صحيح أن تونس كانت آخر بلد عربي يحكمه “الإخوان” لكن السؤال: هل انتهى عهدهم فعلا في الوطن العربي؟
صحيح أن الرئيس التونسي قيس سعيّد بتطبيقه المادة 80 من الدستور استطاع أن يحيّد “الإخوان” ويحد من قوتهم وسيطرتهم على الدولة، لكن لا يعني ذلك أن “النهضة” انتهت أو أنها ستسكت على ما جرى، وهو ما أكده راشد الغنوشي، رئيس البرلمان المقال وزعيم حركة النهضة، بقوله إن “شارع النهضة سيتحرك إذا لم يتراجع الرئيس عن قراراته”!
وفي دراسة تحت عنون “الإسلاميون في تونس ومشروع التمكين الأمني.. من المجموعة الأمنية إلى الجهاز السري” نُشرت في مركز “تريندز” للبحوث والاستشارات، يقول أحمد نظيف، كاتب متخصص في الجماعات الإسلامية: “حركة النهضة، بداية من عام 1988 وحتى اليوم، تعتمد على بناء أجهزة قمعية للتنظيم، إذ يُشير إلى ذلك مؤسس تنظيم الإخوان في تونس، راشد الغنوشي، متحدثاً في مقالة نشرها في مجلة المعرفة، لسان الحركة، ويؤكد أنه يجب على الأشخاص الذين تعهدوا العمل وتحملوا المسؤوليات أن يتجنبوا الكشف عن أنفسهم والاقتراب من دائرة الضوء”.
وكان وزير الداخلية الأسبق لطفي بن جدو اتهم حركة “النهضة” في 2013 بأن لديها جهاز استخبارات قويا في تونس يتجسس على المسؤولين والمواطنين ومفاصل الدولة، وأن لديها أجهزة تفوق قدرات الجيش والداخلية في تونس!
السؤال الآن: هل سيتحول الإخوان إلى أسلوب العصابات؟
الجواب، هذا وارد، كما حصل في سوريا ومصر، وقد يحاولون العودة إلى أسلوب الاغتيالات، وهو أسلوب اتبعوه في أكثر من دولة.
وهنا يقول البعض: “لا بد من تجميد أموالهم ومصادرتها، فالغنوشي تفوق ثروته المليار دولار، كسبها كلها من إرسال السلاح والإرهابيين إلى سوريا وليبيا، وبتعاون واضح مع أنظمة أخرى، وهذا هو التحدي الأول للرئيس قيس سعيد، وبالتالي يجب العمل على تجفيف منابع تمويل الإرهاب، والأخطر من ذلك هو العمل على كشف منظومة الاتصالات السرية بين هؤلاء”
وبالعودة إلى تأسيس “النهضة”، فـ”الغنوشي” يكاد يكون الاسم الأوحد فيها، فهو كان من مؤسسيها عام 1972 حين كان اسمها “الجماعة الإسلامية”، ومن ثم تحولت عام 1981 إلى “حركة الاتجاه الإسلامي”، وتربع “الغنوشي” على عرش “النهضة” منذ عام 1991 حتى الآن، بل أتى بأقربائه وسلمهم المناصب، فهو من سلم صهره رفيق عبد السلام وزارة الخارجية بعد سقوط زين العابدين بن علي عام 2011، ثم خرج “عبد السلام” من الحكومة على خلفية اتهامات بالفساد، وتحقيق صحافي قامت به الصحافية ألفة الرياحي، التي اتهمته فيه بالاستيلاء على “هبة صينية” تقدر بمليون دولار لم يقم بتسليمها إلى خزينة الدولة .
ولكن، هل كانت “النهضة” محبوبة يوماً في تونس أو تحظى بشعبية؟
في عام 2011 حصلت “النهضة” على 89 مقعداً من أصل 217، أي أغلبية غير مطلقة بنسبة 41%.
في عام 2014 تراجعت “النهضة” وحصلت على 69 مقعداً، أي 31%، وتقدم عليها في حينها حزب “نداء تونس” العلماني.
ومنذ عام 2014 وحتى اليوم يتدهور وضع حركة “النهضة” على الصعيد الداخلي، ورغم تراجعها في الانتخابات حافظت على تسلمها منصب رئيس الوزراء، لأن صلاحيات رئيس الوزراء في تونس أكبر من صلاحيات رئيس الدولة، لذلك تخلت الحركة عن رئاسة الجمهورية ظاهرياً وتمسكت برئاسة الوزراء، وتم تعيين أول رئيس حكومة “نهضوي” بعد ما سمي ثورة الياسمين عام 2011، أعطي فيها الإخوان 16 وزارة من أصل ثلاثين، أي أكثر من النصف، وأكثر من نسبتهم في المجلس النيابي، واضطرت حكومتهم إلى الاستقالة بسبب حركات الاحتجاج، التي تفجرت في تونس، فبراير/شباط 2013، عقب اغتيال القيادي اليساري المعارض شكري بلعيد، الذي كان يشكل رمزاً كبيراً بالنسبة للتونسيين، واتهم “النهضة” بـ”التشريع للاغتيال السياسي” بعد تزايد اعتداءات “رابطات حماية الثورة”، الذراع العسكرية لحركة “النهضة”.
وأعقب اغتيال “بلعيد” اغتيال محمد البراهمي، القيادي من التيار الناصري، بعد اتهامه “النهضة” أيضاً بممارسة الاستبداد، لكن الحركة رفضت اتهامات تورطها في الاغتيالات، وبعد نحو عام ونصف العام صدر بيان عن تنظيم “داعش” يقول إنه هو من اغتال الزعيمين التونسيين في محاولة للتخفيف عن “النهضة”، ما يؤكد أمرين، الأول أن الإرهاب الذي تقوده الإخوان واحد، والثاني هو ارتباط “داعش” بـ”النهضة” وبالحركة الأم، الإخوان المسلمين.
ويبقى السؤال: متى سيتخلص العالم العربي من حركات الإسلام السياسي، التي تستخدم العنف وسيلة للاستيلاء على السلطة، واتباع الأسلوب المكيافيلي “الغاية تبرر الوسيلة” ضاربة بالحائط كل القيم الإسلامية، التي تدّعيها؟