التقارب السوري التركي: آفاق المصالحة وتحدياتها وسط رفض شعبي في الشمال
في خضم التطورات السياسية الأخيرة، أثار الحديث عن التقارب بين تركيا وسوريا موجة من الجدل والاعتراضات، خصوصًا في المناطق الشمالية الغربية من سوريا، التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة، هذه التحركات الدبلوماسية تحمل في طياتها العديد من التحديات والتداعيات التي تؤثر على مستقبل العلاقات بين البلدين وعلى سكان المناطق المعارضة على حد سواء.
رفض المعارضة السورية للتقارب
منذ أن بدأت الدعوات التركية للتصالح مع النظام السوري، شهدت مناطق شمال غربي سوريا احتجاجات واعتصامات يومية رفضًا لهذه الخطوة. سكان إدلب وريف حلب الشمالي، الذين يعتمدون بشكل كبير على تركيا كمصدر رئيسي للدعم الاقتصادي والإنساني، يعبرون عن مخاوفهم من التبعات الاقتصادية والسياسية التي قد تنتج عن تقارب أنقرة مع دمشق. المحتجون يعتبرون أن هذه الخطوة تشكل مصادرة لقرارهم وتعبير عن غضبهم من التبعية السياسية والإدارية للمعارضة السورية تجاه تركيا؛ مما دفعهم إلى إغلاق مكاتب الائتلاف والحكومة السورية المؤقتة في ريف حلب.
المحتجون في إدلب وريف حلب الشمالي يرفعون لافتات تحمل شعارات ضد المصالحة بين الأسد وأردوغان، ويهتفون برفضهم “الوصاية والمصادرة” التركية لقرارهم بالبقاء خارج سيطرة سلطة دمشق.
هذه الاحتجاجات تعكس خوفًا عميقًا من احتمال استعادة دمشق سيطرتها على هذه المناطق، مما يعرض سكانها لمخاطر أمنية كبيرة، خاصة في ظل سجل النظام السوري في التعامل مع المعارضين.
التداعيات الاقتصادية للتقارب
الخشية من التعامل الأمني السوري مع المعارضة هي المحرك الأساسي للاحتجاجات، ولكن هناك أيضًا تبعات اقتصادية جلية للتقارب التركي السوري. تعتمد مناطق المعارضة في شمال غربي سوريا بشكل كبير على تركيا كمنفذ وحيد للتبادل التجاري ودخول المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى خدمات الكهرباء والاتصالات.
هذا الاعتماد الكبير يجعل أي تغير في السياسة التركية تجاه سوريا ذا تأثير مباشر وكبير على حياة سكان هذه المناطق، حيث يواجهون تحديات صعبة في ظل الظروف الحالية.
بجانب الخسائر المحتملة في المساعدات والخدمات، يتخوف السكان من أن يؤدي التقارب إلى إجراءات تركية أكثر صرامة تجاه اللاجئين السوريين، الذين يشكلون نسبة كبيرة من سكان المناطق الحدودية. تركيا، التي استضافت على أراضيها أكثر من 3.6 مليون لاجئ سوري، قد تتجه إلى تقليص دعمها لهذه الفئات أو حتى تشجيع عودتهم إلى سوريا في ظل الاتفاقيات الجديدة، مما يضيف عبئًا إضافيًا على المناطق التي تعاني بالفعل من نقص في الموارد والخدمات الأساسية.
التصريحات التركية والسورية
خلال الأسابيع الماضية، تصاعدت التصريحات من الجانبين التركي والسوري حول إمكانية الحوار والتقارب. أردوغان أشار إلى احتمال بدء حقبة جديدة من العلاقات مع دمشق، مؤكدًا أن تركيا تسعى لتحقيق سلام عادل في سوريا.
بالمقابل، كانت وزارة الخارجية السورية واضحة في مطالبها، مؤكدة على ضرورة انسحاب القوات التركية ومكافحة المجموعات الإرهابية كشرط أساسي لأي تقارب. هذا التباين في المواقف يعكس تعقيدات الملف السوري التركي وصعوبة التوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف.
التصريحات التركية الأخيرة تتماشى مع الرؤية الاستراتيجية لتركيا في تأمين حدودها الجنوبية وإيجاد حلول للأزمة السورية التي طال أمدها.
بينما تسعى تركيا إلى تحقيق توازن بين مصالحها الأمنية واستقرار المنطقة، تبدو الحكومة السورية متمسكة بشروطها التي تعتبرها ضرورية لحماية سيادتها ووحدة أراضيها. هذا الموقف يعكس تعقيد العلاقة بين البلدين، حيث تتداخل المصالح الوطنية والأمنية مع التحديات الإقليمية والدولية.
آفاق المصالحة وتداعياتها
رغم المحاولات التركية لتعزيز التقارب مع دمشق، إلا أن هناك شكوكًا كبيرة حول قدرة النظام السوري على تقديم تنازلات تلبي مطالب تركيا.
مراقبون، أكدوا أن المصالحة المحتملة قد لا تتعدى فتح الطرق والخطوط التجارية وعودة العلاقات الدبلوماسية، في حين تظل المخاوف الأمنية والاقتصادية قائمة بالنسبة لسكان شمال غربي سوريا. البعض يرون أن الخشية من النظام السوري قد تكون مبالغ فيها، نظرًا لعدم قدرة دمشق على استعادة السيطرة الكاملة على هذه المناطق أو تقديم الخدمات اللازمة.
-
إرهاب جديد بإدلب.. العدوان التركي على الأراضي السورية يتوسع
-
الرئيس التركي لا يستبعد تطبيع العلاقات مع سوريا
من جهة أخرى، يرى مراقبون، أن التقارب قد يحمل فرصًا لتعزيز الاستقرار الإقليمي إذا ما تم توظيفه بشكل صحيح. تركيا قد تستفيد من استعادة علاقات طبيعية مع سوريا في تقليل التهديدات الأمنية على حدودها ومنع تدفق المزيد من اللاجئين. كذلك، يمكن للتقارب أن يفتح أبوابًا جديدة للتعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، مما يساهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية في المنطقة.