مواجهات في إسرائيل بسبب قانون التجنيد.. وحكومة نتنياهو على المحك
في احتجاج من المرجح أن يعمق الانقسامات في بلد يعاني من آثار حرب استمرت عامين، شهدت إسرائيل أكبر تظاهرة للحريديم تهدد بإسقاط الحكومة
فيوم أمس الخميس، غطّت حشود ضخمة من الرجال الحريديم، مدخل القدس باللون الأسود، في مظاهرة احتجاجية ضد خطط الحكومة لفرض الخدمة العسكرية عليهم.
ورد المشاركون الأناشيد الدينية، مصفقين، وحاملين لافتات تقول إنهم يفضلون السجن على الانضمام إلى الجيش.
ونظرا لالتزامهم الصارم بقواعد الاحتشام التي تمنع الاختلاط بين الرجال والنساء غير المتزوجين، اقتصر الاحتجاج على الرجال فقط، باستثناء منطقة صغيرة منفصلة مخصصة للنساء.
وقال العديد من المتظاهرين إنهم “يفضلون الموت على الالتحاق بالجيش، خوفا من أن يفسد الجيش تقاليدهم الدينية الصارمة” بحسب وكالة أسيوشيد برس.
وأثار الإعفاء الحالي الممنوح لليهود المتشددين المعروفين باسم (الحريديم) من الخدمة العسكرية انقسامات عميقة في المجتمع الإسرائيلي، ليشكل أخطر تهديد لحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وأشارت الوكالة إلى أن نتنياهو يعتمد على أحزاب الحريديم الدينية لضمان بقاء ائتلافه الهش، لكن مساعي تلك الأحزاب لسن قانون يمنح إعفاء دائما من الخدمة العسكرية قد تتسبب بانهيار الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة.
وأدى احتجاج الأمس إلى شلل المدينة إلى حد كبير، حيث تم إغلاق الطرق وتوقف وسائل النقل العام بسبب الحشود الضخمة.

من هم الحريديم؟
يشكل اليهود الحريديم نحو 1.3 مليون نسمة، أي ما يقارب 13% من سكان إسرائيل، ويرفض معظمهم الخدمة العسكرية باعتبار أن التفرغ لدراسة التوراة واجب ديني أسمى.
ويجادل الحريديم بأن الجيش، كمؤسسة علمانية، غير قادر على دعم نمط حياتهم الملتزم بتعاليم الدين. ويقولون إنهم يساهمون في أمن الوطن وحمايته من خلال الدراسة والصلاة.
يعود الإعفاء من التجنيد الإجباري إلى قيام إسرائيل عام 1948، حين مُنح عدد محدود من طلبة العلم الديني إعفاء خاصا. لكن مع ضغط الأحزاب الدينية القوية سياسيا، تضخمت هذه الأعداد على مر العقود.
وفي عام 2017 قضت المحكمة العليا الإسرائيلية بعدم قانونية الإعفاءات، لكن الحكومات المتعاقبة لجأت إلى التأجيل والتسويف لمنع تمرير قانون بديل.
ومع اندلاع الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومقتل أكثر من 900 جندي إسرائيلي، تجدد الغضب الشعبي من استثناء الحريديم، في وقت يواجه فيه الجيش نقصا حادا في الأفراد.
وفي وقت سابق من العام الجاري، أرسل الجيش بلاغات تجنيد إلى 80 ألف رجل من الحريديم تتراوح أعمارهم بين 18 و26 عاما، بينما لم يتجاوز عدد المجندين فعليا 3,000 العام الماضي.
التحدي الأخطر الذي يواجه حكومة نتنياهو
كان الحزبان الحريديان المتشددان في البلاد جزءا أساسيا من ائتلاف نتنياهو الهش قبل انسحابهما خلال الصيف غضبا من مشروع قانون التجنيد العسكري.
ومع ذلك، لا يزالان يصوتان في كثير من الأحيان مع نتنياهو، مما يسمح لحكومته بالبقاء.
غير أن إصرار قادة الحريديم على إقرار قانون يقنن الإعفاء الدائم من التجنيد، قد يغير هذا الوضع.
وفي هذا الصدد، يقول لاهف هاركوف، الزميل البارز في معهد ميسغاف للأمن القومي، إن قضية تجنيد الحريديم أجبرت على إجراء عدة انتخابات مبكرة خلال العقد الماضي.
من المقرر حاليا إجراء الانتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني من العام المقبل، ولكن من المرجح أن يُجبر نتنياهو على الدعوة إلى انتخابات مبكرة في الأشهر القليلة المقبلة.

جذور الاحتجاج الأخير
جاءت شرارة المظاهرة الأخيرة بعد قرار طرح مشروع قانون التجنيد للنقاش في لجنة الكنيست الأسبوع المقبل، رغم المعارضة الشديدة له حتى داخل حزب نتنياهو نفسه (الليكود)، وهي الخطوة الأولى نحو التصويت عليه في الجلسة العامة.
وأوضح شوكي فريدمان، نائب رئيس معهد سياسة الشعب اليهودي، وهو مركز أبحاث في القدس، وخبير في شؤون الحريديم، أن أعضاء الكنيست الحريديم لم يتمكنوا من الحصول على المطلبين اللذين يطالب بهما مجتمعهم وهما: إعفاء دائم من الخدمة العسكرية أو زيادة ميزانيات مجتمعهم.
وأدت سلسلة من قضايا المحكمة العليا إلى تقليص الميزانية التي تسمح للرجال الحريديم بالدراسة بدوام كامل مقابل راتب من الدولة. وحتى الآن، لجأت الأحزاب إلى التمويل المؤقت كإجراء مؤقت، لكن هذه الرواتب معرضة للخطر بشكل متزايد.
وقال فريدمان: “إنها مظاهرة ضد الحكومة لإظهار قدرتهم على إسقاطها، وضد المعارضة لإثبات قوتهم أيضا. وفي الداخل الحريدي، يريدون إظهار وحدة الصف في مواجهة الضغوط”.
