خيرسون.. المعركة الفاصلة في أوكرانيا
تحشد أوكرانيا قواتها لاستعادة السيطرة على “خيرسون”، التي كانت أول مدينة خسرتها في منتصف شهر مارس/آذار الماضي.
في المقابل تعمل موسكو عبر خطوات وتكتيكات كثيرة لإفشال الهجوم الأوكراني المرتقب، فطالما باتت ترى أن “خيرسون” إلى جانب المقاطعات الأربع، التي ضمّتها مؤخرا عقب الاستفتاء، “جزء من الأراضي الروسية”، وعليه تحوم أجواء ملامح معركة كبرى، ستكون فاصلة بنظر مراقبين، إذ تتمتع “خيرسون” بأهمية استراتيجية للطرفين، ففيها يمر نهر دنيبرو، الذي يقسم أوكرانيا إلى شطرين، وتشكّل المعبر البري الوحيد الذي يؤدي إلى شبه جزيرة القرم، حيث يتم عبره نقل المعدات والأسلحة والجنود الروس، فضلا عن أنها تشكل شريان حياة الجنوب بإمداده بالمياه.
تدرك موسكو أن ثمة ضغطا أمريكيا وأطلسيا على كييف لفتح معركة “خيرسون” قبل الثامن من الشهر المقبل، موعد الانتخابات النصفية للكونجرس الأمريكي، حيث يريد الديمقراطيون حصد مكاسب سياسية أمام الرأي العام قبل هذا الموعد، لإظهار فعالية الدعم الأمريكي لأوكرانيا، كما يدرك الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، أهمية هذا الموعد، إذ يخشى من أن يكون فوز الجمهوريين بالانتخابات النصفية للكونجرس مدخلا لتراجع الدعم الأمريكي والغربي عموما لحكومته.. وعليه يعد لمعركة “خيرسون” بعشرات الآلاف من الجنود، بينهم المدربون على أيدي خبراء حلف شمال الأطلسي “الناتو”، كما يسعى لحصار المدينة كي تكون المعركة موجعة لموسكو، ما دفع بالأخيرة إلى إجلاء الأهالي من “خيرسون”، وتكثيف قصف مواقع الطاقة الأوكرانية، وتأمين محطة زابوريجيا للطاقة النووية، وإرسال آلاف القوات إلى بيلاوسيا للمشاركة في هذه المعركة، وتشكيل تجمع إقليمي مع الأخيرة، في إطار الاستعداد لاحتمال توسع هذه الحرب، مع استمرار الغرب في فرض عقوبات باتت شبه يومية على موسكو لاستنزافها، مقابل مد كييف بمختلف أنواع الأسلحة والمعدات.
معركة “خيرسون” تحمل مخاطر كثيرة، منها احتمال لجوء الطرفين إلى استخدام أسلحة متطورة وجديدة، بما في ذلك أسلحة نووية تكتيكية، رغم إبداء موسكو رغبتها في عدم اللجوء إلى هذا الخِيار إلا في إطار العقيدة الروسية، التي تحصُر استخدام هذا السلاح في “التعرض إلى تهديد وجودي”، وكذلك خطر احتمال تحول المياه إلى ما يشبه قنبلة ذرية، إذا ما علمنا أن “خيرسون” تعوم على بحر مياه، وهو ما يفسر التحذيرات من تفجير سد “نوفا كوخوفكا”.. إذ يرى مراقبون أن تفجير هذا السد سيكون مفعوله مفعول استخدام أسلحة دمار شامل.. فتدميره -ولو عن طريق القصف خطأً- سيؤدي إلى إغراق معظم الجنوب الأوكراني، الواقع تحت سيطرة روسيا بكميات هائلة من المياه.
التسخين لمعركة “خيرسون” يجري على وقع استكمال حملة التعبئة الروسية الجزئية، حيث يصل المقاتلون إلى جبهات المعارك، كما يجري على وقع تحركات “الأطلسي” في الجوار الجغرافي، بعد أن أجرى “الناتو” منذ أيام تدريبات على استخدام قنابل نووية أمريكية في أجواء بلجيكا وبحر الشمال وبريطانيا، وسط تسابق الدول الغربية على تقديم مختلف أشكال الدعم العسكري لكييف، بما يشي بمزيد من الانخراط في هذه الحرب، وهو ما يوحي بأجواء حرب عالمية ثالثة مع انخراط دول وتشكيلات إقليمية فيها، خاصة بعد الحديث عن استخدام واسع لمُسيّرات في المعارك الجارية، في وقت باتت تُلقي هذه الحرب بتداعيات مدمرة على مناطق واسعة من العالم، حيث النقص الكبير في الغذاء والطاقة على أبواب الشتاء.
معركة “خيرسون” هي تعبير عن انسداد أفق الحوار والتفاوض على حلٍٍّ سياسي كان يمكن أن يجنّب أوكرانيا والعالم كل هذا الدمار، فيما اللجوء إلى الحسم العسكري قد لا يكون سوى فصل من الصراع المحتد بين روسيا والغرب، لطالما باتت موسكو تنظر إلى معركة “خيرسون” على أنها ستكون معركة “ستالينجراد ثانية” للدفاع عن نفسها.