حصري

مقتل أنس فيصل كرتي: ضربة قاصمة للحركة الإسلامية في السودان


في مشهد يلخّص تعقيد الحرب السودانية وتشابك محاورها الأيديولوجية والعسكرية، قُتل أنس فيصل كرتي، أحد أبرز قيادات كتائب البراء بن مالك، في معركة ضارية بمنطقة أم سيالا بولاية شمال كردفان. وعلى الرغم من أن القتال اليومي بات جزءًا من المشهد السوداني منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، إلا أن مقتل أنس يتجاوز حدود المواجهة العسكرية، ليكشف عن هشاشة البنية الداخلية للحركة الإسلامية، وتراجع قدرتها على تجديد مشروعها وسط فوضى السلاح والتحالفات.

أنس فيصل كرتي: الرمز الصاعد داخل كتائب الإسلاميين

أنس فيصل لم يكن مقاتلًا عاديًا، بل أحد الرموز الشابة الأكثر قربًا من دوائر صنع القرار داخل التيار الإخواني السوداني. هو ابن شقيق القيادي البارز علي كرتي، الذي أعاد تشكيل نفوذ الإسلاميين داخل مفاصل الدولة عقب سقوط نظام البشير، من خلال التحالفات المعقدة داخل الأجهزة العسكرية والسيادية. بهذا المعنى، كان أنس تجسيدًا لصعود جيل جديد من الإسلاميين المسلحين، الذين انتقلوا من المنابر الدعوية والمجالس الطلابية إلى خنادق الحرب المباشرة.

تدرّج أنس في صفوف الحركة الإسلامية، حيث عرف عنه التشدّد الفكري والانتماء الصارم إلى مشروع “الخلافة الإسلامية”، وهي الفكرة التي ظلّ يروّج لها في الأوساط الجهادية على أنها البديل الشرعي لما يصفه بـ”النظام الديمقراطي المستورد”. وبصفته قائدًا ميدانيًا داخل كتائب البراء بن مالك، لعب دورًا مركزيًا في تجنيد وتعبئة الشباب تحت لواء الحرب الدينية، في تحالف واضح مع الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع.

ضربة مضاعفة في لحظة سياسية رمادية

لا يمكن قراءة مقتل أنس بمعزل عن السياق السياسي والعسكري الأوسع. الحركة الإسلامية السودانية، التي تسعى منذ شهور إلى ترميم شبكات نفوذها داخل المؤسسة العسكرية، تجد نفسها اليوم في موقع هش. فمقتل أحد رموزها الشبابية، في معركة يُنظر إليها على أنها خاسرة من الناحية الاستراتيجية، يشكّل نكسة مزدوجة: خسارة ميدانية، وخسارة رمزية لرجل كانت عليه رهانات مستقبلية.

وما يزيد من قسوة الضربة، أن أنس لم يُقتل وحيدًا. تقارير متقاطعة تؤكد سقوط عدد من المقاتلين الإسلاميين معه في أم سيالا، مما يفتح الباب أمام تساؤلات حقيقية حول مدى نجاعة الاستراتيجية العسكرية التي تتبعها الكتائب الإسلامية، ومدى استعدادها للتعامل مع حرب استنزاف طويلة، لا تمنح خصومها ترف التنفس، فضلًا عن الانتصار.

الحركة الإسلامية: من مشروع هيمنة إلى مأزق وجودي

لطالما كانت الحركة الإسلامية في السودان تُجيد اللعب على التناقضات، وتتقن فن البقاء عبر نسج التحالفات مع مراكز القوى. لكن الحرب الحالية قلبت الطاولة. فبدل أن تكون الحرب وسيلة للتمدد داخل الدولة، أصبحت ساحة مكشوفة لنزيف كوادرها. كتائب البراء، وكتائب الظل، والمجموعات الجهادية الأخرى المحسوبة على الإسلاميين. تخوض المعارك دون غطاء سياسي حقيقي، في وقت تنشغل فيه القيادات بإعادة التموقع وتحصين النفوذ وسط أجهزة الدولة المنهارة.

الفراغ السياسي، والانقسامات داخل المؤسسة العسكرية، والتدخلات الإقليمية المتزايدة، جعلت من الحركة الإسلامية طرفًا باهتًا في معادلة متغيّرة. ولم يعد الخطاب الجهادي كافيًا لحشد الشباب، خاصة مع توالي الخسائر وغياب أي أفق للنصر.

مقتل أنس فيصل كرتي يختصر تحوّل الإسلاميين السودانيين من فاعلين سياسيين إلى وقود في حرب لا يملكون قرارها. هو تجسيد لانتهاء مرحلة “الإخوان في السلطة”، وبداية مرحلة التيه داخل ميادين القتال. ومع تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية من جهة. وتزايد وتيرة الاستنزاف من جهة أخرى، تبدو الحركة الإسلامية أمام لحظة الحقيقة: إما إعادة تعريف المشروع وتجاوز الخطاب الديني الكلاسيكي، أو الانزلاق أكثر في مستنقع الفناء التدريجي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى