استهداف قافلة المساعدات في زالنجي.. قراءة سياسية في توسيع نطاق المسيّرات وتآكل الخطوط الحمراء في السودان
في مشهد يعكس عمق الانهيار الأمني والإنساني في السودان، شهدت مدينة زالنجي بوسط دارفور حادثة خطيرة بإقدام طيران الجيش المسيَّر على استهداف قافلة مساعدات إنسانية باستخدام مسيرات “أكنجي” التركية الصنع. الحدث، وإن بدا حلقة جديدة في سلسلة العنف المتصاعد بين الجيش وقوات الدعم السريع، إلا أنه يحمل دلالات سياسية وعسكرية تتجاوز حدود الميدان، وتفتح الباب أمام أسئلة كبرى حول مستقبل الصراع، وشرعية الأطراف المتحاربة، وحدود التدخلات الخارجية، ووضع المدنيين في معادلة الحرب.
-
استهداف قافلة المساعدات الإنسانية في مليط… ما القصة؟
-
السودان: أزمة إنسانية متفاقمة وجهود الإمارات في الإغاثة والدعم
المشهد الميداني ومسيرات “أكنجي”
تُعد طائرة “أكنجي” واحدة من أكثر المسيّرات تطورًا ضمن الترسانة التي دخلت حروب المنطقة في السنوات الأخيرة. استخدامها في دارفور ليس مجرد تطور تقني، بل انتقال واضح في استراتيجية الجيش السوداني نحو حرب تعتمد على التفوق الجوي والمُسيّرات بعيدة المدى لتقييد حركة الدعم السريع.
غير أن استهداف قافلة مساعدات إنسانية يثير أسئلة مزدوجة:
-
هل كان هناك خطأ في التقدير؟
-
أم أن الجيش اعتبر القافلة غطاءً لتحركات عسكرية؟
حتى اللحظة، لم يقدم الجيش رواية مقنعة للرأي العام، الأمر الذي جعل الحدث يتحول من حادث عسكري إلى قضية سياسية كبرى.
-
في لندن.. تحذيرات دولية من دور الجيش السوداني في عرقلة السلام والإغاثة
-
الأوضاع الصحية في السودان تتفاقم وأطفال يدفعون الثمن
مفهوم “تحييد الإنسان” في حرب لا تعترف بالمدنيين
تعيش دارفور واحدة من أسوأ الأوضاع الإنسانية في إفريقيا. فمنذ بداية الحرب بين الجيش والدعم السريع، تحولت المدن الكبرى مثل الجنينة وزالنجي ونيالا إلى ساحات مواجهة مفتوحة، بينما يدفع المدنيون الثمن الأكبر.
استهداف قافلة مساعدات — بغض النظر عن دوافعه — يعكس انهيار الخطوط الحمراء التي كانت تمنح المدنيين هامشًا من الحماية. أصبح الإنسان السوداني اليوم محاصرًا بين:
-
نيران الجيش والمسيّرات،
-
وحصار الدعم السريع وسيطرته على الطرق،
-
وانعدام الغذاء والدواء،
-
وانهيار منظومة الدولة.
هذا الحدث يزيد القلق من أن تتحول المساعدات الإنسانية نفسها إلى جزء من معركة “الاجتثاث المتبادل”، حيث يتهم كل طرف الآخر باستخدام الغطاء الإنساني لأغراض قتالية.
-
الإمارات في قلب الأزمة السودانية: دعم مستدام لمواجهة الجوع
-
السودان تحت وطأة الجوع: دور الإمارات في تقديم الإغاثة الإنسانية
حسابات الجيش السوداني وتغيير طبيعة الحرب
يحاول الجيش، منذ فقدانه السيطرة على العاصمة والعديد من المدن الاستراتيجية، استعادة زمام المبادرة عبر:
-
تكثيف الهجمات الجوية باستخدام مسيرات تركية وصينية.
-
تطويق الدعم السريع لوجستيًا ومنع وصول الإمدادات.
-
إضعاف نفوذ الدعم السريع في دارفور باعتبارها الحاضنة الرئيسـية له.
لكن استهداف قافلة المساعدات يطرح سؤالًا موجعًا:
هل يتحول الجيش تدريجيًا إلى اعتماد مفرط على القوة الجوية، على حساب التدقيق المعلوماتي والتمييز بين هدف عسكري ومدني؟
وهذا يفتح الباب أمام أزمة شرعية لأن المجتمع الدولي يُقيّم الأطراف المتحاربة وفقًا لسلوكها تجاه المدنيين.
-
خطأ بروتوكولي يؤجل المباحثات السودانية الأمريكية في القاهرة
-
دارفور على حافة الهاوية: الحرب والمجاعة في صراع السودان
الدعم السريع واستثمار الحادثة إعلاميًا
من جهة أخرى، وجد الدعم السريع في الحادثة فرصة ذهبية لتعزيز روايته أمام العالم. فالقصف — إن ثبت استهدافه قافلة إنسانية فعلًا — يمنح الدعم السريع إمكانية تصوير الجيش كقوة “تستهدف المدنيين” وتستخدم طائرات بدون طيار بلا ضوابط.
البيانات الأولية الصادرة من جهات ذات صلة بالدعم السريع حملت لغة واضحة، حيث تحدثت عن:
-
“جريمة حرب”,
-
“استهداف المدنيين العُزّل”,
-
“استخدام أسلحة أجنبية في أعمال قمع”.
ويأتي ذلك ضمن صراع متصاعد بين الطرفين حول كسب الشرعية الدولية، بعد أن فشل كل منهما في حسم المعركة على الأرض.
-
هل تراجع أنصار “البرهان” عن دعمهم للجيش السوداني؟
-
أنصار “البرهان” ثقتهم بالجيش السوداني.. الإخوان السبب
الدور التركي في المشهد السوداني
استخدام “أكنجي” يعيد التركيز على الدور التركي في تسليح الجيش السوداني. وقد أثار الأمر أسئلة حول:
-
مدى التزام أنقرة بقرارات حظر نقل السلاح إلى مناطق النزاع،
-
طبيعة التفاهمات العسكرية بين الخرطوم وأنقرة،
-
استخدام الأسلحة التركية في مناطق تشهد كوارث إنسانية.
تركيا، بطبيعة الأمر، تحاول الحفاظ على توازن حساس بين علاقاتها الإقليمية ومصالحها الاقتصادية، وهو ما يجعلها عادةً تتبرأ من أي مسؤولية سياسية عن استخدام أسلحتها في صراعات داخلية. ومع ذلك، فإن تكرار استخدام “أكنجي” في دارفور قد يعرض أنقرة لضغط دولي متصاعد.
صدى الحادثة على المستوى الدولي
في ظل النداءات الأممية المستمرة لوقف إطلاق النار وتسهيل وصول المساعدات، فإن استهداف موكب إنساني يحمل تبعات كبيرة، خصوصًا أن المجتمع الدولي يعتبر الهجمات على المساعدات واحدة من أخطر الانتهاكات.
من المتوقع أن يؤدي هذا الحادث إلى:
-
زيادة الضغوط على الجيش من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي.
-
دعوات جديدة للتحقيق الدولي في الانتهاكات.
-
استخدام الحادثة كأداة سياسية من قبل الأطراف الدولية التي تريد دفع الجيش أو الضغط عليه نحو مسار سياسي محدد.
المجتمع الدولي بات مقتنعًا أكثر من أي وقت مضى بأن الحسم العسكري مستحيل وأن استمرار الحرب لن يؤدي إلا إلى تمزيق السودان بشكل كامل.
دارفور… مسرح حرب بلا قواعد
زالنجي، التي كانت يومًا عاصمة ثقافية لوسط دارفور، تحولت اليوم إلى مدينة تعيش حالة حصار. ومع صعوبة إيصال الغذاء والدواء، فإن أي هجوم على المساعدات يضاعف الكارثة.
الخطير أن دارفور أصبحت:
-
فضاءً مفتوحًا للمواجهات الجوية،
-
منطقة تعاني انفلاتًا قبليًا واسعًا،
-
ساحة لتدخلات خارجية متشابكة.
ولذلك فإن الهجوم لا يمكن عزله عن سياق التفكك الشامل الذي تشهده البلاد.
-
أطباء بلا حدود توثق موجة العنف التي تعرض لها السودانيون
-
أمال السودان تتبخر أمام الأسبوع السادس من القصف
نحو أي أفق تسير الحرب؟
لا الجيش قادر على حسم المعركة،
ولا الدعم السريع قادر على بسط السيطرة على البلاد.
وبين الطرفين يقف ملايين السودانيين الذين فقدوا ممتلكاتهم، وطرقهم، ومصادر رزقهم، وحياتهم الطبيعية.
حادثة زالنجي ليست مجرد خطأ عسكري، بل إنذار بأن الحرب دخلت مرحلة جديدة:
مرحلة استخدام القوة الجوية من دون ضوابط، ودخول المساعدات الإنسانية في قلب الصراع، وانعدام التمييز بين هدف مدني وعسكري.
والأخطر… أن هذه المرحلة تهدد بفتح الباب أمام تحقيقات دولية أوسع، وربما وصمات سياسية تطال قيادة الجيش، في لحظة هي الأكثر حساسية منذ بداية النزاع.
إن استهداف قافلة مساعدات في زالنجي بمسيرات “أكنجي” يمثل نقطة تحول خطيرة في الحرب السودانية. إنه يعكس:
-
طابع الحرب الحديثة التي تستخدم المسيرات كسلاح رئيسي،
-
الانهيار الكامل للمنظومة الأخلاقية في الصراع،
-
فقدان الأطراف المتحاربة القدرة على حماية المدنيين،
-
وتزايد خطر التدويل الكامل للأزمة.
السودان اليوم يقف على مفترق طرق:
إما الانتقال نحو تسوية سياسية شاملة تعيد الدولة إلى مسارها الطبيعي،
أو السقوط في دوامة الحروب الجوية التي لا تنتج سوى الخراب.
-
الحرب السودانية تتواصل.. ما آخر التطورات؟
-
مساهمة الإمارات تخفف من معاناة الأزمة الإنسانية في السودان
