هجمات الحوثيين تهدد سلاسل الإمداد.. التفاصيل
ترسو مجموعة من سفن الحاويات في البحر الأحمر وأوقفت سفن أخرى أنظمة التتبع لديها بينما يعدل التجار مسارات رحلاتهم وأسعارها بسبب الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي اليمنية المتحالفة مع إيران على طريق التجارة الرئيسي بين شرق العالم وغربه، بينما تحشد واشنطن الدول للانضمام إلى مبادرتها لحماية التجارة في البحر الأحمر.
وأثارت الهجمات التي وقعت في الأيام الماضية على السفن في طريق الشحن الرئيسي في البحر الأحمر مخاوف من تعطل التجارة الدولية مجددا على غرار ما حدث في أعقاب الاضطرابات الناجمة عن جائحة كوفيد-19. كما دفعت لتشكيل قوة دولية بقيادة الولايات المتحدة للقيام بدوريات في المياه بالقرب من اليمن.
وأعلنت الولايات المتحدة، عن إطلاق مبادرة أمنية متعددة الجنسيات لحماية التجارة في البحر الأحمر، تحت مظلة القوات البحرية المشتركة وقيادة فرقة العمل 153 التابعة لها، وتضم 10 دول مع انضمام بريطانيا وفرنسا والبحرين وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل وإسبانيا.
وتتمثل مهمة هذه المبادرة التي أطلق عليها “حامي الازدهار”، في التصدي المشترك للتحديات الأمنية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، وضمان حرية الملاحة لجميع الدول وتعزيز الأمن والرخاء الإقليميين.
ويرتبط البحر الأحمر بالبحر المتوسط عن طريق قناة السويس التي تشكل أقصر طريق ملاحي بين أوروبا وآسيا. ويمر نحو 12 بالمئة من حركة الشحن العالمية عبر القناة لكن الاضطرابات عطلت التجارة البحرية، إذ أعادت شركات شحن توجيه رحلاتها حول أفريقيا بدلا من ذلك مما زاد تكاليفها ومدتها.
بعض مالكي ناقلات النفط يدخلون بندا جديدا لإدراج خيار رأس الرجاء الصالح في عقود الشحن التي يبرمونها كإجراء احترازي
وذكر محللون أن قناة السويس سوف تتأثر بنسب متفاوتة بحالة الاضطراب في البحر الأحمر ما يضر بالاقتصاد المصري؛ لأنها أحد أبرز مصادر العملة الصعبة، وأنفقت الدولة المليارات من الدولارات لتحسين الملاحة فيها.
وأوضح الخبير الإستراتيجي والمستشار في أكاديمية ناصر العسكرية العليا التابعة للجيش المصري اللواء عادل العمدة أن قناة السويس قد تتأثر لكن يصعب أن تتعطل تماما بسبب هجمات الحوثيين، فمصر لديها قواعد عسكرية تمكنها من حماية السفن المارة، والتأثير ينحصر في تغيير بعض السفن لمسارها والمرور عبر طريق رأس الرجاء الصالح الذي يعرّض الشركات متعددة الجنسيات لخسائر مالية فادحة.
وقالت شركات شحن كبرى، منها هاباج لويد وإم.إس.سي وميرسك، وشركة النفط الكبرى بي.بي ومجموعة ناقلات النفط (فرونت لاين) إنها ستتجنب طريق البحر الأحمر وستغير مسار رحلاتها عبر رأس الرجاء الصالح الذي يمر بالجزء الجنوبي من أفريقيا لكن العديد من السفن لا تزال تبحر في الممر المائي. وأظهرت بيانات من (إل.إس.إي.جي) وجود حراس مسلحين على متن عدد من السفن التي تبحر حاليا.
وجاء في البيانات أن ما لا يقل عن 11 من سفن الحاويات التي مرت عبر قناة السويس وتقترب من اليمن حاملة سلعا استهلاكية وحبوبا لدول مثل سنغافورة وماليزيا والإمارات، ترسو الآن في البحر الأحمر بين السودان والسعودية.
وأظهرت البيانات أن أربع سفن حاويات تابعة لشركة (إم.إس.سي) في البحر الأحمر أوقفت تشغيل أجهزة الإرسال والاستقبال لديها منذ يوم الأحد، حتى لا يرصد أحد مكان وجودها على الأرجح. وقال إيوانيس باباديميتريو، كبير محللي الشحن في فورتيكسا، إن بعض السفن تحاول إخفاء مواقعها عن طريق إرسال إشارات تظهر أنها في مواقع أخرى كإجراء احترازي عند دخول الساحل اليمني.
وقال ألبرت جان سوارت، المحلل في بنك “ايه.بي.أن أمرو” لرويترز إن الشركات التي حولت مسار السفن مجتمعة “تسيطر على نحو نصف سوق شحن الحاويات العالمية”.
وأوقفت شركة ميرسك الدنمركية الجمعة عبور جميع شحنات الحاويات من البحر الأحمر بعد “حادث وشيك” تعرضت له سفينتها “ميرسك جبل طارق” الخميس. وأظهرت بيانات (إل.إس.إي.جي) أن عددا من السفن الراسية في البحر الأحمر تابعة لشركة ميرسك.
وقالت الشركة الثلاثاء إن السفن التي أوقفت رحلاتها في وقت سابق وكانت من المقرر أن تبحر عبر جنوب البحر الأحمر وخليج عدن ستغير مسارها لتدور حول أفريقيا عبر رأس الرجاء الصالح بسبب وقوع هجمات على السفن في المنطقة.
وبحسب بيان صدر عن الشركة، علقت ميرسك حتى الاثنين رحلات حوالي 20 سفينة حيث ينتظر نصف هذه السفن شرقي خليج عدن في حين ينتظر النصف الآخر جنوبي قناة السويس في البحر الأحمر أو إلى الشمال منها في البحر المتوسط.
وقالت “نحن سعداء برؤية… الجهود المشتركة في مجال الأمن البحري الدولي وتعزيز القدرات في المنطقة لإيجاد حل يمكّن من العودة للعبور في المستقبل القريب من منطقة البحر الأحمر وخليج عدن ومن قناة السويس”. وأضافت “في الوقت نفسه، فإن توجيه السفن عبر رأس الرجاء الصالح سيحقق نتائج أسرع وأكثر إمكانية للتنبؤ بها بالنسبة لعملائنا وسلاسل التوريد الخاصة بهم”. وتابعت أن الرحلات البحرية المستقبلية المخطط لها عبر المنطقة سيتم تقييمها كل حالة على حدة لتحديد ما إذا كانت هناك حاجة إلى إجراء تعديلات.
ودخلت جماعة الحوثي في الصراع بين إسرائيل وحركة حماس من خلال مهاجمة السفن في ممرات الشحن الحيوية وإطلاق طائرات مسيرة وصواريخ على إسرائيل، على بعد أكثر من 1600 كيلومتر عن العاصمة صنعاء. وتقول الجماعة المدعومة من إيران إنها تدعم الفلسطينيين الذين يئنون تحت الحصار الذي تفرضه إسرائيل عليهم في قطاع غزة.
وقال الناطق الرسمي للحوثيين محمد عبد السلام، إن الجماعة اليمنية المتحالفة مع إيران لن تغير موقفها من الصراع في غزة بسبب تشكيل تحالف بحري متعدد الجنسيات لحماية الملاحة في البحر الأحمر. وأضاف أن التحالف البحري الذي تقوده الولايات المتحدة “لا داعي له أساسا”، وأن المياه المحاذية لليمن آمنة للجميع باستثناء السفن الإسرائيلية أو السفن المتجهة إلى إسرائيل، بسبب “الحرب العدوانية الظالمة على فلسطين والحصار على قطاع غزة”.
عمليات اليمن البحرية بهدف مساندة الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان والحصار على غزة، وليست استعراضا للقوة ولا تحديا لأحد، ومن يسعى لتوسيع الصراع فعليه تحمل عواقب أفعاله، والتحالف المشكل أمريكيا هو لحماية إسرائيل وعسكرة للبحر دون أي مسوغ، ولن يوقف اليمن عن مواصلة عملياته المشروعة…
— محمد عبدالسلام (@abdusalamsalah) December 19, 2023
وتقول مصادر إن مدى تأثر التجارة العالمية سيتوقف على مدة استمرار الأزمة، لكن أقساط التأمين والطرق الأطول ستشكل أعباء آنية. وقال باباديميتريو من فورتيكسا الثلاثاء إن تكلفة نقل النفط الخام من الشرق الأوسط إلى أوروبا عبر إحدى ناقلات (سويزماكس) ارتفعت 25 بالمئة خلال أسبوع.
وأفاد بنك جولدمان ساكس الاثنين إنه من غير المرجح أن يكون لتعطل تدفقات الطاقة في البحر الأحمر آثار كبيرة على أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي المسال، لأنه يمكن إعادة توجيه السفن. وأضاف البنك “تشير تقديراتنا إلى أن عملية إعادة توجيه افتراضية طويلة الأمد لجميع تدفقات النفط (المتجهة شمالا وجنوبا) البالغة سبعة ملايين برميل يوميا سترفع أسعار النفط الخام الفورية مقارنة بالأسعار طويلة الأجل بمقدار ثلاثة إلى أربعة دولارات للبرميل”.
وقال مشتر آسيوي لمادة النفتا البتروكيماوية التي تصدرها أوروبا إن السفن التي تنقلها لا تزال تستخدم طريق البحر الأحمر، مشيرا إلى أن عملية إعادة توجيه السفن عبر رأس الرجاء الصالح ستستغرق ما بين سبعة و14 يوما إضافية. بينما ذكر سماسرة بحريون إن بعض مالكي ناقلات النفط يدخلون بندا جديدا لإدراج خيار رأس الرجاء الصالح في عقود الشحن التي يبرمونها كإجراء احترازي.
وأفاد مصدر مطلع بشركة ساينياو اللوجستية التابعة لشركة علي بابا إن أوقات تسليم الشحنات ورسوم الشحن قد تزيد قليلا، ولكن بشكل عام فإن عملية إعادة توجيه السفن لن يكون لها تأثير يذكر على الأعمال.
وتتمثل المبادرة الأميركية التي أطلق عليها “حامي الازدهار”، في التصدي المشترك للتحديات الأمنية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، وضمان حرية الملاحة لجميع الدول وتعزيز الأمن والرخاء الإقليميين.
وقال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الثلاثاء، إن هجمات الحوثيين على سفن الشحن في البحر الأحمر يجب أن تتوقف. داعيا الدول إلى إدانة تصرفات الجماعة علنا. واتخاذ خطوات للتصدي لهجمات الحوثيين وذلك خلال حديثه في اجتماع لوزراء الدفاع للترويج لعملية عسكرية جديدة لتأمين التجارة في الممر المائي. وقال “نحن جميعا هنا لأن العديد من الدول يمكن أن تساهم بشكل مباشر في جهودنا المشتركة للحفاظ على الممرات المائية الاستراتيجية آمنة”. وأضاف “هذه الهجمات المتهورة للحوثيين تمثل مشكلة دولية خطيرة وتتطلب ردا دوليا حازما”.
وأكد أوستن الموجود حاليا في إسرائيل أن تصعيد الحوثيين لهجماتهم المتهورة .يهدد التدفق الحر لسفن التجارة وينتهك القانون الدولي. ما استدعى العمل بشكل مشترك لمواجهة هذا التحدي. وقبل ساعات فقط من إعلان أوستن. قالت جماعة الحوثي إنها شنت هجوما بطائرات مسيرة على سفينتي شحن في المنطقة.
وخلال زيارة لإسرائيل، الاثنين، حمل أوستن إيران المسؤولية المباشرة عن هجمات الحوثيين. وقال “دعم إيران لهجمات الحوثيين على السفن التجارية يجب أن يتوقف”. وأضاف في مؤتمر صحفي في تل أبيب “بينما نسعى لتحقيق الاستقرار في المنطقة. تزيد إيران التوتر من خلال الاستمرار في دعم الجماعات والميليشيات الإرهابية”.