بسؤال لم أتوقعه مغلفا بنبرة حزن لا تخطئها الأذن.. ما الذي يحدث في فلسطين؟ كان السؤال مفاجئا لي حيث يبدو أن عشاق الحرب يصرون على تعكير صفو أعياد الصغار.. قلت لماذا تسألين؟
أجابت بنبرة وثوقية قائلة.. صديقتي في اليوتيوب قالت إنها لن ترتدي لباس العيد بسبب ما يحدث في فلسطين وإن صديقتها في فلسطين أصيبت بصاروخ.
يا لله.. كيف وصل تأثير المجانين إلى عالم الأطفال، حاولت أن أفهمها أن الموضوع بسيط، وأن هذه قضية ستحل وأن صديقتها ستلبس حلة العيد، بصعوبة أقنعتها بأن تستمتع ببقية أيام العيد، وطلبت منها الدعاء بأن تكون الأمور في فلسطين بخير، على الرغم من أنها ظلت تصر على السؤال الذي لم يفارق عقلها الصغير.. لماذا يطلقون الصواريخ على فلسطين؟
أحزننا جميعا ما يحدث في فلسطين هذه الأيام، ولا شك أن ملايين الآباء والأمهات في الوطن العربي والإسلامي مروا مثلي بالموقف نفسه؛ حيث لم يعد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كما كان.
وسائل التواصل الاجتماعي تكفلت بتوفير تغيير كبير لطريقة التعاطي مع هذا الشأن ومتابعته، فقد أصبحت منبرا لأصحاب القضية والمتعاطفين معها والمتاجرين بها في آن واحد.
الجميع وجد في وسائل التواصل الاجتماعي ضالته، خصوصا المتاجرين بالقضية.
من البديهي أن واجب الجميع هو الدفاع عن فلسطين والتعاطف مع قضيتها العادلة، ولا أعتقد أن أحدا يمكن أن يزايد على أي عربي في القضية الفلسطينية، فهي قضية عربية قبل أن تكون قضية إسلامية دينية، غير أن الجميع أيضا مطالب في الوقت نفسه بعدم قبول تمرير استغلال القضية الفلسطينية للحصول على مكاسب سياسية بغيضة، كما يفعل المستفيدون والمعتاشون مما يحدث هذه الأيام.
الذين يقتاتون على القضية الفلسطينية عديدون من مختلف المعسكرات، وأولهم هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي فشل في تشكيل حكومة عدة مرات، ويحاول رفع شعبيته لخوض انتخابات قادمة علّه ينجح في تشكيل الحكومة على حساب الدم الفلسطيني والإسرائيلي أيضا، غير أن ذلك المتاجر لا يعنينا.
أما المتاجر الآخر فهو الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي يريد التغطية على تأجيل الانتخابات، وبذلك يستمر في الجلوس على الكرسي الرئاسي على حساب الدم الفلسطيني.
وأما المتاجر الأكبر فهو حركة حماس، التي تطمح لزيادة شعبيتها واستنزاف جيوب من يرون فيها حركة مقاومة، وذلك بإطلاقها صواريخ عبثية ضرها أكثر من نفعها.
خارج ساحة الصراع الجغرافية ينقسم المتاجرون لنوعين: دول رسمية مثل إيران التي تملك فيلق القدس عالي التجهيز مهمته القتال في أي مكان، ووصل تخريبه وقتله المواطنين العرب في كل مكان، سوريا واليمن والعراق ولبنان، إلا القدس التي يحمل اسمها فهي محرمة عليه أبدا سرمدا، وهي حصرا من خصوصيات المرشد الذي يتاجر بها، مكرسا توغل إيران في استغلال الدم الفلسطيني كل ساعة دون كلل.
يلي إيران في المتاجرة بالقضية الفلسطينية تركيا، التي ترسل المرتزقة لليبيا وسوريا والعراق وغيرها، في حين يتاجر رئيسها أردوغان بالدم الفلسطيني كل ساعة دون أي حياء ولا وخز ضمير.
أما القسم الآخر فهو حركات الإسلام السياسي السنية والشيعية، خصوصا الإخوان وحزب الله، الذين ينتهزون إراقة الدم الفلسطيني وأجساد أطفال غزة وهدم منازل المساكين في أحياء غزة الفقيرة، ليجعلوا من ذلك كله مادة إعلامية لحملة علاقات عامة يجددون بها التعاطف مع قاعدتهم الشعبية، ويقدمون أنفسهم للشعوب العربية البسيطة المدافع الوحيد عن قضايا الأمة وعن المسجد الأقصى، وهم في الحقيقة يشكرون الجيش الإسرائيلي ويتضرعون لاستمرار الحرب.
ومن العجيب أن ثلة المتعاطفين دينيا مع قضية القدس واحتلال المسجد الأقصى كشفت ورقة التوت عنهم صواريخ الحوثي الإيرانية، التي تطلق بشكل يومي على بلاد الحرمين الشريفين دون أن نسمع منهم صوتا منددا بذلك.
قبل أشهر فرحنا كثيرا بتوقيع اتفاقيات السلام الإبراهيمية التي تعول عليها الشعوب لصناعة سلام يستفيد منه الجميع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، كما كنا جميعا ولا نزال نعول كثيرا على هذه الاتفاقيات، ليعيش الطرفان بسلام جنبا إلى جنب، غير أن مشروع المتطرفين والمتاجرين من الطرفين يعمل دون كلل لوأد هذا الحلم.
من الواضح جدا للجميع أن هناك أطرافا إسرائيلية وفلسطينية تريد إجهاض هذه الاتفاقيات، وهنا يتحمل رئيس الوزراء الإسرائيلي جل المسؤولية، فمن المعروف أن الطرف الفلسطيني يقف ضد توقيع هذه الاتفاقيات، وبالتالي فهو مهتم بإفشالها، لذلك كان لا بد لنتنياهو أن يتحمل مسؤولياته التي وقع عليها في هذه الاتفاقيات، وعلى الرغم من أن هذه الاتفاقيات ثنائية إلا أنها لا تفرط ولن تفرط في الحق الفلسطيني كما أعلنت جميع الدول العربية الموقعة عليها.
خلاصة القول، هي أن جميع الأطراف مطالبة بتحمل مسؤولياتها تجاه الأطفال الفلسطينيين الذين يقتلون بدم بارد، وأيضا تجاه أطفالنا الذين أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تقحمهم في هذا الصراع.
حل جميع مشكلات الشرق الأوسط مربوط بشكل أو بآخر بالقضية الفلسطينية، فهي بيت القصيد ومربط الفرس، إلا أن ما يحز في النفس هو أنه إذا كان هناك من يعمل جاهدا من أجل السلام فإنه في المقابل هناك من يعمل جاهدا من أجل الحرب واستمرار الصراع، ليعلم هؤلاء أن أطفال فلسطين يريدون الحياة ويطمحون لمستقبل أفضل، وأطفالنا يفرحهم السلام وتحزنهم الحرب.