، وأن النُظُم السياسية التي مارست الكراهية والتمييز انتهى الأمر بإضعاف مجتمعاتها وتغيير سياساتها، فعالم اليوم يقوم على قيم التسامح والتنوع الثقافي والإثني وقبول الآخرين.