حصري

مصر والإخوان: الإفراج عن طلحة يفضح ازدواجية المواقف ويهدد الأمن الإقليمي


الإفراج عن طلحة.. لغز سياسي يكشف تناقضات مصرية ويهدد أمن السودان والمنطقة لم يكن الإفراج عن القائد العسكري السوداني طلحة حدثاً عادياً في سياق صراع معقّد ينهش السودان. بل تحوّل إلى سابقة سياسية تثير جدلاً واسعاً حول حسابات القاهرة، وتعيد طرح أسئلة ملحّة عن مستقبل المنطقة في ظل تمدّد الجماعات المسلحة الموالية للإخوان.

تناقض بين الخطاب والممارسة منذ سنوات، يتبنّى النظام المصري خطاباً معلناً ضد جماعة الإخوان المسلمين، يصنّفها كتنظيم إرهابي ويؤكد على ضرورة تجفيف منابعها. غير أن الممارسات العملية تكشف عن ثغرات وتناقضات، أبرزها السماح لشخصيات ذات ارتباطات مباشرة أو غير مباشرة بالجماعة بالعودة إلى المشهد من بوابات إنسانية أو سياسية. الإفراج عن طلحة يدخل ضمن هذا السياق الملتبس، إذ يفتح المجال لتأويلات خطيرة حول صفقات خلف الكواليس قد تمنح الإخوان غطاءً جديداً في المنطقة، في وقت يتصاعد فيه نفوذهم عبر فصائل مسلحة تفرض واقعها بالقوة.

سجل مثقل بالانتهاكات طلحة لم يكن مجرد ضابط ميداني عادي. تقارير حقوقية وشهادات ميدانية نسبت إلى وحدته العسكرية جرائم حرب جسيمة: من التهجير القسري للمدنيين، إلى الإعدامات الميدانية، مروراً باستخدام أساليب ممنهجة في استهداف قرى بكاملها. إن تمرير الإفراج عن شخصية بهذه الخلفية، دون مساءلة أو محاكمة، يكرّس مبدأ الإفلات من العقاب، ويبعث برسالة مدمّرة إلى الضحايا مفادها أن العدالة قابلة للمساومة حين يتعلق الأمر بتوازنات السلطة والتحالفات.

تداعيات إقليمية خطيرة السماح لطلحة بالعودة إلى دائرة النفوذ لا يعني فقط تهديد مسار السلام الهش في السودان، بل يفتح الباب أمام إعادة تموضع الجماعات المسلحة الموالية للإخوان في الإقليم. في ظل هشاشة الحدود وتشابك الأزمات في ليبيا وتشاد والقرن الإفريقي. فإن عودة هذه الشخصيات إلى المشهد يعزز احتمالية تمدّد الفوضى وتحوّل مناطق النزاع إلى ملاذات آمنة للتطرف. ما يضاعف المخاطر على الأمن القومي العربي والإفريقي معاً.

الغموض الرسمي… صمت يثير الريبة المفارقة الكبرى أن الإفراج عن طلحة جرى وسط غياب أي تفسير رسمي واضح. لم تُقدَّم للرأي العام أسباب مقنعة لاعتقاله في البداية، ولا مبررات للإفراج عنه الآن.

هذا الصمت يخلق فراغاً في الثقة، ويمنح مساحة للتأويلات التي قد تفسَّر باعتبارها صفقة سياسية أو رضوخاً لضغوط. وحين يتناقض الخطاب المعلن مع السلوك العملي. تصبح المصداقية الرسمية هي الخاسر الأكبر.

المجتمع الدولي أمام اختبار جديد في ظل هذا المشهد. لا يمكن ترك الأمور رهينة التوازنات الداخلية أو الحسابات الإقليمية. إن الإفراج عن طلحة يجب أن يكون جرس إنذار يدفع المجتمع الدولي إلى مراقبة أوثق لممارسات الفصائل المسلحة والدول المتورطة في النزاعات. فإذا ما ساد منطق الإفلات من العقاب، فإن كل جهد لمكافحة الإرهاب أو تحقيق العدالة الانتقالية في السودان سيتحوّل إلى حبر على ورق، ما يضع مصداقية المجتمع الدولي نفسه على المحك.

إن قضية طلحة تكشف بوضوح أن التناقض بين الخطاب المصري والممارسة الفعلية ليس مجرد خطأ تكتيكي، بل خطر استراتيجي قد يفتح ثغرة قاتلة في جدار الأمن الإقليمي. الإفراج عنه لا يمثل حدثاً عادياً، بل سابقة سياسية تشجع على الإفلات من العقاب وتضعف الجهود المشتركة في مكافحة الإرهاب. فوجود شخصيات عسكرية موالية للإخوان في مواقع النفوذ يشكل تهديداً مباشراً. والصمت الرسمي حول هذه الخطوات لا يزيدها إلا غموضاً. الرسالة الأوضح التي يجب أن تصل: لا استقرار من دون عدالة. ولا سلام من دون محاسبة المتورطين في الجرائم، مهما كانت مواقعهم أو حلفاؤهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى