وساطة أوزبكية تنجح في تجميد حملة أمنية ضد جهاديين فرنسيين بإدلب

قررت قوات الأمن العام في سوريا التراجع عن تنفيذ عملية أمنية واسعة كانت تستهدف اقتحام مخيم الغرباء في ريف إدلب والقبض على مجموعة من المهاجرين الفرنسيين، إثر تدخل مباشر من قادة ومقاتلين أوزبك وآخرين من جمهوريات آسيا الوسطى. هذه الحادثة سلطت الضوء مجدداً على مدى النفوذ الذي بات يتمتع به المقاتلون الأجانب في مناطق الشمال السوري، رغم محاولات القيادات المحلية تحجيم دورهم تحت ضغط غربي متزايد.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الانسان بأن وحدات الأمن العام كانت قد استنفرت بكامل قواها قرب مدينة حارم، بالتزامن مع تحركات في محيط جسر الشغور وكفريا والفوعة، استعداداً لمداهمة مخيم الغرباء الذي يضم عشرات المهاجرين الفرنسيين وعائلاتهم.
إلا أن وساطة قادها مقاتلون أوزبك وعدد من القادة الأجانب المنضوين ضمن فصائل شمال إدلب حالت دون تنفيذ العملية، بعد تهديدات ضمنية باندلاع مواجهات واسعة إذا أقدمت القوات على الاقتحام. وتحدثت مصادر عن انتشار كثيف للمسلحين الأجانب في محيط المنطقة خلال ساعات الليل، ما اضطر قوات الأمن إلى التراجع تفادياً لمعارك دموية.
ويخضع المخيم الذي كان هدفاً للعملية لسيطرة الفرنسي من أصل سنغالي عمر ديابي المعروف باسم “عمر أومسين”، وهو قائد كتيبة الغرباء التي تضم في صفوفها مقاتلين فرنسيين وأفارقة من أصول مغاربية.
ويُتهم ديابي بإدارة المخيم كمنطقة مغلقة خارج سلطة الحكومة السورية والهيئات القضائية، وبتطبيق أحكامه الخاصة على السكان، في ظل اتهامات متزايدة له بارتكاب انتهاكات بحق النساء داخل المخيم وفق ما أكده المرصد السوري.
بداية التوتر جاءت بعد هروب امرأة تُدعى سارة من المخيم بمساعدة أخرى، ما دفع ديابي إلى معاقبة الأخيرة بجلدها علناً أمام أسرتها. لاحقاً، اتُهم أحد معاونيه الملقب بـ”أبو إبراهيم الفرنسي” بخطف ابنة سارة بالتعاون مع “بو هاجر التونسي”، في محاولة لتهريب الطفلة عبر معبر باب الهوى نحو الأراضي التركية، وفق ما أورده “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.
وفي المقابل، أكد العميد غسان باكير، قائد الأمن الداخلي في محافظة إدلب، أن العملية الأمنية كانت “استجابة لشكاوى الأهالي في مخيم الفردان المجاور” الذين طالبوا بوضع حد لما وصفوه بانتهاكات خطيرة تمارسها مجموعات مسلحة أجنبية بحق المدنيين، موضحاً أن الهدف من الاقتحام كان تحرير فتاة مخطوفة وليس مواجهة المهاجرين ككل.
غير أن الميدان اتجه بسرعة إلى التصعيد، إذ وقعت اشتباكات متقطعة أثناء محاولة القوات التقدم، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى من الجانبين، قبل أن تتدخل أطراف أجنبية لوقف النار.
التطور الأكثر دلالة تمثل في الدور الذي لعبه المقاتلون الأوزبك في تهدئة الموقف. هؤلاء الذين ينتمون إلى فصائل ذات طابع جهادي متشدد في ريف إدلب الشمالي، يمتلكون ثقلاً عسكرياً وشبكات دعم قوية، مكّنتهم من فرض وساطتهم على الجانبين.
وبحسب مصادر ميدانية، فإن مفاوضين أوزبك نقلوا مطالب ديابي إلى قادة الأمن العام، في حين تولوا تأمين ممرات لخروج بعض العائلات من المخيم أثناء وقف إطلاق النار.
واعتبر هذا الدور الوسيط مؤشراً على تغلغل المقاتلين الأجانب في مفاصل القرار الميداني، وقدرتهم على تعطيل أو تمرير العمليات الأمنية وفق مصالحهم.
وفي خضم التوتر، أصدرت كتيبة الغرباء بياناً اتهمت فيه الحكومة السورية المؤقتة بتنفيذ “خطة دولية لتصفية المهاجرين الأجانب” بالتنسيق مع التحالف الدولي، وخصت بالذكر فرنسا والولايات المتحدة. البيان اعتبر أن “استهداف المهاجرين الفرنسيين هو بداية حملة منظمة لإنهاء وجود المقاتلين الأجانب في الشمال السوري”.
وتزامن ذلك مع تحليق طائرات مسيّرة فوق المخيم وعودة الهدوء النسبي صباح الثلاثاء، وسط مخاوف بين نساء وأطفال المهاجرين الذين أمضوا ليلة قاسية تحت نيران الاشتباكات.
وسياسياً، تعكس الحادثة المأزق الذي تواجهه القيادات السورية في التعامل مع ملف المقاتلين الأجانب. فبحسب محللين، يتعرض الرئيس السوري احمد الشرع، بضغط من أطراف غربية، إلى صعوبات حقيقية في إقناع الفصائل المحلية بتقليص نفوذ المقاتلين القادمين من الخارج.
ويرى مراقبون أن استمرار هؤلاء في فرض كلمتهم ميدانياً – كما حدث في مخيم الغرباء – يعني أن أي خطة لتحجيمهم ستصطدم بحائط من الولاءات العابرة للحدود، خصوصاً في ظل الدعم الذي يتلقونه من جماعات في آسيا الوسطى.
ورغم الهدوء الحذر الذي عاد نسبياً إلى المنطقة، إلا أن مخيم الغرباء ما يزال يعيش حالة توتر وترقب. السكان المحليون يخشون من عودة المواجهات في أي لحظة، خصوصاً أن القوات الأمنية لم تغلق ملف المخيم بعد، فيما يستمر ديابي ومقاتلوه في فرض سيطرتهم الكاملة على داخله.
ويحذر ناشطون حقوقيون من أن ترك المخيم على هذا الوضع قد يحوله إلى منطقة خارجة عن السيطرة بشكل دائم، بما يشبه “جيباً جهادياً” على مقربة من الحدود التركية، في وقت يسعى فيه المجتمع الدولي إلى تفكيك آخر الجيوب التي تؤوي المقاتلين الأجانب في سوريا.