مخاوف داخلية وخارجية مع رسم ملامح المستقبل السوري
تفرض إدارة العمليات العسكرية في سوريا بقيادة أحمد الشرع سلطتها على الدولة السورية بنفس السرعة الخاطفة التي سيطرت بها على البلاد، ففي غضون أيام قليلة نشرت شرطةً وسلمت السلطة لحكومة مؤقتة وعقدت اجتماعات مع مبعوثين أجانب، مما يثير مخاوف بشأن ما إذا حكام دمشق الجدد سيلتزمون بعدم إقصاء أحد، فيما تحدث زعيم هيئة التحرير أبومحمد الجولاني عن حل الأجهزة الأمنية.
-
سقوط الأسد يغير المعادلة.. 7 دول أوروبية تعلق طلبات اللجوء للسوريين
-
دمشق تنفي مغادرة الأسد البلاد رغم تطويق المعارضة للعاصمة
ومنذ أن أطاحت هيئة تحرير الشام تحت قيادة الجولاني الذي اختار اعتماد اسمه الاصلي احمد الشرع وبدعم تحالف من قوات معارضة ببشار الأسد من السلطة يوم الأحد، انتقل موظفوها الذين كانوا حتى الأسبوع الماضي يديرون إدارة إسلامية في شمال غرب سوريا إلى مقر الحكومة في دمشق.
وكان تعيين محمد البشير رئيس حكومة الانقاذ في إدلب رئيسا انتقاليا جديدا للوزراء في سوريا يوم الاثنين بمثابة تأكيد على مكانة الهيئة باعتبارها الأقوى بين الفصائل المسلحة التي حاربت لأكثر من 13 عاما لإنهاء سنوات الأسد الذي حكم بقبضة من حديد.
ورغم أن الهيئة كانت تابعة لتنظيم القاعدة قبل فك الارتباط معها عام 2016، فقد نجحت في طمأنة زعماء العشائر والمسؤولين المحليين والسوريين العاديين خلال زحفها إلى دمشق بأنها ستحمي معتقدات الأقليات، وقد حظيت بدعم واسع النطاق. وساعدت هذه الرسالة في تسهيل تقدم مقاتلي المعارضة. ويكرر الشرع الرسالة نفسها منذ الإطاحة بالأسد.
-
سوريا بعد سقوط الأسد: رفض صريح للتعاون مع الحوثيين
-
سقوط الأسد.. هل يفتح الباب لعودة الدواعش إلى بلدانهم العربية؟
وقال الجولاني في بيان مكتوب الأربعاء إنه سيحل قوات الأمن التابعة لبشار الأسد ما يزيد المخاوف بشأن حل مؤسسات في الدولة تحسب على النظام السابق لتحل محلها أجهزة موالية للحكام الجدد بدل العمل على إصلاحها.
وقالت إدارة العمليات العسكرية إنها ستعفو عن جميع المجندين في إطار الخدمة العسكرية الإلزامية. كما قال الشرع “سأعمل على حل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السابق وإغلاق السجون سيئة السمعة”.
وتوافد السوريون على تلك السجون، والتي تشير التقديرات إلى أن الأسد زج فيها بعشرات الآلاف من المعتقلين، بحثا عن أحبائهم. وأُطلق سراح بعضهم على قيد الحياة. وتم تحديد الآخرين بين الموتى ولم يُعثر بعد على آلاف آخرين.
وقال زعيم الهيئة إنه يتابع عن كثب مسألة مستودعات الأسلحة الكيماوية المحتملة وينسق مع المنظمات الدولية من أجل تأمينها. وأعلنت إدارة العمليات العسكرية بالفعل أنها لن تستخدم هذه الأسلحة تحت أي ظرف.
-
مرحلة ما بعد الأسد: الغرب يقلق من سيطرة المتشددين
-
روسيا تستضيف الأسد وعائلته تحت غطاء “الأسباب الإنسانية”
وكرر أنه سيشكل حكومة تكنوقراط. وورد في بيان صادر عن إدارة العمليات العسكرية أن الحكومة الانتقالية الحالية من المقرر أن تحكم حتى مارس/آذار 2025.
وفي مكتب محافظ دمشق، حيث الجدران المزينة بشكل رائع بالخشب المطعم والزجاج الملون قلل مسؤول تم جلبه من إدلب لتولي المسؤولية من شأن المخاوف من أن سوريا تتجه نحو شكل إسلامي من أشكال الحكم.
وقال محمد غزال وهو مهندس مدني يبلغ من العمر 36 عاما ويرتدي نظارة طبية ولديه لحية كثيفة ونشأ في الإمارات ويتحدث الإنجليزية بطلاقة تقريبا “لا يوجد شيء اسمه الحكم الإسلامي. في النهاية، نحن مسلمون ومؤسساتنا أو وزاراتنا مدنية”.
لا يوجد شيء اسمه الحكم الإسلامي
وأضاف “ليس لدينا أي مشكلة مع أي عرق أو دين. ومن صَنع المشكلة هو النظام (السابق بقيادة الأسد)”.
ورغم ذلك، فقد أثارت الطريقة التي اتبعتها هيئة تحرير الشام في تشكيل الحكومة المؤقتة الجديدة، من خلال استقدام كبار الإداريين من إدلب، قلق البعض. وقالت أربعة مصادر من المعارضة وثلاثة دبلوماسيين إنهم يشعرون بالقلق إزاء شمول العملية حتى الآن.
وقال البشير إنه سيبقى في السلطة حتى مارس/آذار فقط. إلا أن هيئة تحرير الشام التي لا تزال مصنفة جماعة إرهابية لدى الولايات المتحدة والقوة الإقليمية تركيا وحكومات أخرى لم تفصح بعد عن التفاصيل الرئيسية للعملية الانتقالية بما في ذلك تفكيرها في دستور جديد.
-
فرار المئات من القوات السورية يزيد من أزمات نظام الأسد
-
فتح جبهات متعددة: المعارضة تضع الأسد في موقف حرج
وقال زكريا ملاحفجي أمين عام الحركة الوطنية السورية والذي عمل في الماضي مستشارا سياسيا للمعارضين في حلب “الجولاني يأتي بلون واحد من المفروض يكون هنالك تشارك مع الآخرين… هذه الطريقة ليست صحيحة، المفروض القوى السياسية العسكرية والسياسية تأتي كلها إلى الطاولة وترتب وتوضع حكومة انتقالية بالتشاور مع الآخرين، هذا يعطي دعم للحكومة”.
وأضاف “المجتمع السوري مجتمع متعدد الثقافات، فبصراحة هذا مقلق”.
شأنه شأن آخرين من مسؤولي حكومة الإنقاذ التي كانت تابعة لهيئة تحرير الشام في إدلب وجرى نقلهم إلى دمشق لإدارة هيئات حكومية، قال غزال إنه قدم تطمينات للموظفين وحثهم على العودة للعمل. وقال غزال “إنها دولة منهارة. خراب، خراب، خراب”.
وتتركز أولوياته للأشهر الثلاثة المقبلة في تشغيل الخدمات الأساسية وتبسيط البيروقراطية. كما ستتم زيادة الرواتب، التي يقدَر متوسطها بنحو 25 دولارا في الشهر لتتماشى مع أجور حكومة الإنقاذ الذي يبلغ الحد الأدنى لأجورها 100 دولار في الشهر.
وردا على سؤال حول كيفية تمويل هذا، قال “سوريا دولة غنية للغاية. لكن النظام اعتاد على سرقة الأموال”.
كما يتولى رجال شرطة قدموا من إدلب تنظيم حركة المرور في دمشق، في محاولة لاستعادة جانب من الوضع الطبيعي بعد أن أمرت هيئة تحرير الشام الفصائل المسلحة بالخروج من المدينة. وقال أحد المسؤولين الأمنيين. الذي لم يذكر اسمه، إن العبء أصبح كبيرا للغاية، مشيرا إلى أنهم كانوا في السابق يقومون بمهامهم في إدلب فقط.
ورغم أن هيئة تحرير الشام هي الأبرز بين الفصائل التي حاربت الأسد، فإن فصائل أخرى لا تزال مسلحة خاصة في المناطق الواقعة على الحدود مع الأردن وتركيا.
-
ما وراء زيارة بشار الأسد الأخيرة للصين؟
-
بشار الأسد يزور إيران ويلتقي خامنئي ورئيسي في زيارة غير معلنة
وخلال سنوات الحرب، كانت تقع في الكثير من الأحيان صدامات بين فصائل المعارضة مما يترك إرثا من التنافسية والعداء يُنظر إليه على أنه أحد المخاطر العديدة التي تهدد الاستقرار في سوريا ما بعد الأسد.
وقال يزيد صايغ، وهو زميل أول بمركز كارنيغي للشرق الأوسط، إن هيئة تحرير الشام “تسعى بوضوح إلى الحفاظ على الزخم على جميع المستويات”، مضيفا أن أي مجموعة في موقفها، تتولى السلطة من نظام منهار في بلد منهك، ستتصرف بشكل عام بنفس الطريقة.
وأضاف “هناك مخاطر متعددة تكمن في تحديد هيئة تحرير الشام للأولويات ووتيرة ما سيأتي بعد ذلك. أحد هذه المخاطر هو إنشاء شكل جديد من الحكم الاستبدادي، هذه المرة في ثوب إسلامي”.
لكنه ذكر أن تقديراته تشير إلى أن تنوع المعارضة والمجتمع في سوريا من شأنه أن يجعل من الصعب على مجموعة واحدة احتكار النفوذ.
-
عائلة الأسد تتفرّد بالحكم في سوريا منذ أكثر من خمسة عقود
-
زيارة سرية لمسؤول أمريكي لدمشق بهدف عقد صفقة مع الأسد
وقال إن تركيا، الداعم المؤثر للمعارضة، حريصة أيضا على أن تكون هناك حكومة قادرة على الفوز بالدعم الدولي.
وقال مصدر من المعارضة مطلع على مشاورات هيئة تحرير الشام إن جميع الطوائف السورية سيكون لها تمثيل في حكومة تصريف أعمال. وأوضح المصدر أن من الأمور التي سيتم تحديدها خلال الأشهر الثلاثة المقبلة ما إذا كان ينبغي أن يكون نظام الحكم في سوريا رئاسيا أم برلمانيا.
واندلعت الثورة السورية ضمن ما يعرف بانتفاضات الربيع العربي عام 2011. التي أطاحت بالحكام المستبدين في مصر وتونس وليبيا واليمن وأعقبتها فترات انتقالية مضطربة وعنيفة في كثير من الأحيان.
وفي مقابلة مع صحيفة كورييري ديلا سيرا الإيطالية نشرت الأربعاء قال رئيس الوزراء البشير “سنبقى حتى مارس/اذار 2025 فقط”.
وأوضح أن الأولويات هي استعادة الأمن وسلطة الدولة. وإعادة ملايين اللاجئين السوريين إلى ديارهم، وتوفير الخدمات الأساسية.
وعندما سئل عما إذا كان الدستور السوري الجديد سيكون إسلاميا، قال إن “هذه التفاصيل” سيتم توضيحها خلال عملية صياغة الدستور.
وقال محمد علاء غانم وهو ناشط سوري بارز مقيم في واشنطن وعلى اتصال بشخصيات بارزة من المعارضة، إن هيئة تحرير الشام مطالَبة بأن “تتحلى بالذكاء وأن تنفذ الانتقال بشكل صحيح. لا أن يتملكها الغرور وتهيمن بشكل كامل على الحكومة الجديدة”.
وحثت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن هيئة تحرير الشام على عدم تولي القيادة بشكل تلقائي في سوريا، وإنما تبني عملية لا تقصي أحدا لتشكيل حكومة انتقالية. وفقا لمسؤولين أميركيين ومساعد في الكونغرس مطلعين على الاتصالات الأميركية الأولى مع الهيئة.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن الانتقال في سوريا يجب أن يؤدي إلى “حكم موثوق وشامل وغير طائفي” بما يتفق مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254.
ويدعو هذا القرار، الذي تمت الموافقة عليه في عام 2015. إلى عملية بقيادةٍ سورية تتولى الأمم المتحدة تسهيلها، والتأسيس لحكم غير طائفي في غضون ستة أشهر وتحديد جدول زمني لعملية صياغة دستور جديد. كما يدعو إلى انتخابات حرة ونزيهة.
وقال دبلوماسي في دمشق إن الهيئة هي الفصيل الوحيد الذي يجتمع مع البعثات الأجنبية. وأضاف “نحن قلقون، أين كل قادة المعارضة السياسية؟. سيكون وجودهم هنا بمثابة إشارة رئيسية، لكنهم ليسوا هنا”.
وذكر دبلوماسي ثان أن هيئة تحرير الشام نقلت رسائل جيدة إلى الجمهور. لكن النطاق الذي كشفته الأيام الماضية لمدى تضمين الجميع في هذه المرحلة جاء مثيرا للانزعاج. ويجب أن يكون تعديل الدستور، على وجه الخصوص، عملية شاملة وسيكون اختبارا كبيرا حقا.
ولفت الدبلوماسي إلى أن وجود العديد من الفصائل الأخرى. التي لم تتخل عن سلاحها أو تسرح عناصرها يمثل عاملا مزعزعا للاستقرار إذا لم تكن العملية شاملة.
وقال جوشوا لانديس الخبير في الشؤون السورية ورئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما إن الشرع “يجب أن يرسخ سلطته بسرعة لمنع الانزلاق إلى فوضى… لكن عليه أيضا أن يسعى لتدعيم قدرته الإدارية من خلال إشراك تكنوقراط وممثلين من مختلف الأطياف”.
-
جعجع يدعو حزب الله لتسليم السلاح للجيش بعد سقوط الأسد
-
هل يضعف سقوط الأسد نفوذ إيران في الشرق الأوسط؟
-
إيران تدعم نظام الأسد بـ36 مليار دولار وتجوع شعبها