قطر و المتاجرة بالقضية الفلسطينية
مع إدراكها أن تحقيق المصالحة الفلسطينية يقوض قدرتها على التأثير وينزع منها ورقة ضغط إقليمية، لعبت قطر دورا سلبيا لإبقاء الخلاف مشتعلا.
وكعادتها كانت المساعدات الإنسانية إلى غزة مدخل الدوحة، لاقتناص موقع في المشهد الفلسطيني، مستغلة علاقتها بتنظيم الإخوان الإرهابي وتحالفاتها مع إيران.
فالدوحة كطهران وأنقرة، دأبت على المتاجرة بالقضية الفلسطينية في مختلف المحافل الدولية، لا سيما على صعيد الرأي العام الإسلامي، سعيا وراء اكتساب مكانة زائفة، دون أن تقدم في الواقع ما يبرر مساعيها تلك.
فخلال تقرير أممي صادر عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في عام 2017 كشف عن أهم المتبرعين والداعمين للفلسطينيين واللاجئين منهم على مستوى العالم.
ومن بين أهم 20 داعما ومتبرعا لا يظهر اسم قطر على الإطلاق، لكن يمكن بوضوح رؤية اسم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والكويت.
غياب الدوحة الملموس عن قائمة المتبرعين، مرتبط برغبتها في حصر دعمها المادي على حركة حماس وغيرها من فصائل القطاع لتقويض السلطة الوطنية الفلسطينية، الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني.
هذا الدعم الخبيث والمغرض من شأنه أن يظهر للرأي العام العالمي أن هناك انقساما فلسطينيا حول القضية، كما يشوه سمعة النضال الفلسطيني التاريخي عبر دعم سلوك حماس الذي تسبب في إلصاق تهمة الإرهاب بالشعب الفلسطيني.
تحركات مشبوهة
وخلال عام 2018 فضحت التحركات القطرية على الأراضي الفلسطينية محاولات الدوحة المشبوهة لخلق مساحة لـ”تنظيم الحمدين” بغزة.
وبدأت المحاولات القطرية من عشرات الزيارات لسفيرها في غزة محمد العمادي إلى القطاع عبر إسرائيل، وصولاً إلى تهريب ملايين الدولارات لحركة “حماس” بالحقائب.
وعلى مدار الأعوام السابقة بدت المحاولات القطرية للتدخل في الشأن الفلسطيني وتخريب الجهود المصرية للمصالحة واضحة للعيان، كما لم تنجح عشرات المحاولات الفلسطينية لثني تنظيم الحمدين عن التدخل، سواء من خلال الانتقادات العلنية أو عبر رجم موكب العمادي، الذي أطلق عليه الفلسطينيون لقب “المندوب السامي” (في إشارة للحقبة الاستعمارية البريطانية بالمنطقة حيث مثل المندوب السامي رمزا لغيبة الاستقلال الوطني)، بالأحذية والبيض.
في الـ23 من أكتوبر/تشرين الثاني 2017 وعقب الإعلان عن المصالحة الفلسطينية الداخلية، زعمت الدوحة أنها لن تدفع رواتب موظفي حماس في قطاع غزة؛ كونها من صميم واجبات حكومة الوفاق الوطني وأنه في حال قررت الدعم فستدعم الحكومة.
بيد أن الوعود القطرية سرعان ما ذهبت مع الريح، بحسب منير الجاغوب، رئيس المكتب الإعلامي بمفوضية التعبئة والتنظيم في حركة “فتح”، الذي أكد في حديث سابق لـ”العين الإخبارية”، أن الدوحة قامت بالتدخل مراراً في الشأن الفلسطيني.
وأضاف الجاغوب أن “تدخلات قطر في الشأن الداخلي الفلسطيني تكللت بإدخال الأموال إلى قطاع غزة من خلف منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية، وهذا عبث واضح بالقضية الفلسطينية وبمصير الشعب”.
تاريخ القضية الفلسطينية شاهد على متاجرة الدوحة الرخيصة بأزمة الشعب الفلسطيني عبر سنوات من التشجيع على الانقسام بين فتح وحماس.
متاجرة رخيصة في العلن وعلاقات في الخفاء بين قطر وإسرائيل بدأت عقب مؤتمر مدريد، حيث كان أول لقاء مع رئيس الحكومة الإسرائيلي حينها شيمون بيريز بعد زيارته الرسمية لقطر عام 1996، ليرفرف العلم الإسرائيلي للمرة الأولى على ضفاف الخليج العربي.
كما تعدّ الدوحة أكبر شريك اقتصادي وعسكري في المنطقة مع إسرائيل، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بين الجانبين إلى 7 مليارات دولار في 2015، رغم شعاراتها الزائفة بشأن “نخاطر التطبيع” على القضية المركزية للأمة العربية.
إشعال الانقسام الفلسطيني
وكشف التقرير الأممي حول الدول المانحة لفلسطين، كذب الشعارات الزائفة التي تروجها قطر بشأن دعم القضية الفلسطينية والبرامج التنموية.
لكن الأموال القطرية المشبوهة استخدمت بقوة في تأجيج الصراع والانقسام الفلسطيني، فبحسب برقية سرية كتبها السفير الأمريكي الأسبق جوزيف لابارون في 8 فبراير/شباط 2010 عن رئيس الوزراء القطري آنذاك حمد بن جاسم آل ثاني، أن وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس طلبت من أمير قطر، المساعدة على إقناع حماس بالمشاركة في الانتخابات التشريعية عام 2006 وهو ما وافقت عليه الحركة للمرة الأولى منذ إقامة السلطة الفلسطينية عام 1994.
ويتضح من البرقيات أن قطر ساندت موقف حماس برفض إجراء الانتخابات الفلسطينية في عام 2010، تنفيذا للخطة القطرية التي كان هدفها تعميق الانقسام الفلسطيني لخدمة إسرائيل وأهدافها الاستيطانية.
متاجرة قطر بالقضية الفلسطينية، واستخدام ملف قطاع غزة لتحقيق مكاسب شخصية، كشفه موقع “واللا” الإسرائيلي في ديسمبر 2018 حيث فضح المتاجرة القطرية بعد ما كشف عن مطالبة قطر لإسرائيل بإعلان دعم الجهود التي تبذلها الدوحة، لتحسين الوضع في قطاع غزة.
نائب بالكنيست يكشف الحقيقة
علاقة قطر بإسرائيل على حساب القضية الفلسطينية، كشفها إيلي أفيدار، عضو الكنيست الإسرائيلي، حيث فضح تفاصيل العلاقة بين الدوحة وتل أبيب، والسياسات المتناقضة لتنظيم الحمدين تجاه إسرائيل.
وأكد إيلي أفيدار، في حوار مع فضائية “سكاي نيوز عربية”، أن قطر تنتهج أسلوب الخداع والكذب في طبيعة علاقاتها القوية مع إسرائيل، التي تعود لعام 1995.
وأوضح إيلي أفيدار أن “النظام القطري حاول إيهام شعبه بعدم وجود أي علاقات بإسرائيل”، لافتاً إلى أن نظام الدوحة “روج إلى أن قطر لا توافق على العلاقات مع إسرائيل، في حين أن النظام هو من طلب عقد اتفاق مع تل أبيب، وافتتاح مكتب تجاري إسرائيلي بالدوحة”.
وروى أفيدار واقعة تبرز تناقض السياسات القطرية بين السر والعلن، قائلا: “تم تكليف فواز العطية، مستشار رئيس الوزراء القطري الأسبق حمد بن جاسم، بتأجير مكتب لصالح الإسرائيليين في قطر، على أن يعلن أنه مالك للمكتب”.
وتابع: “وقتها بدأ الإعلام القطري في الترويج بأن صاحب المكتب يسعى لطرد مكتب المصالح الإسرائيلية من البلاد”.
كما أشار عضو الكنيست الإسرائيلي إلى أنه “في عام 2000، كذبت قطر على الدول التي شاركت بمؤتمر القمة الإسلامية، قائلة إنها “أغلقت مكتبنا، لكنني كنت هناك، وطلبوا مني أن أصمت، وألا أغادر البيت لمدة أسبوعين.. هذا أسلوب قطر، أسلوب الخداع والكذب وإخفاء علاقاتها بإسرائيل”.
وفي هذا الصدد، شدد على أن سياسة قطر هي سياسة (حمد بن جاسم) التي تلعب على الجبهتين، ففي الوقت الذي تقترب فيه من إسرائيل وتعقد اللقاءات مع قادتها بالخفاء، تطلب من قناة الجزيرة، الذراع الإعلامية لها، انتقاد تل أبيب بشكل علني.
وأكد أفيدور أن القضية الفلسطينية ومصالح الشعب الفلسطيني لم تكن على أجندة حمد بن جاسم خلال فترة فتح مكتب المصالح الإسرائيلية بالدوحة.
وقال “أفيدور” إن “الأخير لم يتحدث إطلاقا عن القضية الفلسطينية ولم يفعل شيئا لها، بل لم ينص اتفاق فتح المكتب الإسرائيلي على أي إشارة للقضية”.
وكانت السلطة الفلسطينية اشتكت مراراً من الاتصالات التي تجريها قطر مع إسرائيل وحركة حماس.
وقال عزام الأحمد، عضو اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والمركزية لحركة (فتح)، في وقت سابق، إن قطر تشق الصف وتسعى لتكريس الانقسام بين الفصائل بأموالها التي تدخلها.