مخاوف من تحول الجزائر إلى سجن كبير للحريات
دعت مجموعة من المثقفين والكتاب من دول مختلفة في رسالة مفتوحة موجهة إلى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بوضع حدّ للاعتقالات التي تستهدف الأصوات المعارضة وإطلاق سراح الصحافيين المتواجدين وراء القضبان.
محذرين مما أسموه “تحول البلاد إلى زنزانة كبيرة تلتهم الصحافيين الناقدين وكل الأصوات غير الموالية للسلطة”. بينما تواجه السلطات الجزائرية انتقادات دولية بشأن التراجع الكبير للحريات خلال عهد تبّون، في وقت يرى فيه إعلاميون جزائريون أن الوضع كان أفضل بكثير خلال العهد السابق.
ودعا الموقعون على الرسالة التي نشرتها صحيفة “لوموند” الفرنسية إلى إطلاق سراح الصحافي الجزائري إحسان القاضي وبقية معتقلي الرأي. واصفين الجزائر بـ”مصيدة رهيبة” تنغلق على المعارضين السياسيين والمواطنين الذين يتجرّؤون على الحلم بدولة القانون.
وحملت الرسالة توقيع عالم اللسانيات الأميركي نعوم تشومسكي والفيلسوف الفرنسي إيتيان باليبار والكاتبة الفرنسية الحاصلة على جائزة نوبل للآداب آني إرنو والمخرج البريطاني كين لوتش والمؤرخ والخبير السياسي الكاميروني أشيل مبيمبي بالإضافة إلى الشاعر المغربي عبداللطيف اللعبي والفيلسوف التونسي يوسف الصديق.
وقالوا “مهما كانت الخلافات والتناقضات، فالجزائر هي فكرة أكبر من الزنزانة التي تتحول إليها اليوم بالنسبة للصحفيين الذين ينتقدون أوضاع بلادهم والأصوات المعارضة”.
وتوجهوا إلى تبون بقولهم “لديكم السلطة لتحرير إحسان القاضي وجميع الصحفيين المحتجزين وسجناء الرأي”، مشيرين إلى أنه “يتم اتهام القاضي بخيانة بلده ولكن من وجهة نظرنا البعيدة حيث نتابع ونهتم بالجزائر، يبدو لنا أنه يربط بالعكس حب هذه الأرض بعمله كصحفي مستقل”، داعين الرئيس الجزائري إلى وقف ما أسموه “الاضطهاد الأمني والقضائي الذي يتعرض له القاضي وجميع سجناء الرأي في الجزائر”.
ويقبع إحسان القاضي مدير إذاعة “راديو أم” وموقع “مغرب ايمارجون” وراء القضبان منذ 5 أشهر وقضت محكمة جزائرية بسجنه خمس سنوات منها ثلاث نافذة وغرامة مالية قدرها 700 ألف دينار (نحو 4800 يورو) بتهمة تلقي أموال من الخارج، إثر مقال نشره تضمن انتقادات للنظام الجزائري.
واُعتقل القاضي في 29 ديسمبر في إطار تحقيق في جمع تبرعات غير مشروعة. وقالت محكمة العاصمة إنه يشتبه بأنه “تلقى مبالغ مالية وامتيازات من أشخاص ومنظمات في البلاد وخارجها من أجل الانخراط في أنشطة من شأنها تقويض أمن الدولة واستقرارها”.
وقال موقعو الرسالة إن “إحسان القاضي، البالغ من العمر 64 عاما، أحد رموز الصحافة المستقلة في الجزائر، بالضبط كما كان والده، بشير القاضي، أحد قدامى المحاربين من أجل تحرير الجزائر. لا غرابة إذن إن انغرس عناده في الدفاع عن استقلال مهنته في تربة أنشأنه على مبدإ قداسة الحرية وهو مبدأ استقاه من تاريخ نضال الشعب الجزائري ضد العبودية الاستعمارية”، وفق النسخة العربية من الرسالة التي نشرها موقع “راديو أم”.
وتتجاهل السلطات الجزائرية كافة الانتقادات الدولية التي وجهت لها إثر حملة القمع التي طالت الأصوات المعارضة وارتفاع وتيرة سجن الصحافيين في قضايا توصف بـ”الملفقة” على غرار الصحافي مصطفى بن جامع رئيس تحرير صحيفة “لوبروفنسيال” الذي اُعتقل في القضية المتعلقة بهروب الناشطة والصحافية الجزائرية أميرة بوراوي التي تسببت في أزمة بين الجزائر وباريس.
ولطالما نفى الرئيس عبدالمجيد تبون كلّ الاتهامات التي توجه إلى بلاده بخصوص ضرب حرية التعبير، مروّجا لشعار “الجزائر الجديدة” التي يراها خالية من “الفساد والظلم وكل أشكال الانحرافات”.
ووصف خلال لقائه مع ممثلي الصحافة الجزائرية في اليوم العالمي لحرية الصحافة يوم 3 مايو/أيار الماضي تصنيفات المنظمات الدولية بـ”الانتقائية”. معتبرا أن التقارير التي تشير إلى تراجع الحريات في الجزائر “تتضمن افتراء على الجزائر”.
وقال “إن التصنيف الذي يجب أن نخضع إليه ونأخذه بالحسبان هو تصنيف الأمم المتحدة ومؤسساتها، أما تصنيفات أخرى. فهي تخضع إلى الجهات التي خلقت بعض المؤسسات التي تعطي أنفسها حجم دولي وتقوم بتسييرها وتوجيهها”، وفق “النهار” الجزائرية.
واضطر العديد من الصحافيين الجزائريين إلى العيش في منفاهم الاختياري هربا من الملاحقات التي تتربص بهم، على غير الصحافية أميرة بوراوي المتواجدة حاليا في فرنسا. وتواجه أحكاما سجنية في بلادها بتهمة الإساءة إلى رئيس الجمهورية واستفزاز مشاعر المسلمين.
ووجه عدد من النشطاء الجزائريين في مناسبة سابقة انتقادات إلى الاتحاد الأوروبي، محمّلينة مسؤولية التهاون مع انتهاك النظام الجزائري لحقوق الإنسان. لكن مراقبين يفسرون هذا الفتور باستثمار السلطات الجزائرية لأزمة إمدادات الطاقة الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية. وتحول الجزائر إلى لاعب هام في مجال تزويد أوروبا بالغاز الطبيعي، الأمر الذي أتاح لها المضي قدما في إحكام قبضتها على معارضي النظام.