نجحت الولايات الصومالية في إجبار الرئيس فرماجو على التراجع عن موقفه بشأن إجراء الانتخابات بنظام الانتخابات المباشرة، والاستمرار بالنظام العشائري 4.5، وذلك بتوقيع الطرفَين اتفاقاً في مقديشو حول ذلك.
ورغم أنّ نظام الانتخاب المباشر أكثر ديمقراطية من المحاصصة العشائرية، إلا أنّه لا يناسب الصومال في هذه المرحلة؛ لغياب القدرات الأمنية والتقنية لإجراء انتخابات عامة من ناحية، ولعلم الولايات أنّ هدف فرماجو ليس منح صوت لكلّ فرد بل استغلال الاقتراع العام في السيطرة على المجالس التشريعية، والبقاء في منصبه كرئيس للبلاد.
وبعد إخفاق فرماجو، ومن ورائه حليفته قطر، في إقناع الولايات بالانتخابات الشعبية، وتأجيل الانتخابات، بات بقاء فرماجو في منصبه كرئيس للبلاد مهدداً، ومعلقاً على رضا ممثلي الولايات في مجلس الشعب، ما يعني تهديد مصالح قطر هي الأخرى، التي ربطتها بشخص فرماجو، لا بمؤسسات الدولة، ويفرض عليها البحث عن بديل ترضاه الولايات، ويحقق مصالحها.
اتفاق مقديشو
وكانت الحكومة الاتحادية (الرئاسة والحكومة) قد عقدت اجتماعاً في مقديشو جمع رؤساء خمس ولايات، هي: بونتلاند، جوبالاند، غلمدغ، هير شبيلي، وجنوب الغرب، وامتد في الفترة بين 13 – 17 من شهر أيلول (سبتمبر) الجاري، وتوصل المجتمعون إلى اتفاق ينصّ على: استمرار العمل بنظام الانتخاب العشائري 4.5، والذي يقوم على تقسيم المقاعد البرلمانية وفق ثقل العشائر، وأن تختار كلّ عشيرة ممثليها في مجلس الشعب.
وتضمّن الاتفاق؛ تعيين الحكومة الفيدرالية لجنة انتخابية فيدرالية تتعاون مع اللجان الانتخابية الإقليمية في كلّ ولاية، وتحديد المناطق الانتخابية بمنطقتين في مراكز المحافظات في الولايات، وتحديد عدد المندوبين الذين سينتخبون كلّ نائب بـ 101 يمثلون العشيرة صاحبة المقعد، على أن يتعاون شيوخ العشائر ومنظمات المجتمع المدني والولايات الإقليمية في اختيار المندوبين، والحفاظ على حصة المرأة المحددة بـ 30%، وأن تنتخب البرلمانات الإقليمية أعضاء مجلس الشيوخ.
وبالنسبة إلى إقليم أرض الصومال، المعلن استقلاله من جانب واحد، اتفق الطرفان على؛ انتخاب مندوبي الأعضاء الذين يمثلون الإقليم، وإجراء انتخابات ممثلي الإقليم في مقديشو.
وتمثّل الانتصار الثاني للولايات في تحديد الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) لبدء خطط الانتخابات، وسيُطرح الاتفاق على البرلمان الفيدرالي للمصادقة.
وجاء اتفاق مقديشو مُكملاً للمشاورات الثلاث السابقة في دوسمريب، والتي عُقدت خلال الأشهر الماضية،
ومثّل الاتفاق ضربة كبيرة للرئيس فرماجو، الذي اتهم الولايات بتنفيذ أجندة خارجية، وعبّر عن خيبة أمله في عدد من رؤساء الولايات، الذين ظنّ أنّهم يساندون موقفه من الانتخابات المباشرة، ثم تخلوا عنه في الاجتماعات.
اقرأ أيضاً: كيف توسع أردوغان في الصومال؟ وما القطاعات التي وضع يده عليها؟
ولقي الاتفاق ترحيباً من القوى السياسية الصومالية، التي شدّدت على ضرورة عدم تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية عن موعدها، وطالب زعيم حزب ودجر السياسي، عبد الرحمن عبد الشكور، الرئيس فرماجو بتوضيح المنطقتين الانتخابيتين في كلّ محافظة، وتقديم خطة مُفصلة بشأن عقد الانتخابات، مشدداً على ضرورة إجرائها قبل انتهاء ولاية البرلمان، في 27 كانون الأول (ديسمبر) المقبل.
وتعليقاً على الاتفاق؛ يقول الصحفي الصومالي، عبد الفتاح موسى: ” الانتخابات الرئاسية على الأبواب والعداوة مع رؤساء الأقاليم لها نتائج سيئة على مستقبل فرماجو، خصوصاً مع سيطرتهم على أغلبية المقاعد البرلمانية؛ لذلك رضخ لمطالب حكام الأقاليم باستقلالية أكبر عن الحكومة الاتحادية، ورجع حاكم ولاية بونت لاند، عبد الله ديني، من العاصمة مقديشو بمكاسب كبيرة تعزز حرية الأقاليم كافةً، وإقليم بونت لاند خاصة، ويظنّ فرماجو أنّه بهذه القرارات سيعيد الودّ القديم مع الأقاليم، ويصوتون له في الانتخابات القادمة”.
تهاوي أحلام فرماجو
وكان فرماجو يأمل بإقرار الانتخابات المباشرة تحقيق وعد انتخابي قطعه على نفسه قبيل ترشحه للرئاسة، أمام مؤيديه من الفئات الشبابية الطامحة للتغيير في الصومال، لكنّ ارتباط فرماجو بأجندة قطر وتركيا، وسعيه للاستبداد بالسلطة على حساب الولايات، إلى جانب الفشل الاقتصادي والأمني، أدّى إلى انفضاض هذه الفئات عنه.
وحول ذلك يقول الصحفي موسى، لـ “حفريات”: ” فرماجو خسر شعبيته بين الناس بقراراته التي تعزز من سيطرة حاشيته وقبيلته على الحكم، وخسر شركاءه في العملية السياسية، واحداً تلو الآخر، بتهوره وقراراته غير المفهومة، والاحتمال الأكبر في الانتخابات القادمة بعد ستة أشهر هي خسارته لكرسي الحكم، فسياسته خلقت شقاقاً داخلياً كبيراً بين الأطراف السياسية، ولن يُحل ذلك إلا بعد رحيله”.
اقرأ أيضاً: هل تنشئ مصر قاعدة عسكرية في الصومال؟
ويتابع موسى: “فرماجو تخلّص من حلفائه كي ينفرد بالقرار، لكن عاد عليه ذلك بالسوء؛ فمن طردهم انضموا إلى المعارضة، ومنهم رئيس الوزراء السابق، حسن خيري، ورئيس البرلمان السابق، ووجد فرماجو أنّ مستقبله مهدّد ما لم يتنازل أمام المعارضة القوية، وهو ما حدث”.
وكان فرماجو قد استبعد المكلف برئاسة الوزراء، محمد حسين روبلي، من المشاركة في مشاورات مقديشو، لكنّه تراجع لاحقاً، ويبدو أنّ المفاوضات تضمنت تقدم روبلي إلى البرلمان بطلب نيل الثقة، كي يمارس مهامه بعيداً عن قبضة فرماجو.
ورحّب المجتمع الدولي “مجموعة أصدقاء الصومال” بعقد المشاورات في مقديشو، بعد شهر من تجميدها، وكان المجتمع الدولي قد طالب بعقد الانتخابات في موعدها، وهدّد بفرض عقوبات على من يزعزع الاستقرار في البلاد، في إشارة إلى فرماجو.
الوساطة القطرية
وقام السفير القطري في مقديشو، حسن بن حمزة، بجولات للوساطة بين الحكومة الاتحادية والولايات للوصول إلى تسوية سياسية للأزمة مع الرئيس فرماجو، حرصاً على عدم خروج السلطة من يده، لارتباط مصالح قطر وتركيا بشخص فرماجو في المقام الأول.
وواجهت قطر صعوبة في إقناع الولايات بخطة فرماجو لتأجيل الانتخابات وتغيير نظام الانتخاب، ووصلت الأزمة إلى حدّ تهديد مصالح قطر، بسبب تعنّت فرماجو.
اقرأ أيضاً: كيف عزلت قطر الصومال عن محيطه العربي؟
وعن الدور القطري، يقول الصحفي، عبد الفتاح موسى: “إن السفير القطري، الذي اجتمع مع رؤساء الأقاليم منذ إقالة حسن خيري، كان له دور في التوافق على رئيس وزراء جديد ليس له من المنصب سوى الاسم، ليخدم وجهة نظر قطر”.
ولا ينبع اهتمام قطر من حرصها على الوحدة في الصومال، بل تسعى لضمان وجود فرماجو كرئيس للبلاد سواء بالانتخابات المباشرة، أو بالتنسيق مع الولايات لاختياره عبر ممثليهم في مجلس الشعب.
اقرأ أيضاً: الصومال.. اتهامات جديدة لفرماجو والحكومة… من أصدرها؟
ويردف الصحفي موسى لـ “حفريات”: “يعدّ فهد ياسين رئيس المخابرات إضافة إلى السفير القطري المحرك الأساسي لهذه المفاوضات، فياسين هو حلقة الوصل بين قطر والرئيس، وهو اللاعب الأساسي في السياسة الخارجية للصومال، فإذا خسر الرئيس فرماجو سيطرته على كرسي الحكم؛ فإنّ أجندة قطر في القرن الأفريقي ستذهب أدراج الرياح”.
وتواجه قطر موقفاً صعباً، فعليها التخلي عن فرماجو الذي يواجه رفضاً داخلياً قوياً من رؤساء البلاد السابقين، والولايات وشخصيات سياسية وأحزاب كبيرة، وهناك احتمال بأن تدفع ببديل لتولي الرئاسة، مستغلة أموالها في شراء موافقة أعضاء مجلس الشعب، الذين سينتخبون الرئيس القادم.
اقرأ أيضاً: هل يسير الرئيس الصومالي على خطى أردوغان للانفراد بالسلطة؟
وتعتمد الصومال النظام الفيدرالي في إدارة البلاد، وتوجد حكومة اتحادية في العاصمة مقديشو، وحكومات إقليمية في الولايات، ولكلّ منهما صلاحيات محددة، وهناك صراع دائم بين المركز والأطراف حول هذه الصلاحيات.
وفي عام 2004؛ تمّ إقرار النظام الفيدرالي في مؤتمر المصالحة الوطنية، في إمبجاتي في كينيا، وبمشاركة إثيوبيا، وتمّ إقرار نظام المحاصصة العشائرية 4.5.
نفلا عن “حفريات”