المغرب العربي

مالطا تنتقد اتفاق تركيا وليبيا البحري وتعتبره تهديداً لمصالحها


دخلت مالطا رسميًا على خط النزاع البحري القائم في شرق المتوسط. موجّهة انتقادات مباشرة لحكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبدالحميد الدبيبة في طرابلس. بسبب ما تعتبره تجاوزًا لحقوقها البحرية، وتجاهلاً للاتفاقيات الدولية بشأن ترسيم المناطق الاقتصادية الخالصة في خطوة مفاجئة حملت رسائل سياسية واضحة.

وتنذر هذه التطورات بتصاعد الضغوط على حكومة الوحدة الوطنية وسط تزايد القلق الأوروبي من تنامي التعاون بين طرابلس وأنقرة. لا سيما في ملف التنقيب عن النفط والغاز في مناطق بحرية متنازع عليها، تشمل حدودًا مع مالطا واليونان.
وبحسب ما نقله موقع “توفيما” اليوناني. فإن الحكومة المالطية أصدرت مذكرتي احتجاج دبلوماسيتين، عبّرت فيهما عن رفضها لتحركات طرابلس الأحادية في ترسيم الخطوط البحرية، واعتبرت أن ليبيا قامت بتحريك “الخط الأوسط” شمالًا، بما ينتقص من الجرف القاري المالطي ويتجاهل الجزر. ما يُعد تشويهاً للحدود البحرية المتعارف عليها دوليًا.

وقالت مصادر دبلوماسية أوروبية إن هذه الخطوة تمثل أول موقف علني من فاليتا في هذا النزاع البحري الإقليمي المعقد. واعتُبرت رسالة مباشرة إلى حكومة الدبيبة بضرورة إعادة حساباتها في علاقاتها مع تركيا، التي وُصفت في دوائر أوروبية بأنها أصبحت “شريكًا مهيمنًا” في السياسات الليبية البحرية.
التصعيد المالطي جاء عقب الاتفاق المثير للجدل الذي وقعته المؤسسة الوطنية للنفط الليبية مع شركة البترول التركية في يوليو/تموز الماضي. والذي منح أنقرة حقوق التنقيب في أربع مناطق بحرية، من بينها “المنطقة 1” التي تؤكد مالطا أنها تتقاطع مع جرفها القاري.

وطالبت الحكومة المالطية، بحسب ما كشفه التقرير. باستبعاد الأجزاء المتنازع عليها من عمليات التنقيب والمسح الجيولوجي، في موقف من شأنه تعقيد تنفيذ الاتفاق الليبي–التركي. وربما دفع الاتحاد الأوروبي إلى التدخل بشكل مباشر.
وفي محاولة لاحتواء التوتر، قام الطاهر الباعور، المكلف بوزارة الخارجية والتعاون الدولي في حكومة الدبيبة، بزيارة إلى فاليتا الأسبوع الماضي، حيث جرت مباحثات مع المسؤولين المالطيين. وتم الاتفاق – وفقًا للتقارير – على بدء مفاوضات رسمية لترسيم الحدود البحرية بين البلدين.

ورغم ما بدا من تهدئة في التصريحات، أفاد التقرير بأن الجانب المالطي لم يُغلق الباب أمام إشراك أطراف ثالثة في المفاوضات، مثل إيطاليا أو تونس. ما يُشير إلى محاولة إضفاء طابع إقليمي ودولي على القضية، بعيدًا عن تفاهمات ثنائية قد تميل لصالح طرابلس أو أنقرة.
مصادر دبلوماسية غربية أكدت أن التحركات المالطية ليست معزولة. بل تعكس قلقًا أوروبيًا مشتركًا من تنامي النفوذ التركي في ليبيا، لا سيما في قطاع الطاقة والاستثمارات البحرية. ويرى مراقبون أن الاتحاد الأوروبي بات ينظر إلى حكومة الدبيبة كجهة “أقل التزامًا بالتوازنات الأوروبية”، وهو ما قد يدفع بروكسل إلى اتخاذ مواقف أكثر حزماً تجاه اتفاقيات أنقرة – طرابلس. خاصة تلك المتعلقة بمناطق بحرية متنازع عليها مع دول أوروبية مثل اليونان ومالطا.

وتتزامن هذه التطورات مع زيارة مسؤولين ليبيين ويونانيين رفيعي المستوى. حيث التقى مدير عام صندوق إعادة إعمار ليبيا، بلقاسم حفتر، وزير الخارجية اليوناني. فيما اجتمع الباعور مع نظيره اليوناني في أثينا.
وبالأمس، أعلن رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، عن انعقاد أول اجتماع للجنة الفنية الليبية–اليونانية لترسيم الحدود البحرية في أثينا، على أن تعقد الجولة التالية في طرابلس لاحقًا.
ونقلًا عن “توفيما”، فإن اللجوء إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي يبقى أحد السيناريوهات المطروحة، في حال لم تُسفر المفاوضات الثنائية عن نتائج ملموسة. كما توقّع التقرير أن تخضع مذكرة التفاهم البحرية الموقعة بين تركيا وليبيا عام 2019 لإعادة التقييم القانوني، ضمن حملة أوروبية أشمل لمراجعة التحالفات البحرية في شرق المتوسط.

وفي ظل هذه التطورات، يبدو أن موقف حكومة الدبيبة بات أكثر تعقيدًا، إذ تجد نفسها محاصرة بين رغبتها في تعميق التعاون مع تركيا من جهة، وضغوط إقليمية وأوروبية متنامية من جهة أخرى. وموقف مالطا، رغم حجمه السياسي المحدود مقارنة بدول كبرى. يمثل بداية لتشكُّل جبهة أوروبية موحدة قد تعيد رسم حدود التحالفات في شرق المتوسط، وتضع حكومة طرابلس أمام اختبار جديد في توازن علاقاتها الدولية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى