لا يمكن استبعاد تأجيل الانتخابات الفلسطينية والشتم الشامل للدول من قبل محمود عباس، مع مظاهرات الأقصى/الشيخ جراح قبل العيد بيوم، من احتمالات اتفاق فتح وحماس على أهمية (حرق روما) لاستدامة حكمهم المقتسم، واختبار اتفاق ابراهيم، والمتاجرة للمرة الألف بمصائر الفلسطينيين وتجديد ركام معيشتهم.
لن تعود أي استحقاقات لعموم الفلسطينيين أضاعها زعماؤهم بسوء الحسابات السياسية، ومع الأسف، كلما غيب الموت زعماءً مخطئين، خلفهم من أعاد أخطاءهم أو استحدث أسوأ منها، لتزداد الخسائر وتضيع الاستحقاقات، وهي إن بقيت ضاع التعاطف معها.
السواد الأعظم من الفلسطينيين أهل حق جليّ، لو وجدوا عاقلاً يخلو من الثورجية القومية أو المتأسلمة، ويخلو من العمالة لمحور المساومة، لحقن دمهم وصان أملاكهم، ولتمكن من حشد المجتمع الدولي بدوله العظمى منذ زمن بعيد بحجة حماية الفلسطينيين من محرقة لاحقة على يد اليهود ضحايا المحرقة السابقة. أما وقد ضاعت الفرص، فليس لهذه الاستماتة سوى الرمق الأخير، وبعده من المهم أن يكتب مصير الفلسطينيين العرب المساندين لهم تاريخيا مع إسرائيل صاحبة اليد الطولى في جوارهم.
أغلب الفلسطينيين يعانون احتلالا داخليا مزدوجا، وهو احتلال فتحاوي-حمساوي انتحاري، يريدك أن تساعده بهواه، وإن تضررت أو أساء إليك، وعلى حسابك وإن أعاد الكرّة في سوء حكمه وتخريبه وتحريضه لغوغائه، وهو اليوم سعيد بهواجس الفرص المتوهمة من محاكاته لنيرون عندما أحرق روما بعنجهيته.
حماس تأمل انتصارا لنظرية الإخوان وحلفهم مع إيران، وتزودهم بصواريخ أكثر لابتزازات مستقبلية، فأحزاب ووكلاء إيران يعدون الصاروخ بألف من مواطنيهم. من المهم أيضا وقف وصول تبرعات السذج والمغرضين لوكلاء تنظيم الإخوان المتاجرين بالقدس، لنزع الملاءة المالية التي منحت لعقود مناعة واكتفاء للتنظيمات، طغوا بها على عموم السكان. هذا التحجيم مطلوب لئلا تفتعل حماس وأمثالها ميادين مواجهة لتتسبب في سقوط ضحايا تدعي بهم شرف الحرص على الدم والأرض، وتخون بهم سائر المنطقة.
فتح عباس، وليست فتح بشكل عام، هي الأخرى تأمل لعب دور الضحية من السراديب المحصنة بعد انقشاع الغبار وإحصاء الجثث، وطلب المساعدة من الحكومات المعهودة في المنطقة لا بد سيكون خيارها الأول، مع كيل التهم وإلقاء اللوم والتنظير عبر منابر عدة، أولها جامعة الدول العربية. هي أيضا حركة بحاجة إلى تمكين حكمائها، وليس المتخمين بحصيلة تضامن الآخرين مع القضية الفلسطينية.
مصلحة الفلسطينيين اليوم ليست عند قادتهم، بل هي أمر تناقشه الدول العربية التي تجمعها اتفاقات السلام الإبراهيمي مع دولة إسرائيل، وبقيادة الإمارات، التي تشترك مع الدول الأخرى في الاتفاق – البحرين والمغرب والسودان – في التضامن الأزلي مع الإنسان الفلسطيني وحقه، لكنها الأقدر بين الدول الأربع عبر الثقل المالي والحضور السياسي على التفاوض، والأجدر بما حققته من تنمية لمواطنيها والدعم الكبير لأشقائها وأصدقائها في الشدة والرخاء، في التخطيط والتنفيذ لكل ما من شأنه تحقيق المصلحة الثنائية للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
أما بشأن القدس، فقد كانت لي مداخلة على إحدى القنوات الإخبارية الإسرائيلية منذ مدة، فصلت فيها بين جدال ضيف فلسطيني وآخر إسرائيلي، بأن مصلحة الطرفين تقاسم القدس كعاصمة لدولتين، وتسخير الجانب القديم منها للزوار من الأديان السماوية الثلاثة، بحيث يكون الأتباع المحليون لكل دين قيمين على المعلم الديني الخاص بهم، ومن شأن ذلك أن يكسب المدينة المقدسة مداخيلا تحتاجها الدولتين حينئذ، في عالم يعاني اقتصاديا بعد الجائحة الحالية، ولصالح شعب فلسطيني آن له أن يكتفي من المساعدات.
لكن حتى ذلك الحين، لا بد أن يهدأ الرماد الذي أوقد ناره فرقاء السلطة، مثلما هدأت نار نيرون روما ذات يوم، ليعاود بناءها بأفضل مما كانت، إلا أنه في الحالة الفلسطينية يجب ألا يبقى نيرون أبدا، ولا يخلفه شبيه.