ساكو يوضح للرئيس الصدر سياق تصريحاته حول التطبيع
دخل الجدل الدائر بشأن استخدام مصطلح “التطبيع” خلال قداس عيد الميلاد في بغداد منعطفاً جديداً، بعد أن وجّه بطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق والعالم، الكاردينال لويس روفائيل ساكو، رسالة مباشرة إلى زعيم التيار الوطني الشيعي مقتدى الصدر، عبّر فيها عن أسفه لما وصفه بسوء فهم وتفسير كلمته التي ألقاها خلال المناسبة الدينية، مؤكداً أن حديثه أُخرج من سياقه الحقيقي، وأنه لم يكن يقصد به بأي شكل من الأشكال الدعوة إلى التطبيع السياسي مع إسرائيل.
وأوضح في رسالته، التي جاءت في ذروة سجال سياسي وإعلامي واسع، أن ما آلمه هو تحميل خطابه معاني لم يتضمنها، مشدداً على إدراكه التام لحساسية ملف التطبيع في العراق وما يحمله من تبعات قانونية وسياسية وشعبية. وبيّن أن كلمته ركزت حصراً على دعوة المجتمع الدولي إلى إعادة توجيه الاهتمام نحو العراق، بوصفه أرض الأنبياء ومهد الحضارات الإنسانية، بما يسهم في إنعاش السياحة الدينية والأثرية ودعم الاقتصاد الوطني.
وكانت مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المنصات الإعلامية قد تداولت مقتطفات من كلمة البطريرك خلال قداس عيد الميلاد الذي أُقيم في 24 ديسمبر/كانون الاول، ما أثار موجة من الانتقادات والاتهامات، خاصة بعد استخدام مصطلح “التطبيع”، وهو ما فُسّر من قبل أطراف سياسية على أنه ترويج لفكرة مرفوضة شعبياً ورسمياً في البلاد.
وفي محاولة لاحتواء الجدل، أصدرت البطريركية الكلدانية بياناً توضيحياً أكدت فيه أن المقصود بالمصطلح كان “التطبيع مع العراق”، أي إعادة تقديمه إلى العالم كبلد للتنوع والتعايش والحضارة، وليس التطبيع مع أي دولة، في إشارة واضحة إلى إسرائيل. إلا أن هذا التوضيح لم يمنع تصاعد ردود الفعل، لا سيما بعد موقف رئيس الوزراء السابق محمد شياع السوداني، الذي ربط المصطلح مباشرة بكيان محتل، وكذلك دعوة مقتدى الصدر إلى محاسبة كل من يروج للتطبيع “كائناً من كان”.
وزادت حدة النقاش عقب تداول تسجيل صوتي ادعت بعض الجهات أنه يوثق زيارة مزعومة للبطريرك ساكو إلى إسرائيل، وهو ما نفاه إعلام البطريركية بشكل قاطع، واصفاً التسجيل بالمفبرك، ومؤكداً عدم صحته.
ويرى مراقبون أن إعادة فتح هذا الملف بهذا الزخم تعكس حجم الحساسية التي تحيط بقضية التطبيع في العراق، لا سيما في ظل وجود قانون يجرّم أي شكل من أشكال الترويج له، أقره البرلمان العراقي عام 2022. كما يحذر هؤلاء من أن تحميل القضية أبعاداً عقابية، خصوصاً عندما تطال شخصية دينية تمثل مكوناً أصيلاً من مكونات المجتمع العراقي، قد يؤدي إلى توترات غير محسوبة العواقب.
ويشير محللون إلى أن الكلدان الكاثوليك يشكلون جزءاً راسخاً من النسيج الوطني، وأن أي تصعيد يستهدف مرجعياتهم الدينية قد يُفسر على أنه استهداف لمكون بعينه، ما يهدد السلم الأهلي ويضعف أسس التعايش في بلد متعدد الأديان والقوميات، عانى طويلاً من الانقسامات والصراعات.
وتأتي هذه التطورات في سياق إقليمي معقد، إذ لا يزال ملف التطبيع مع إسرائيل موضع خلاف حاد في العراق، وسط رفض واضح من قوى سياسية مؤثرة، خاصة تلك القريبة من إيران، لأي نقاش علني حوله، مقابل ضغوط دولية تُمارس على دول المنطقة للسير في هذا الاتجاه.
ومع استمرار السجال، يحذر متابعون من أن زج الرموز الدينية في صراعات سياسية قد يفتح الباب أمام انقسامات أعمق، ويشكل اختباراً جديداً لقدرة العراق على حماية تنوعه الديني والقومي، والحفاظ على توازنه الداخلي في مرحلة تتطلب قدراً عالياً من الحكمة والتهدئة.
