إيران

“لا تخبروا أمي بإعدامي”.. رسالة الشاب الإيراني محمد مهدي كرمي


بلهجة ممتزجة بالبكاء والرجاء أخبر محمد مهدي كرمي والده “ما شاء الله كرمي”، بعدما أبلغه بتسلمه حكم الإعدام، بألا يفجع أمه ويبلغها بحكم الإعدام .”لا تخبروا أمي بإعدامي”.. رسالة الشاب الإيراني محمد مهدي كرمي الأخيرة قبل تنفيذ الحكم فيه، مع الشاب محمد حسيني، صباح السبت.

وبقلب يعتصره الحزن يحكي والده كيف أبلغه نجله بحكم إعدامه، قائلا: “اتصل بنا محمد مهدي وقال إنهم أعطونا الأحكام وعقوبتي هي الموت”. مضيفا: “كان ابني يبكي ويقول لا تخبر أمي بأي شيء”.

ولم يملك الوالد ما يفعله سوى توجيه رسالة إنسانية للقاضي آصف حسيني (الذي أصدر الحكم)، يقول له فيها: “أعط ابني السجن المؤبد مرتين، لكن لا تعدمه”.

وبحسب ما قاله والد محمد للصحفي البارز ورئيس قسم الشؤون السياسية بصحيفة “اعتماد” الإصلاحية، مهدي بيك. فإن “والدته تعتمد بشكل كبير عليه كونه رياضيا مميزا وكان يسعى دائما لنيل الأوسمة، وإذا حدث شيء لمهدي ستنتهي حياتنا أيضا”.

ونفذ الحكم على الشابين محمد مهدي كرمي، البالغ من العمر 22 عاما، ومحمد حسيني، السبت، بتهمة “قتل عنصر من قوات الباسيج خلال الاحتجاجات الأخيرة بمدينة كرج غرب طهران”.

ميداليات حصدها محمد خلال مسيرته الرياضية

وأضاف والد الشاب لـ”مهدي بيك” أن “محمد جرى اعتقاله الجمعة من قبل جهاز الاستخبارات بعد مداهمة منزله في العاصمة طهران”.

وتابع: “نحن نسكن في مدينة كرج، ولكن أصلنا من مدينة بيجار التابعة لمحافظة كردستان غرب إيران. وهاجرت عائلتي من كردستان إلى نظر أباد بمحافظة البرز، بالقرب من كرج منذ زمن بعيد، وكان محمد مهدي كرمي نشيطا مهنيا في الكاراتيه”.

وتعتبر عائلة كرمي من بين العائلات الضعيفة من حيث الدخل المادي، حيث يعمل “ما شاء الله كرمي” والد محمد مهدي كرمي، “بائع منديل”، وله إلى جانب محمد مهدي طفل آخر من ذوي الهمم، حسب قوله.

ووصف والد محمد مهدي كرمي ابنه بالقول: “ابني فاز بعدة بطولات وطنية في الكاراتيه، أنا بائع متجول. وكل معارفي وجيراني وزملائي يعرفون أنني كنت أتجول حتى يتمكن هذا الصبي من كسب أوسمة رياضية ويفخر به”.

إعلام النظام: بشرى سارة

ومساء الجمعة، أعلنت بعض الحسابات الحكومية على مواقع التواصل الاجتماعي: “ستسمع بشرى سارة بعد الأذان في الصباح”.

ويبدو الأمر كما لو أنهم يعرفون بالفعل ما خطط له القضاء، في الساعات الأولى من صباح اليوم السبت، حيث تم إعدام محمد مهدي كرمي ومحمد حسيني.

وعلى عكس روايات الحكومة، ليس من الواضح كيف علموا بخطة التنفيذ وذهبوا لمقابلته، ولم تتح لعائلة محمد مهدي كرمي الفرصة لتوديعه. ونفذ الحكم في ابنهم كما حدث في عدة حالات أخرى ضمن الإعدام السياسي المفاجئ دون زيارة أخيرة.

أما محمد حسيني فيقول نشطاء حقوق الإنسان إنه كان يتيم الأبوين ولم يكن لديه من يتابع قضيته وكذلك استلام جنازته.

كما لم يكن لأي منهما الحق في توكيل محام، ووفقًا لوالد محمد مهدي كرمي فإن “المحامي الذي اختاره القضاء لابنه لم يرد حتى على مكالماتهما الهاتفية”.

محمد حسيني

وفي مثل هذه الظروف، لم يستغرق الأمر حتى 40 يوما من جلسة المحكمة الأولى حتى تنفيذ حكم الإعدام بحق المتهمين. وبهذه الطريقة وصل عدد المعدومين على صلة بالاحتجاجات الأخيرة إلى 4 أشخاص.

هذا بالإضافة إلى أعداد كبيرة من السجناء الذين صدرت بحقهم إدانات أخرى والذين يتم تنفيذ إعداماتهم بوتيرة أسرع مما كانت عليه في الأشهر السابقة.

واحتفل أنصار الحكومة بإعدام محمد مهدي كرمي ومحمد حسيني، كإعدام للعدالة. في قضية روح الله عجميان، أحد عناصر الباسيج الذي قُتل في كرج، أو أولئك الذين يقولون إن القضاء لم يفعل ما يكفي ويجب عليه أن يعدم الكثير.

ويقول معارضو الحكومة إن عمليات الإعدام نُفِّذت عشية ذكرى إسقاط الطائرة الأوكرانية بصواريخ الحرس الثوري الإيراني لترويعهم. لكن كثيرين منهم يعتقدون أن مثل هذا الإجراء سيكون له نتيجة عكسية ويزيد من غضبهم.

ردود فعل شعبية غاضبة

وأثار الإعدام المفاجئ لمحمد مهدي كرمي ومحمد حسيني. مثل إعدام محسن شكاري ومجيد رضا رهنورد، موجة من الغضب والكراهية تجاه الحكومة الإيرانية، بدلاً من إثارة الخوف أو الإحباط أو الحزن.

إن عبارة “لا تقل شيئاً لأمي” من كلام محمد مهدي كرمي وعدم وجود أهل أو أقارب لمحمد حسيني أصبحت رمزاً لاضطهاد هذين الاثنين.

ونشر عن هذا سوروش هيجكس، مغني الراب الشهير الذي يغني مقطوعات احتجاجية وينشر أخبار الاحتجاجات: “هذا الغضب المقدس”.

لكن ردود الفعل الحادة على عمليات الإعدام لم تقتصر على الشخصيات الفنية والناشطين السياسيين والحقوقيين في الخارج.

وكتب الملحن علي قمصري: “عار علي إذا في هذا الوقت الذي تحبس فيه الأنفاس عدة مرات كل يوم. أفكر في جلب البهجة والترفيه للناس على المسرح الرسمي.. لست سياسيا، لكني أحاول أن أكون إنسانا”.

وكتبت الرياضية مهسا أفسانة في قصتها على إنستغرام: “أعدمت محمد مهدي كرمي ومحمد حسيني. وجعلت قلوب والديهما تنزف كأنها رسم كاريكاتوري للدم وفصل الوالدين عن أبنائهم، ليس لديك ما هو أهم من إعدام الشباب والإبادة الجماعية في هذا البلد”.

كما انتقد أنهما إذا وجهت إليهما تهمة القتل، فلماذا “ما زال قتلة الراحلة مهسا أميني والقتلى الآخرون على قيد الحياة؟”.

كما شارك نافيد محمد زاده وهنية توسلي وسحر دولاتشاهي، أحد المصورين السينمائيين الإيرانيين المشهورين. صورة جملة محمد مهدي كرمي “لا تقل شيئًا لأمي” ووسموا اسمه ومحمد حسيني.

احتجاجات

وفي سياق متصل، شهدت بعض المدن الإيرانية من بينها العاصمة طهران خروج مسيرات احتجاجية مساء السبت، رفضاً لإعدام الشابين من سكان مدينة كرج.

وقال ناشطون مناهضون للحكومة إن مجموعة من المحتجين تجمعوا في منطقة بارس بطهران ورددوا شعارات مناهضة للنظام وقادته واحتجوا على إعدام محمد مهدي كرمي ومحمد حسيني.

وفي محافظة كردستان غرب إيران، قد شهدت شوارعها مسيرة احتجاجية ضد قمع الاحتجاجات المستمرة وغيرها من حالات العنف الحكومي.

وأشارت مقاطع فيديو تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي وأقوال شهود عيان إلى أنه في الساعات الأولى من مساء السبت. هتفت مجموعات من المتظاهرين بشعارات مناهضة للحكومة من أسطح ونوافذ منازلهم، وكان من بينها “الموت للديكتاتور” و”الموت لحكومة قتل الأطفال”.

القضاء يعلق

ورد القضاء الإيراني على الانتقادات المتعلقة بعملية اختيار المحامين والاجتماعات العائلية للمتظاهرين محمد مهدي كرمي ومحمد حسيني اللذين تم إعدامهما، السبت.

وصرح المركز الإعلامي للقضاء إن محمد حسيني كان لديه محامٍ في مرحلة المحكمة العليا، لكن منذ وفاة والديه لم يطلب مقابلة أحد، ولم يطلب أحد أو يُحال إليه شخصيا.

وقال القضاء عن محمد مهدي كرمي إنه “لم يقدم محامياً لا خلال مرحلة التحقيق الأولي في النيابة ولا في المحكمة”.

وفي غضون ذلك، قال المحامي محمد حسين آغاسي لموقع “اعتماد اون لاين”، الثلاثاء، إن المحكمة العليا رفضت قبول تمثيله عن محمد مهدي كرمي.

ويقال أيضاً إن محمد مهدي كرمي أجرى مكالمات هاتفية “عديدة” والتقى أيضاً بأسرته أثناء اعتقاله، وآخر مرة التقى بوالديه وشقيقه الأسبوع الماضي.

إدانات دولية

وقوبل إعدام سجينين سياسيين آخرين في إيران بإدانة دولية من قبل الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأوروبية، كما أعلنت هولندا أنها ستستدعي السفير الإيراني للمرة الثانية.

وبعد ساعة من أنباء إعدام محمد مهدي كرمي ومحمد حسيني، طلب الاتحاد الأوروبي من إيران وقف إعدام المتظاهرين في أسرع وقت ممكن.

كما قال وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي: “يجب على إيران أن تنهي على الفور العنف ضد شعبها”، مشيراً إلى أن بلاده تعارض بشدة عقوبة الإعدام تحت أي ظرف من الظروف.

كما وصف سلوك الحكومة الإيرانية بأنه “لا يتناسب مع الاحتجاجات المشروعة للإيرانيين”.

كما غرد جافيد رحمن، المقرر الخاص لحقوق الإنسان في إيران، بأن محمد مهدي كرمي ومحمد حسيني حكم عليهما بالإعدام دون محاكمة عادلة وفي “محكمة صور”، مضيفاً أن محمد مهدي كرمي ومحمد حسيني قد تعرضا للتعذيب ليعترفا.

كما كتب المقرر الخاص لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أنه “أصيب بالصدمة والرعب والغضب الشديد” من إعدام هذين المتظاهرين، وقال: “يجب إدانة هذه الإعدامات بأشد لهجة ممكنة”.

وإلى جانبه، دعا روبرت مالي، الممثل الخاص للولايات المتحدة في الشؤون الإيرانية، في تغريدة على تويتر، إلى وقف عمليات الإعدام في إيران.

وكتب أنه “اشمئز” من إعدام شابين آخرين من المتظاهرين في محاكم “وهمية”، مؤكدا أن المجتمع الدولي سيواصل جهوده لجعل قادة إيران مسؤولين عن أفعالهم.

وكتبت وزيرة الخارجية الألمانية ألينا بربوك في تغريدة: “محمد مهدي كرمي ومحمد حسيني أكثر من اسمين. لقد شنقهم النظام في إيران. لأنهما لم يريدا الخضوع لأعمال وحشية ولا إنسانية، مصيران مروعان يشجعاننا على تكثيف الضغط على طهران مع الاتحاد الأوروبي”.

وكتب وزير الخارجية الهولندي في تغريدة أنه للمرة الثانية خلال الشهر الماضي، يستدعي السفير الإيراني لدى وزارة الخارجية للتعبير عن قلقه العميق بشأن إعدام المتظاهرين في إيران، مضيفا: “ستريد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن تفعل الشيء نفسه”.

وتابع وزير خارجية هولندا أن هذه الإجراءات تؤكد ضرورة فرض عقوبات أكثر مما يتم النظر فيه حاليا ضد إيران.

واستدعت هولندا الشهر الماضي السفير الإيراني لدى وزارة الخارجية، احتجاجا على إعدام محسن شكاري ومجيد رهنورد.

ورداً على إعدام محمد مهدي كرمي ومحمد حسيني، وصفت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا، في تغريدة على موقع تويتر، عمليات الإعدام هذه بأنها “مثيرة للاشمئزاز”. مشيرة إلى أن فرنسا تعارض عقوبة الإعدام في أي مكان وتحت أي ظرف من الظروف.

وقال جوزيب بوريل منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي في بيان مماثل “هذه علامة أخرى على أن السلطات الإيرانية تقمع الاحتجاجات المدنية”.

كما أدان العديد من ممثلي البرلمانات الأوروبية عمليات الإعدام هذه.

وفي ردود الفعل الأخيرة غرد عضو البرلمان السويدي علي رضا أخوندي: “ضحيتان جديدتان للنظام القاسي في إيران. لكن اسمحوا لي أن أكون واضحا، هذا النظام يحتضر، ارقدا بسلام أيها المناضلون من أجل الحرية”.

وردًا على الإعدامات، كتب مسعود قراخاني، رئيس البرلمان النرويجي وعضو حزب العمل في البلاد، في تغريدة أنه لم يُسمح لهذين الشخصين بمقابلة عائلاتهما قبل الإعدام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى