عندما وقّعت أمريكا على خطة العمل المشتركة مع إيران عام 2015م.
بدا أنها ارتكبت خطأً دبلوماسياً كبيراً، فقد تعمدت إدارة الرئيس الأسبق أوباما عزل المحيط الخليجي عن ذلك الاتفاق، حيث وجدت دول المنطقة نفسها أمام اتفاق لم تشارك في صياغة بنوده أو حتى الاطلاع على تفاصيله، ولذلك كانت الخيارات صعبة أمام دول الخليج، لقد كانت السياسة الأمريكية آنذاك تسعى إلى صناعة طاولة مفاوضات مستطيلة تجلس حولها دول “5+1” في مقابل إيران وحدها على الجانب الآخر من الطاولة، وما من دولة واحدة من تلك الدول الست قريبة جغرافياً من إيران، وبقيت الدول المجاورة لإيران أو حتى التي تقع في محيط الشرق الأوسط بعيدة عن ذلك الاتفاق.
تلك المرحلة التي أنتجت ذلك الاتفاق كانت الدرس الأهم الذي تعلمته دول الخليج والشرق الأوسط بما في ذلك إسرائيل، الحليف الأمريكي المهم في المنطقة، لأن تحول إيران الجار الملاصق لدول الخليج إلى دولة نووية سيغير من معادلة المنطقة السياسية والعسكرية، لأنه لا يمكن الإيمان بأن إيران بنظامها السياسي الحالي ومسارها الأيديولوجي تتطلع فعلياً لبناء برنامج نووي سلمي 100%، فالاعتقاد أن البنية الاقتصادية والتقنية والموارد الطبيعية في إيران كلها جاهزة لكي تنطلق إيران في بناء برنامج نووي سلمي يوفر لها التفوق على دول المنطقة، كل ذلك ضرب من الخيال.
وبالعودة إلى عقيدة أوباما وتفاصيلها التي نشرتها مجلة “ذي أتلانتك”، نجد أنه ركز في ذلك الزمان على عزل متعمّد للمنطقة التي طالب دولها بأن تنظر إلى إيران كحقيقة يجب عليها تقبلها والتشارك معها في تقاسم المنطقة، وهذه النظرة من الرئيس الأسبق أوباما هي التي خلقت المشكلات السياسية التي تلت الاتفاق، وقد وجدت دول الخليج أن الرئيس ترامب قد أدرك الأخطاء التي ارتكبها الرئيس أوباما في عام 2015م عندما وقعت دول “5+1” ذلك الاتفاق، ففي مايو من عام 2018م انسحبت أمريكا من خطة العمل المشتركة بعد إدراكها أن المصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة سوف تتعرض للأزمات، وأن قراءة تاريخ المنطقة لا يقبل التعامل بهذه الطريقة.
إذا أرادت أمريكا أن تكسر عزلة إيران الدولية فعليها أن تقبل دول الخليج كطرف فاعل في أي اتفاق قد تنتجه لقاءات الفريقين الأمريكي والإيراني، ومن المؤكد أن إيران لن تنعم بعلاقات دولية طبيعية ما لم تنفتح هي على دول الخليج وما لم تفتح لها دول الخليج أبواب العالم، وعلى أمريكا التفكير جدياً في أن الدول الخليجية لديها القدرة على التعامل مع إيران بطرق سياسية متنوعة تجعلها في عزلة كاملة عن العالم.
قوة الدول الخليجية الدبلوماسية قادرة على انتظار نموذج أمريكي جديد على غرار نموذج الرئيس ترامب يمكنه إعادة القضية إلى المربع رقم واحد من جديد، خاصة أن أمريكا في عهد الرئيس بايدن لن تكون قادرة على إقناع النظام في طهران بتجاوز الحقائق التاريخية التي خلقت الصراع الدائم بين أمريكا والشعب الإيراني منذ الإطاحة برئيس الوزراء مصدق في الخمسينيات، وحتى ثورة الخميني التي كرّست فكرة العداء وجعلتها شعاراً سياسياً لن يكون من السهل تجاوزه.
ختاماً، الرئيس بايدن قد يحتاج فعلياً إلى درس في التاريخ كما يقول مايكل روبن في مقاله المنشور في “أمريكان انتربرايز”، الذي ذكر فيه حرفياً: “لم تكن خطة العمل المشتركة الشاملة معاهدة أو اتفاقية تنفيذية، بل كانت مجرد التزام سياسي واسع، ولن يؤدي الكرم إلا إلى تشجيع المزيد من المطالب أو إضعاف الضوابط، ومن الضروري التوقف عن القراءة الخاطئة للسياسة الإيرانية، ولسوء الحظ، يبدو أن بايدن وبلينكن وسوليفان ومالي يفضلون مضاعفة أخطاء الماضي بدلاً من التعلم منها”.