اخترنا لكم

يوجد بديل للاتفاق النووي

علي الصراف


يثير الانهيار التلقائي للاتفاق النووي مع إيران تساؤلات عن البديل المحتمل له.

ويحتاج الأمر إلى مطالعة رصينة للخطر لمعرفة البديل المناسب.

من حيث المبدأ، ليس من المقبول لإيران أن تنتج أسلحة نووية. سوف يمثل ذلك خروجاً فظاً عن التزامات مسبقة، لا علاقة لها بالاتفاق النووي أصلا. ولكن حتى ولو انتهى الأمر بإيران إلى أن تصبح قوة نووية، فذلك ليس هو الخطر الحقيقي.

إيران لا تهدد إلا نفسها بامتلاك أسلحة نووية. وأسلحتها لا تثير الخوف أصلا. ولكن ليس لأنها غير قابلة للاستخدام من دون رد ساحق، وإنما لأنها تستنزف من الموارد ما لا تستطيع إيران توفيره في ظروف الحصار الراهنة.

المبالغة في إثارة المخاوف من قيام إيران بتطوير أسلحة نووية تقصد شيئاً آخر. فهي نفسها تبيع الخوف، وتثير من حوله الزوابع، لأنها تقصد التلويح بذلك الشيء الآخر. وهو إمكانية تكريس جزء كبير من عائدات إيران النفطية لمصلحة الشركات الغربية حالما يتم رفع العقوبات عن إيران.

وفي الواقع، فقد أثمر توقيع الاتفاق النووي في عام 2015 مع إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، هذا الشيء حصراً. ولكن سرعان ما اتضح أن الثمار كانت فاسدة.

إيران استغلت رفع العقوبات عنها لتمويل نشاطات وعمليات الإرهاب في المنطقة. أعطت جانباً من الكعكة للشركات الغربية لشراء طائرات وتطوير منشآت استراتيجية، ولكنها أعطت الجانب الآخر لمنظمات الإرهاب ولتوسيع دائرة الخراب التي شملت العراق وسوريا ولبنان واليمن. فقامت بتمويل وتسليح مليشيات، لتقوم هذه المليشيات بدورها بإدارة نشاطات إجرامية وأعمال فساد سمحت لإيران بالحصول على عائدات من أعمال النهب، في العراق خاصة، لتمويل أعمال إجرامية في أماكن أخرى.

الذين يدافعون عن الاتفاق النووي، إنما يدافعون عن حصتهم من الكعكة. وهم يشاركون في إثارة الذعر من إنتاج أسلحة نووية لهذا السبب وليس لأنهم خائفون من تلك الأسلحة. إنهم خائفون على ما يمكن أن يدخل إلى جيوبهم، فقط.

لو كان الدفاع عن الاتفاق النووي نزيها، لكان من الممكن النظر إليه من زاوية أخرى، ولكان من الممكن للنزاهة نفسها أن تأخذ بعين الاعتبار المخاطر الأخرى. إلا أن ذلك لم يحصل. وهو لن يحصل، لأن بعض أصحاب المصالح التجارية ينظرون إلى مصالحهم ولا يهمهم ما يتعرض له ملايين البشر من أضرار وجرائم وأعمال إرهاب وتخريب.

القول إنه “لا يوجد بديل للاتفاق النووي”، ليس سوى كلام فارغ. ولقد أثبت نظام الولي الفقيه في إيران بنفسه أن ذلك الاتفاق كان فاشلاً من جميع الوجوه. وأعمال مليشياته في المنطقة كانت وحدها برهاناً كافياً على ذلك الفشل.

ولا حاجة للقول إن الوقت قد حان لتبني مقاربة شاملة، تأخذ كل المخاطر بعين الاعتبار وتحافظ على كل المصالح في آن واحد. فهذا هو البديل الصحيح.

لا أحد في المنطقة يريد أن يلحق ضرراً اقتصادياً بشعوب إيران. ولكن الأدلة قاطعة وكافية، على أن هذه الشعوب تعيش تحت وطأة نظام وحشي وظالم، وهو يستخدم موارد البلاد في أعمال لا تصب في مصلحة الإيرانيين.

لقد مرت ثلاث سنوات بين توقيع الاتفاق النووي وبين خروج الولايات المتحدة منه، وظل الإيرانيون فقراء ويعانون الويلات والشدائد، بينما تم إنفاق مئات المليارات من عائدات البلاد في أعمال عسكرية ولبناء منظومة صواريخ، تحولت إلى تهديد للأمن الإقليمي برمته، بل إلى تهديد للتجارة الدولية أيضاً.

وما لم يكن ذلك صفعة على وجه الراغبين في بقاء الاتفاق النووي، فلا أحد يعلم كيف يمكن للصفعة أن تكون.

إيران لا تريد أن تناقش مخاطر تلك الصواريخ، ولا أعمال مليشياتها، ولا دعمها لمنظمات الإرهاب، لأنها تعرف مسبقا أن هذه الأدوات هي القنبلة النووية الحقيقية، وليس فزاعة تخصيب اليورانيوم، التي تخيف “الراغبين” في الخوف.

البديل الصحيح للاتفاق النووي، هو ذلك الذي يبدد كل المخاطر، ويوقف كل أعمال التخريب والتهديدات، ويسمح لشعوب إيران أن تهنأ بموارد البلاد، بدلاً من أن تتحول لتمويل مشاريع عسكرية. الكل سوف يستفيد من هذا البديل.

وفي الحقيقة، فإن بناء مصالح تجارية مع نظام إرهاب، لا يوفر أي ضمانات ببقائها أو نموها، وذلك لأن الأساس الذي تقوم عليه هشّ، وقابل للانهيار في أي وقت.

صحيح أن أنظمة الاستبداد والطغيان تقدم أكثر، على سبيل الرشوة، إلا أنها تفعل ذلك لكي تمارس المزيد من أعمال القهر والمظالم. وهذه الأعمال هي التي تعود لتدمر مصالح المتواطئين مع الطغيان.

هناك طريق صحيح واحد. وكل الخبرات تقول إنه ما من سبيل إلا إليه. عندما تتحول إيران إلى دولة ترعى مصالح شعبها ولا تشكل تهديدا للآخرين، بدلاً من أن تكون دولة عصابة ومليشيات وأعمال إرهاب، فإن امتلاك أسلحة نووية لن يعود شيئاً ضرورياً. تخلي جنوب أفريقيا عن مشروعها النووي وفر دليلاً كافياً على أن الأسلحة النووية لا تُطعم من جوع ولا تغني من فقر. كما أن السلاح النووي نفسه لن يعود خطراً أصلاً في ظل دولة تتصرف كدولة. الهند دولة نووية. ولكنها لا تستخدم هذا السلاح كغطاء لتمرير أعمال عصابات مسلحة في الجوار.

هذان المثالان يقولان شيئاً واحداً: السلاح النووي ليس هو الخطر. وهو لا يصلح كفزاعة لتغطية أهداف أخرى. إن من يريدون الخير لأنفسهم ولدول المنطقة ولشعب إيران، يعرفون البديل ويمكنهم الوصول إليه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى