خطاب الهزيمة في إيران.. واقع أم اعتراف متأخر؟
فقد تناول المرشد الإيراني لأول مرة، وبطريقة غير معهودة عنه، مسائل داخلية دأبت الحكومة الإيرانية على مدار سنوات على انتهاج سياسة الابتعاد عن ذكرها وتجاوزها.
لكن المعطيات المستجدة على الأرض في إيران عادت إلى واجهة الأحداث، بعد اتساع رقعة السخط الشعبي، نتيجة الفساد والبطالة والغلاء، الذي تسبب في ازدياد الفقر في صفوف الإيرانيين، بغض النظر عن التوجهات السياسية لنظامهم الحاكم.
وقد وجّه “خامنئي” سهام اتهاماته نحو من أسماهم بـ”الخونة داخل مؤسسات الدولة الإيرانية” على وقع الاغتيالات الكثيرة التي وقعت لعناصر من الحرس الثوري، الذي يضم في صفوفه آلاف المنتسبين ممن وصلت إليهم عدوى الجوع والفقر، والذين اعترفت وسائل إعلام محلية في إيران بـ”تعاونهم” مع من سمّاهم إبراهيم رئيسي، الرئيس الإيراني، بـ”قوى الاستكبار العالمي”.
إيران، التي أمضت سنوات طويلة من التدخل في شؤون دول المنطقة، مثل لبنان واليمن، هي نفسها إيران التي ينادي المحتجون في شوارعها بضرورة ترك هذه الدول وشأنها، وعدم صرف أموال الخزينة الإيرانية على المليشيات المسلحة.
آمال الحكومة الإيرانية بإبرام اتفاق نووي سريع وناجز مع الغرب بدأت تتضاءل بعد تمسك الرئيس الأمريكي جو بايدن وأركان إدارته ببقاء الحرس الثوري على قوائم الإرهاب، وجاء طرح المبعوث الأمريكي الخاص بإيران، روبرت مالي، بدائل أخرى على المفاوضين الإيرانين، كـ”عقبة جديدة لا يمكن تجاوزها”، بحسب كبير مفاوضي إيران، “باقري”.
الاجتماع الأخير لوزراء خارجية دول مجلس التعاون -الذي انعقد في الرياض- شدد على أهمية إشراك دول الخليج العربية في مفاوضات فيينا، بغية خلق مناخ جديد من السلام والاستقرار يقوم على أسس متينة من احترام طهران لمبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الدول أو السعي لإنتاج سلاح نووي.. كل ذلك لتبقى الكرة في ملعب النظام الإيراني، إنْ أراد تغليب مصلحة شعبه، على مصالح شخصية وفردية لحكامه، الذين يؤمنون بالتوسع وامتداد النفوذ غير المقبول إقليميا، من خلال تغول المليشيات المسلحة الخارجة عن سلطة الدولة والقانون، والمعطلة للحياة السياسية في بلدان عربية.
العقوبات الغربية، التي أثقلت كاهل النظام الإيراني، لن تزول أبدا في ظل قرع إيران لطبول حرب هنا وحرب هناك. والدولار الأمريكي، الذي وصفه كاتب إيراني بأنه “من أكبر جنرالات أمريكا ويقوم بما تعجز عنه الأساطيل”، هو ما تحتاج إليه إيران، كي تبيع نفطها الذي يُصادَر في عرض البحر.
لن يسد جوع الإيرانيين استثمار نظامه في الصواريخ التي تهدد أمن المنطقة أو في مسيرات تهدد أمن بعثات دبلوماسية أو مقرات سيادية حكومية. فيما تصمت وسائل إعلام -عربية وغربية- عن احتجاجات الشعب الإيراني ضد فساد نظامه الذي أنفق ثرواته لتدمير 4 بلدان عربية، لكني يتم الاهتمام بأخبار عن “خامنئي” وهو يقول: “الأعداء يريدون تأليب الشعب ضد النظام”.
الاحتجاجات في إيران هي الاحتجاجات. لا مؤامرة وراءها. لا شيء إلا شعب علا صوته ليقول إنه يعاني.. أما أي تناول إعلامي آخر فهو معادلة إعلامية غريبة تقدم خليطا من تغييب الوعي والانحياز لرواية يتم توظيفها سياسيا لخدمة نظام لا يراعي مصالح شعبه.