قمة “بايدن” الديمقراطية.. رسالة خاطئة للعالم
مع انعقاد القمة الأمريكية الافتراضية للديمقراطية يومي 9 و10 ديسمبر الجاري، تُثار تساؤلات حول الأهداف الأمريكية الحقيقية من هذه القمة.
يأتي هذا فيما الدول المشاركة بالقمة في غالبيتها ليست دولا ليبرالية بالمعني العام، بل يثار حولها كثير من الأمور، سواء في نمط الحكومات الراهنة، أو التركيز على القيم الأمريكية، ومن ثم فإن دعوة دول عربية مثل العراق أو إقليمية مثل إسرائيل، لا يعني أننا أمام نموذج ينطلق من قيم الأمة الأمريكية، التي تشهد حالة انقسام حول الديمقراطية الليبرالية داخليا، والتي كانت ولا تزال محل تجاذب على طريقة “مَن ليس معنا فهو ضدنا”، وهو ما برز في مواجهة الصين بالأساس، على اعتبار أن جزءا مما يثار مرتبط بالفعل بالقدرة الأمريكية على التحدي أو المواجهة وبناء شراكات جديدة في العالم، الذي لا يزال يراقب السياسة الأمريكية ويعمل على نقل مضمونها لمساحات مختلفة.
القمة الأمريكية للديمقراطية وتعزيز منهاج الليبرالية كانت فكرة نظرية في برنامج الرئيس جو بايدن الانتخابي، ومن خلالها كان التركيز على دعم الأصدقاء والحلفاء للعمل معا في مواجهة المخاطر الدولية، التي تواجه السياسات الأمريكية عن قرب، وهذا ما أكده “بايدن” قبل وفي أثناء الدعوة لعقد هذه القمة، التي من المتوقع ألا تسفر عن إطار محدد، رغم وعود وتمنيات الرئيس الأمريكي وإدارته في تحقيق اختراق في مواقف الدول المستهدفة، وعلى رأسها الصين.
“بايدن” قال عن القمة الموعودة إنها سوف تتضمن “من أجل الديمقراطية” أيضا منظمات المجتمع المدني حول العالم، والتي تقف على الخطوط الأولى في الدفاع عن الديمقراطية.
الحقيقة أن إدارة “بايدن” ليس لديها أولويات حقيقية للحكم، فلم ينجح “بايدن” وفريق مستشاريه في استعادة الشمل الأمريكي بعد فترة الرئيس السابق “ترامب”، بل لا تزال القيم الديمقراطية الأمريكية في خطر، وهو ما يمكن تفسيره انطلاقا من تصدير الأزمة للخارج، والعمل على نقل حالة التأزم للعالم، وخلق عدو دولي كبير متمثل في الصين، التي أنجزت كثيرا من أهدافها الاقتصادية، وهو ما يجب وضعه في الاعتبار ونحن نحلل الأهداف الأمريكية مما يجري حول إعادة طرح إشكالية الديمقراطية والتعددية في العالم، مع التركيز على دول بعينها في إطار المنظومة الدولية المعقّدة، التي تسببت بها الممارسات الأمريكية في مزيد من التعقيد لبعض الدول، وهو ما لا تريد إدارة “بايدن” تفهُّم أبعاده، أو العمل على العودة عنه في ظل تعريف غير صحيح لأنظمة الحكم الديمقراطية أو الليبرالية، التي تعمل وفق نهج أمريكي نظري، لا واقعي، بدليل فشل السياسات الأمريكية في السنوات الأخيرة في تحديد مرجعيات لما يمكن أن يجري.
هذا هو الأهم، خاصة أن دولا عديدة في العالم لم تعد تتبنّى نهجا سياسيا على الطراز الأمريكي أو الغربي، ولعل تجربة كوريا الشمالية والصين واليابان والهند نماذج واضحة في هذا السياق، ولهذا تعمل الإدارة الأمريكية وفق ما وعدت به في أثناء حملة “بايدن” بوضع معايير نظرية غير حقيقية في هذا الإطار، وهو ما سيمثل تحديا تعمل الإدارة الأمريكية على تجاوزه وإعادة تدوير السياسات التعددية، وهو الأمر الذي تكرر سابقا تحت تسميات كثيرة تحتاج إلى مراجعة حقيقية من المطالبين بالنموذج الديمقراطي.
الواضح أن الولايات المتحدة تسعى لتولي دفة القيادة من خلال “دبلوماسية واسعة النطاق”.
ليست مناصرة أمريكا للديمقراطية بالأمر الجديد، ولكن تصورات باقي العالم قد تشكّلت في جزء كبير منها عبر أوجه التباين، فيما يتعلق باتساق سياسات الولايات المتحدة مع الخطاب الأمريكي سياسيا واستراتيجيا.
في المجمل العام، لن ينجح مؤتمر الرئيس “بايدن” للديمقراطية في تعزيز الشراكات أو إيجاد نماذج للحكم وفق ما تطرح وتسوّق له السياسات الأمريكية، خاصة أن الإشكالية الحقيقية مرتبطة بما سيُطرح.
الغريب والمثير في هذا الإطار هو التصميم على أن يكون للمؤتمر جزءٌ ثانٍ لمراجعة ما يتم إقراره أمريكيا، ما يؤكد أن الإدارة الأمريكية لا تريد أن تستفيد من أخطائها السابقة، ولا تريد أن تضع الأمور في نصابها، أو أن تتفهم طبيعة أنظمة الحكم التي تتعامل معها، وتضعها في سياقها المباشر، المتعلق بالنموذج الديمقراطي للحكم، ما سيتطلب الانتباه إلى أن الأمة الأمريكية في مأزق حقيقي، وعلى إدارة “بايدن” التركيز على الداخل وليس الذهاب للخارج، وإعادة تلوين الخطاب السياسي الأمريكي تجاه العالم، وهو خطاب يحمل العديد من المتناقضات والأزمات والمشكلات، ومحمّل بكثير من المغالطات التي تحتاج إلى مراجعة جادة.
لقد أهدرت الولايات المتحدة الكثير في الشرق الأوسط، فيما كانت الصين تنمو على نحو كبير.
المُرجَّح أن تؤدي قمة الديمقراطية في نتائجها إلى تعميق الانقسامات بين الدول “الديمقراطية وغير الديمقراطية” بالمفهوم الأمريكي، ما يعيق التعاون، حيث ستؤدي إلى إعادة إحياء الانقسامات، التي سادت في القرن العشرين بين الغرب وبقية دول العالم.
وعلينا أن نتذكر أن الولايات المتحدة بعد أحداث 6 يناير 2021 -اقتحام الكونجرس- لم تعد في وضع يسمح لها بتسويق ونشر قيم الديمقراطية الأمريكية على المستوى الدولي، إذ إنه من الأهمية بمكان، بدلا من عقد قمة عالمية للديمقراطية، أن يتم عقد مؤتمر وطني لإصلاح الديمقراطية الأمريكية المتردية أوضاعها.
المسألة ليست في الطرح الأمريكي للديمقراطية، وإنما فيما هو قادم من تصورات خاصة مع تتالي الانتقادات للولايات المتحدة، ومنها التقرير الأخير للمعهد الدولي للديمقراطية بالسويد عن حالة الديمقراطية في العالم، والذي خلص إلى أن الولايات المتحدة، حصن الديمقراطية العالمية، “قد سقطت”.