سياسة

مخاوف في الإطار التنسيقي من توسع العقوبات الأميركية لتشمل شركات تابعة للحشد الشعبي


فجّرت العقوبات الأميركية الأخيرة على كيانات عراقية، وفي مقدمتها “شركة المهندس العامة”، موجة جديدة من التوتر السياسي في بغداد، مع تصاعد الاتهامات من أطراف قريبة من طهران بأن واشنطن تسعى لتقويض مؤسسات ترتبط بالحشد الشعبي.
واعتبرت قوى داخل الإطار التنسيقي أن هذه العقوبات لا تقتصر على البعد الاقتصادي، بل تمثل برأيها مساساً بهيكل الدولة العراقية، ومحاولة لإضعاف نفوذ الفصائل المسلحة التي تملك امتدادات داخل مفاصل الدولة. وبينما تتحدث واشنطن عن استهداف شبكات تمويل مرتبطة بطهران، ترى الأطراف المتحالفة مع طهران أن القرار الأميركي يحمل أبعاداً سياسية تتجاوز الشأن المالي.
وعبر أحد أعضاء الإطار التنسيقي النائب مختار الموسوي في تصريحات لموقع ‘شفق نيوز’ الكردي العراقي عن استياءه من العقوبات، معتبراً أنها تجاوز للحدود الدبلوماسية وتدخّل واضح في الشأن الداخلي العراقي. وبيّن أن العقوبات التي طالت شركة المهندس لا يمكن فصلها عن السياق الأوسع لاستهداف هيئة الحشد الشعبي ومؤسساتها، واصفاً ما جرى بأنه “محاولة لضرب ركائز وطنية فاعلة في إعادة إعمار البلاد وتنشيط الاقتصاد المحلي”.
وحاول الموسوي الدفاع عن الشركة التي تعرضت لعقوبات قائلا إنها لعبت دوراً بارزاً في تنفيذ مشاريع خدمية في مختلف المحافظات العراقية، خصوصاً تلك التي عانت من تبعات الحرب على الإرهاب، وأسهمت في خلق فرص عمل لآلاف العراقيين. وبالتالي، فإن المساس بها لا يضر بجهة واحدة فقط، بل ينعكس سلباً على حياة المواطنين وعلى عجلة التنمية بشكل عام.
وتساءل النائب عن مصداقية المبررات التي قدمتها وزارة الخزانة الأميركية، مشيراً إلى أن “الذرائع المعلنة تفتقر إلى الأدلة القانونية وتعكس استمرار الإدارة الأميركية في اعتماد نهج الضغط السياسي والإملاءات، وكأن العراق لا يزال خاضعاً للوصاية الخارجية”.
ودعا الحكومة العراقية إلى اتخاذ خطوات دبلوماسية عاجلة للرد على هذه الإجراءات، من خلال استدعاء مسؤولين في السفارة الأميركية وتسليمهم مذكرة احتجاج رسمية، مع ضرورة تحرك وزارة الخارجية لحماية الشركات العراقية من التبعات المحتملة لهذه القرارات، لا سيما تلك التي ترتبط بمشاريع خدمية أو تعاقدات حكومية.
ووفق تصريحات النائب يظهر التأثير الكبير لتلك العقوبات على القوى السياسية والمجموعات المسلحة المدعومة من طهران ومحاولات توريط الحكومة العراقية في صراع مع واشنطن للدفاعات عن كيانات موالية لطهران وتسببت في الاضرار بصورة البلد.
وعكست ردود فعل الإطار التنسيقي، التي اتسمت بحدة واضحة، مخاوف أعمق من أن تكون هذه العقوبات مقدمة لموجة أوسع من الاستهداف الأميركي لمؤسسات محسوبة على الحشد الشعبي أو قوى متحالفة مع طهران.
وبينما تصف واشنطن هذه الخطوات بأنها جزء من سياسة تفكيك شبكات الفساد والحد من نفوذ الميليشيات المسلحة داخل العراق، ترى قوى سياسية عراقية أن ما يجري لا ينفصل عن صراع النفوذ بين إيران والولايات المتحدة، وأن العراق يُستخدم كساحة لتصفية الحسابات بين الطرفين.
وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد أعلنت، الخميس عن سلسلة من العقوبات استهدفت أفراداً وشركات عراقية قالت إنها متورطة في تسهيل أنشطة غير مشروعة لصالح الحرس الثوري الإيراني وكتائب حزب الله. ومن بين هذه الكيانات، جاءت “شركة المهندس العامة”، التي أُدرجت على لائحة العقوبات بموجب الأمر التنفيذي 13224، الخاص بمكافحة تمويل الإرهاب.
ووفقاً لما ورد في البيان الأميركي، فإن الشركة استُخدمت كغطاء اقتصادي من قبل كتائب حزب الله لتمرير عقود حكومية وتحويل أموال إلى واجهات تجارية، بينها شركة “بلدنا للاستثمارات الزراعية”، بهدف تمويل أنشطة مسلحة وعمليات تهريب سلاح.
وأضاف البيان أن عبد العزيز المحمداوي، المعروف بـ”أبو فدك”، وهو أحد قياديي كتائب حزب الله، يقف خلف إدارة الشركة، مشيراً إلى أن العقوبات لا تستهدف الشركة فقط، بل تشمل أيضاً عدة مصارف عراقية وشخصيات اقتصادية اتُهمت بلعب أدوار محورية في شبكات تهريب وغسل أموال معقدة.
كما شملت العقوبات شخصيات بارزة في القطاع المصرفي العراقي، من بينها رجل الأعمال علي محمد غلام حسين الأنصاري، الذي اتُهم باستخدام نفوذه في عدد من المصارف لتسهيل عمليات تحويل أموال إلى جماعات مدعومة من إيران، من بينها عصائب أهل الحق.
وأشار البيان إلى استخدام أساليب متنوعة لتجنّب الرقابة الحكومية، من ضمنها تزوير وثائق مالية، وشراء الدولار بأساليب غير قانونية، وغسل الأموال على نطاق واسع.
وشملت العقوبات أيضاً الشقيقين علي وعقيل مفتن خفيف البيداني، اللذين يديران مصرفاً تجارياً مرتبطاً بالحرس الثوري الإيراني. ووجهت إليهما اتهامات بتهريب النفط والمخدرات وغسل ملايين الدولارات، فيما أُشير إلى استغلال منصب عقيل مفتن كرئيس للجنة الأولمبية العراقية لتنفيذ أنشطة مالية غير قانونية.
بيان وزارة الخزانة الأميركية لم يقتصر على الشق الاقتصادي فقط، بل كشف عن وجود شبكات تجسس تديرها كتائب حزب الله داخل العراق، بتنسيق مباشر مع الحرس الثوري الإيراني. وأوضح أن هذه الشبكات كانت تراقب تحركات القوات الأميركية بهدف جمع معلومات استخباراتية.
وفي هذا السياق، أُشير إلى أن القيادي في كتائب حزب الله، حسن قحطان السعيدي، يقود شبكة استخبارات من بغداد، بمشاركة أفراد من الحشد الشعبي، بينهم نجله محمد وهيثم صبيح سعيد، مهمتها تعقب الأنشطة العسكرية الأميركية داخل العراق.
ووسط التصعيد الأخير، تواجه الحكومة العراقية اختباراً حساساً، إذ تجد نفسها بين ضغوط داخلية تمارسها قوى موالية لطهران، وبين ضرورة الحفاظ على علاقات متوازنة مع الشركاء الدوليين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة. وفي ظل التبعات الاقتصادية والأمنية المحتملة لأي تصعيد إضافي، بات واضحاً أن بغداد لا تستطيع مجاراة الدعوات إلى التصعيد ضد واشنطن أو الانخراط في مواجهة دبلوماسية قد تضر بمصالح الدولة. ويبدو أن القيادة العراقية تدرك أن الاستجابة لمطالب بعض الأطراف المرتبطة بالمشروع الإيراني لن تخدم العراق، بل قد تضعه في عزلة دولية غير مبررة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى