قطر.. وسيط دبلوماسي في العلن ولاعب مصالح في الخفاء
كتبت ليور بن آري تحليلا لموقع واي نت العبري، سلطت فيه الضوء على الدور القطري والتركي في سوريا وكيف تعمل الدوحة بشكل نشط على تأمين مكانتها ومصالحها في المنطقة من خلال التنسيق مع أنقرة وتتظاهر بأنها وسيط في الأزمات الإقليمية.
في أعقاب انهيار نظام بشار الأسد في سوريا الأسبوع الماضي، أصدرت وزارة الخارجية القطرية بيانا رسميا قالت فيه إن الدوحة “تتابع عن كثب التطورات في سوريا وتدعو إلى الحفاظ على مؤسسات الدولة ووحدتها”. ومنذ ذلك الحين، جرت مناقشات عديدة بين المسؤولين القطريين وقادة إقليميين مختلفين من مختلف ألوان الطيف السياسي.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري إن بلاده تتابع عن كثب التطورات الإقليمية وخاصة الحرب في غزة والأوضاع في سوريا ولبنان، مضيفا أن “الشعب السوري أمام فرصة لتحقيق تطلعاته وإقامة وطن للجميع ولا بد من دعم خيارات الشعب وندعو كل الأطراف في سوريا إلى العمل معا للحفاظ على وحدة الوطن”.
كما أدان “التوغلات الإسرائيلية في المنطقة منزوعة السلاح مع سوريا وسيطرتها عليها”، مؤكدا أن دور قطر محدد من قبل سوريا وأنها على اتصال مع كل الأطراف المعنية.
بحث أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الاثنين مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، تعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات ومناقشة التطورات الإقليمية.
وأعلنت وزارة الخارجية القطرية الأسبوع الماضي أن سفارتها في سوريا ستعيد فتح أبوابها قريبا، بعد إجراء الاستعدادات اللازمة وأكدت يوم الأحد أن عمليات السفارة ستستأنف الأربعاء.
كما أجرى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي محادثات مع رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد آل ثاني الخميس الماضي. وبحسب التقارير الإيرانية فإن المحادثات ركزت في المقام الأول على الوضع في سوريا.
وفي اليوم نفسه، زار دمشق وفد تركي قطري مشترك ضم وزير الخارجية التركي حقان فيدان ورئيس جهاز أمن الدولة القطري خلفان الكعبي. والتقى الوفد بزعيم المتمردين أحمد الشرع (أبومحمد الجولاني سابقا) ورئيس الوزراء السوري المؤقت محمد البشير.
وتخطط قطر بالفعل لخطواتها التالية في المنطقة، فبعد سقوط نظام الأسد، أرسلت قطر على الفور مساعدات إنسانية إلى سوريا عبر تركيا. وقبل أسبوع، أعلنت وزارة الخارجية القطرية أن الإمارة الغنية بالغاز سلمت مساعدات مخصصة لسوريا إلى مدينة غازي عنتاب التركية.
ويوضح الدكتور أرييل أدموني الباحث في قسم الشرق الأوسط بجامعة بار إيلان والمتخصص في شؤون قطر، أن “القطريين يعرفون كيف يستغلون القضية الإنسانية كأداة قوية لخدمة مصالحهم. وفي هذه الحالة، تعاونوا مع الأتراك لأنهم يريدون قوات برية ـ أشخاصا على دراية بالوضع عن كثب”، مضيفا أن “القطريين يدركون حدودهم”.
وقال إن “التواصل في السفارة السورية في دمشق أمر لطيف، لكن تركيا تفهم المنطقة ــ سواء كانت تتعامل مع اشتباكات تشمل الأكراد أو قوى صاعدة. إن تركيا تقع على الحدود السورية وهي تعيش كجزء من واقعها وهي مستعدة بالفعل للتدخل ويفضل القطريون أن تتم مشاركة أنقرة بالتنسيق معهم”.
وأضاف أدموني “إذا فكرنا في السلوك القطري منذ الأيام الأولى للحرب الأهلية في سوريا، فإن الدوحة لم تدعم الإسلاميين فحسب، بل دعمت أيضا التحالف والعناصر العلمانية. وكما هو الحال في العديد من الصراعات، تمول قطر مجموعات مختلفة لضمان موطئ قدم على الأرض”.
وتابع “الأتراك والقطريون تربطهم بالفعل علاقات عسكرية واقتصادية وثيقة تعود إلى مقاطعة الدول العربية للدوحة بين عامي 2017 و2021. إن تعاون قطر مع تركيا يوفر لها القرب من الوضع والقدرة على مراقبة التطورات عن كثب.”
وفي ظل حالة عدم اليقين المحيطة بمستقبل سوريا، تعمل الدوحة التي تتمتع بخبرة في “ضمان الاستثمارات المستقبلية”، على تأمين رهاناتها و”إطلاق النار في كل الاتجاهات”.
وأشار أدموني إلى أن “الدوحة تعمل على ضمان احتياج أي طرف ـ سواء كان متحالفا مع إيران أو مع الإسلاميين ـ إلى قطر. وفي منتدى الدوحة الذي عقد قبل نحو أسبوع، أجرت قطر مناقشات مكثفة مع ممثلي الأمم المتحدة والمسؤولين الأميركيين وأثارت القضية السورية مرارا وتكرارا”.
وخلص إلى أن “هذه محاولة مدروسة لتقديم أنفسهم ليس فقط كممثلين لإيران ولكن أيضا للغرب في المنطقة. إن قرار قطر بأن تكون من بين أوائل الدول التي تعيد فتح سفارتها في سوريا ليس مصادفة، فهو يضمن أنه بغض النظر عن الاتجاه الذي يتخذه النظام، فإن مصالحه، بما في ذلك المصالح الاقتصادية، سوف تكون محمية”.
وشدد أدموني على أن قطر لا تريد أن تظهر بمظهر المستغل للفرص بشكل مفرط في هذه المرحلة، لكنها تعمل على ضمان اعتراف جميع الأطراف الإقليمية بها باعتبارها “الوسيط الافتراضي”.
والواقع أن العلامة التجارية الحالية التي يقدمها زعيم المتمردين الشرع تتوافق بشكل ملائم مع رواية الدوحة التي تروج لفكرة مفادها أن الإسلام لا يعني بالضرورة الإرهاب.
وأوضح أنه من خلال وسائل الإعلام وتصريحات رئيس الوزراء ووزير الخارجية، تروج قطر لفكرة معارضتها للإرهاب ولكنها تجادل ضد رفض الإسلام بالكامل”، مضيفا “إذا قدم الشرع نفسه بهذه الطريقة، فلن تعترض الدوحة. إنهم يتبنون هذه الرواية بالكامل”.
وفيما يتعلق بالعلاقات القطرية الإيرانية، قال أدموني إن إضعاف المحور الشيعي الإيراني لن يدفع قطر إلى التخلي عن علاقاتها، مضيفا “قطر تعرف جيدا أنه لا ينبغي لها أن تتجاهل الجهات الفاعلة الإقليمية، حتى عندما تكون في حالة تراجع. وعلى مدى العقد الماضي، عندما كانت حماس أكثر حضورا في غزة، استمرت قطر ـ ولا تزال ـ في التعامل مع السلطة الفلسطينية”.
ويعتقد الباحث في قسم الشرق الأوسط بجامعة بار إيلان والمتخصص في الشأن القطري أن الدوحة سوف تحافظ على علاقاتها مع مختلف الأطراف، مما يضمن أن السوريين قد يحتاجون إليها من أجل إيران ــ أو العكس ــ أو حتى من أجل الغرب. والواقع أن أسلوب العمل القطري مألوف لدى إسرائيل من أنشطتها في غزة، وهذا هو السبب الذي يجعل إسرائيل تشعر بالقلق إزاءه.
وتقدم قطر نفسها كوسيط داعم في حين تسعى وراء مصالح أخرى خلف الكواليس. وقد نجحت هذه الاستراتيجية في ساحات مختلفة حتى الآن، وتشير تصرفاتها الأخيرة إلى أنها عازمة على تعزيز نفوذها في الساحة السورية.
وخلص إلى أنه “وفي النهاية، عندما شرح المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية زيارة الوفد إلى تركيا، قال إن الغرض منها تنسيق المساعدات الإنسانية، لكن عندما يضم الوفد رئيس جهاز أمن الدولة في قطر، فمن الواضح أنك لا ترسل رئيس استخباراتك لتنسيق قضايا المساعدات الإنسانية، فالدوحة لديها الكثير من الوكالات الإنسانية القادرة على التعامل مع مثل هذه المهام”.