من أمن العقاب أساء الأدب
لم تكن الجريمة الإرهابية التي نفذتها مليشيات الحوثي ضد منشآت مدنية على الأراضي الإماراتية بالعاصمة أبوظبي هي الأولى.
بل تأتي ضمن سلسلة جرائم نكراء تضاف إلى سجلها الوحشي وجرائم الحرب التي ترتكبها باليمن وبحق السعودية الشقيقة، والتي زادت وتيرتها في الآونة الأخيرة، وسط صمت مُخزٍ من المجتمع الدولي في مواجهة هذه الجرائم، ولأن “من أمن العقاب أساء الأدب”، باتت الجماعة الانقلابية تهديدا خطيرا للسلم والأمن الدوليين.
فقد أزهقت مليشيا الحوثي الإرهابية أرواحا بريئة لا ناقة لها ولا جمل في موقد الحرب الذي أشعلته الجماعة منذ انقلابها على الشرعية والسيطرة على صنعاء في 2014، مرتكبة مجازر وجرائم يندى لها الجبين وتقشعر لها الأبدان، ما وضع اليمن في مصاف الدول الأكثر فقرا وعوزا.
ولأن لكل حادث حديثا، وما أفجع الحادث وما أصعب الحديث، فلا بد من العودة إلى الوراء قليلا حينما قرر الرئيس الأمريكي جو بايدن رفع الحوثي من قائمة الإرهاب في خطوة رأت فيها الإدارة الأمريكية أنها “الجزرة” التي سيهرول لها “الأرنب” لتحقيق تفاهمات في مفاوضات الاتفاق النووي، حينها كانت الذريعة تسهيل المساعدات الإنسانية لليمن الذي أصبح “تعيساً” يئن تحت وطأة انتهاكات جماعة الحوثي التي تمنع مساعدة الشعب بكافة الطرق، ضاربة بعرض الحائط القرارات الدولية غير محترمة مشاعر إنسانية أو عُرفا دوليا أو قانونا إنسانيا.
القرار الأمريكي اعتبرته مليشيا الحوثي ضوءا أخضر تكسر به كل المحاذير والخطوط الحمراء، فلم تعد تعطي للمجتمع الدولي، متجاهلة ومتناسية مصيرا محتما لن تهرب منه نظير ما ارتكبته من جرائم ضد الإنسانية في حق الشعب اليمني والشعوب المجاورة، فلن يغفر لها العالم الإسلامي هجماتها المتكررة على السعودية التي يتقدس ترابها بأطهر الأماكن على وجه الأرض، ولن ينسى العالم ترويع الآمنين وقتل الرُّضع والنساء.
فقد تمادت جماعة الحوثي عندما شاهدت الموقف الضعيف للمجتمع الدولي بعدما اختطفت تحت تهديد السلاح السفينة “روابي” التي كانت ترفع علم دولة الإمارات في عرض البحر في حادثة هددت الملاحة الدولية، ووضعت طرق التجارة العالمية في مهب ريح عاتية تهدد الاقتصاد الدولي، ولكن ماذا كان رد الفعل الدولي حيال تلك الحادثة؟ كالعادة شجب وإدانة دون تحرك رادع يرد الحق لأصحابه ويجرد الحقيقة من أي شائبة ويردع المجرم حتى لا يكرر فعلته.
مرت حادثة روابي مرور الكرام على رؤوس اللئام رغم عاصفة الغضب والإدانات الدولية والعربية المطالبة بالإفراج الفوري عنها، إلا أن الحوثي لم يكفه ذلك، بل تمادي لحد استهداف المدنيين في دولة الإمارات، حيث البلد المشهود له بالأمن والأمان، والتي صنفت في أحد مؤشرات الأمن العالمي بأنها أكثر الدول أمانا واستقرارا، وستظل دوما كذلك بقيادتها الحكيمة وقواتها المسلحة الباسلة وأجهزتها الأمنية الواعية واليقظة لدرء أي مخاطر تهدد أمن وسلامة كل شخص يتنفس على أرض هذا البلد، قبلة الإنسانية ومهد التسامح.
ولأن ما من محنة إلا وتعقبها منحة، جاء الهجوم الإرهابي على أبوظبي ليوقظ العالم من غفوته تجاه الحوثي ليعرف الحقيقة المجردة من مظلومية الجماعة، والتي دائما ما تدعيها عبر تصدير أخبار كاذبة ومضللة، لتبدأ الدول في التفكير جديا في وقف الخطر الحوثي، فها هي الولايات المتحدة وبعد ضغط وصل إلى ذروته، سواء داخليا من الكونجرس أو خارجيا من التحالف، تطالب بإعادة الحوثي لقوائم الإرهاب، استجاب “بايدن” معلنا أن هذه الخطوة “قيد النظر” ما قد يساعد في كتابة النهاية لمليشيات أضحت خسائرها الميدانية في أرض “المعركة والشرف” شاهدة على تراجعها وانحصارها، بل تلاشيها.
ولعل موجة الإدانات والتضامن شرقا وغربا مع الإمارات تؤكد ما لا يدع مجالا للشك سلامة الموقف الإماراتي الداعم دوما للشرعية في اليمن والحامي للشعب اليمني والمنتصر للمظلومين والمكلومين، فالموقف الدولي في هذه الحادثة يعيد مرة أخرى ما رددته الإمارات دوما بضرورة وقف الخطر الحوثي وردعهم بعدما وضعوا كل القوانين الإنسانية والدولية في فوهة مدافعهم، قاذفين بها المدنيين الآمنين المستقرين، ناثرين الدماء في بقاع واسعة باليمن، لم تسلم منها المدارس ولا المستشفيات ولا مخازن الأدوية والمساعدات الغذائية، لم يتركوا الأطفال ولا الرضع ولا النساء، عاثوا في الأرض فسادا وإفسادا.
وإذا كان رب “الإرهاب” بالمدفع ضاربا فشيمة التابعين كلهم الإجرام، فها هو العالم كله ينتفض ضد الحوثي، فيما تقف إيران صامتة تجاه ما حدث في موقف لم يعد مستغربا، بل متوقعا، من بلد هو الراعي الرسمي للجماعة الانقلابية، التي تؤتمر بأوامره وتنتهج نهجه وتسير خلفه مسيّرة غير مخيرة، فلم تجد مليشيات الحوثي وأربابها في إيران غير المظلومية والمراوغة والمكابرة، والتي لا مفر من أنها الرصاصة التي ستُرد لا محالة في القلب وحينها لن يجدي البكاء والعويل.
للأسف جنح الحوثي -وما زال- نحو الحرب سالكا الطرق الوعرة والخاطئة، رافضا كل الأيادي التي مُدت في الفترة الماضية للسلام وخفض السلاح والحفاظ على الأرواح في بلد طفح به الكيل من انتهاكات الجماعة الانقلابية، فالمسار السياسي هو دوما النهج الذي تتبعه دولة الإمارات في سياستها الخارجية المبنية على نشر السلام والأمن والاستقرار، الذي لا يمنع أبدا من حمايته بالقوة إذا لزم الأمر، ففي كثير من الأحيان لا يأتي السلام إلا بالقوة ما دام الطرف الآخر يتحدث مغرورا بها.
قد تكون إدارة “بايدن” في حاجة ملحة اليوم إلى مراجعة موقفها بشأن إعادة مليشيات الحوثي إلى قوائم الإرهاب الأمريكية، فهل تستجيب؟