سياسة

رسائل نووية من الأعماق: كيف تغيّر روسيا معادلات الردع؟


تمضي موسكو قدمًا في تطوير جيل جديد متقدم من الغواصات النووية الاستراتيجية القادرة على حمل صواريخ باليستية.

وأكد نيكولاي باتروشيف، مساعد الرئيس الروسي ورئيس المجلس البحري، أن البرنامج الجديد لا يقتصر على الغواصات ذاتها، بل يشمل أيضًا دمج مركبات ذاتية التشغيل تحت الماء ومنظومات تسليح بحرية متطورة وصفها بأنها «لا نظير لها عالميًا»، في إشارة واضحة إلى تصاعد سباق التسلح التكنولوجي في أعماق البحار.

جاء هذا الإعلان خلال احتفالات الذكرى الخامسة والعشرين بعد المائة لتأسيس مكتب «روبين» المركزي للتصميم الهندسي البحري، أحد أعمدة الصناعات البحرية العسكرية الروسية، حيث كُشف أن مهندسي المكتب يعملون بالفعل على مراحل التصميم وبناء النماذج الأولية للغواصات الجديدة.

ووفق الخطط المعلنة، يتوقع أن تبدأ هذه الغواصات دخول الخدمة اعتبارًا من عام 2037، لتحل تدريجيًا محل أسطول غواصات فئة «بوري»، الذي يضم حاليًا ثماني غواصات عاملة وأربع وحدات إضافية قيد البناء.

نموذج لغواصة الجيل الخامس الروسية

 

وكان مكتب «روبين» قد عرض خلال معرض «الجيش-2022» تصورًا مبدئيًا لغواصة مستقبلية بهيكل مائل، مزودة بـ12 أنبوبًا لإطلاق الصواريخ الباليستية، إضافة إلى مركبات غير مأهولة من طراز «سوروجات-في» مخصصة لمهام الحرب المضادة للغواصات.

وعلى الرغم من عدم تأكيد ما إذا كان هذا التصميم سيجري اعتماده بصيغته النهائية، فإن الإعلان الأخير يؤكد توجه روسيا نحو دمج تقنيات رقمية متقدمة، واستخدام منصات غير مأهولة، وتطوير أسلحة بحرية غير تقليدية ضمن عقيدتها البحرية الجديدة.

وكان الرئيس فلاديمير بوتين قد ألمح في وقت سابق إلى نجاح اختبارات لأنظمة مبتكرة مخصصة لهذا الجيل من الغواصات، ما يعزز التوقعات بشأن قفزة نوعية في قدراتها العملياتية.

ويأتي هذا البرنامج في ظل سباق استراتيجي دولي محتدم تحت سطح البحر، حيث تعمل الولايات المتحدة على تطوير غواصات الصواريخ الباليستية من فئة «كولومبيا»، فيما تمضي الصين في تطوير غواصاتها من فئة «تايب 096»، التي يُتوقع أن تعتمد تقنيات ثورية في تقليل الضوضاء، مثل أنظمة الدفع المغناطيسي والمراوح ذات الحافة الدافعة.

وفي هذا السياق، تتزايد التكهنات حول إمكانية تبادل أو نقل تقنيات متقدمة بين موسكو وبكين، في إطار تعاون دفاعي آخذ في التوسع، بما قد ينعكس على موازين القوى البحرية العالمية.

وعلى الرغم من التراجع النسبي لمكانة الأسطول السطحي الروسي منذ نهاية الحرب الباردة، فإن أسطول الغواصات ظل محافظًا على موقعه المتقدم عالميًا، ويحظى بأولوية واضحة في خطط التحديث والاستثمار.

وتُعد روسيا الدولة الوحيدة التي تنتج فئتين من الغواصات النووية الاستراتيجية في وقت واحد، هما غواصات «بوري» الحاملة للصواريخ الباليستية، و«خاباروفسك» المصممة لنشر طوربيدات نووية بعيدة المدى، ما يعكس تنوعًا فريدًا في أدوات الردع البحري.

ويتركز الانتشار الرئيسي لهذه الغواصات في أسطول القطب الشمالي، الذي يمثل المسرح الاستراتيجي الأهم للعمليات البحرية الروسية.

وفي هذا الإطار، شدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تصريحات أدلى بها خلال أغسطس/آب على أن غواصات «بوري» تمنح روسيا أفضلية حاسمة في حال اندلاع صراع نووي، نظرًا لقدرتها على العمل تحت جليد القطب الشمالي والاختفاء عن وسائل الرصد، مع إمكانية توجيه ضربات إلى أهداف في أوروبا وأمريكا الشمالية بزمن إنذار قصير.

ومن المنتظر أن تحمل غواصات الجيل الخامس تحسينات أكبر في الأداء والقدرة على العمل في البيئات القطبية القاسية، بما يعزز من قوة الردع الاستراتيجي الروسي ويحافظ على توازن القوى في أعماق المحيطات.

زر الذهاب إلى الأعلى