اخترنا لكم

إدارة بايدن والمسارات الصدامية المحتملة مع روسيا والصين

د. طارق فهمي


تتوهم إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أنها يمكن أن تدخل في مواجهات مفتوحة مع الصين لتصويب مسارات واتجاهات العلاقات.

مثلما كان يجري وقت إدارة الرئيس دونالد ترامب، ولكن الأمر مختلف تماماً في الوقت الراهن في ظل خطاب سياسي واستراتيجي مختلف يتبناه القادة الصينيون تجاه إدارة الرئيس بايدن وتجاه الاتحاد الأوروبي، ومن ثم فإن تقبل الصين لما تروج له الإدارة الأمريكية وبخطاب متعالٍ ومن أعلى لن يصلح مع القوة الصينية برغم التسليم بحسابات القوة الشاملة للولايات المتحدة، وعدم قدرة الصين أو أي قوة أخرى للحاق بالولايات المتحدة، وهو ما سيدفع الإدارة الأمريكية لتسويق خيار المواجهة والتفاعل، وهو أمر لن يكون مناسباً بالمعنى الحقيقي، في ظل سيل التقارير الدولية التي تؤكد تنامي القدرات الصينية بصورة كبيرة طوال الفترة الماضية في مواجهة الولايات المتحدة.

  وقد أشار تقرير استخباراتي أمريكي صدر مؤخراً إلى أن الصين تجاوزت أمريكا في عدد القطع البحريّة، بحيث أصبحت أكبر قوة بحرية في العالم، وبات لديها 360 قطعة بحرية هُجومية تضم سفناً وغواصات نووية وطائرات مسطّحة بالمقارنة مع 250 قطعة هي مجموع قطع الأسطول الأمريكي في الوقت الراهن، مع الإشارة إلى أن الصين تسعى بالفعل إلى بناء منظومة تحتية اقتصادية قوية، وقوة عسكرية نووية وصاروخية متطورة، إضافة لترسانة من الأسلحة السيبرانية والذكاء الاصطناعي، مع العمل للتحول لقوة اقتصادية عظمى في غضون خمس إلى عشر سنوات.

 وفي الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد الأمريكي من تبعات أزمة كورونا وتعطل الآلاف من خطوط الإنتاج والتشغيل، تعافت الصين وخرجت للعالم بمقاربة جيدة تركز على أن الصين لا تزال قادرة على التحدي والمواجهة، ليس تجاه الولايات المتحدة، ولكن تجاه أي قوة تريد الاقتراب من قدراتها أو حساباتها الاستراتيجية أو السياسية، خاصة في منطقة آسيا، حيث صراعات القوى الكبرى، وعلى امتلاك القدرات العسكرية الرادعة، وهو ما تحققه الصين بعد أن سيطرت فعلياً على بحر الصين الشهير، وباتت تؤكد على قدراتها وتحالفاتها مع روسيا التي ستدخل هي الأخرى في صراع مفتوح مع إدارة الرئيس جو بايدن مبكراً، إثر فرض العقوبات الأمريكية على روسيا وفتح ملف الحقوق والحريات فيها، وهي المقاربة التي ستعتمدها إدارة الرئيس جو بايدن في مجمل تعاملاتها من الآن فصاعداً.

ومن ثم فإن الرهان الأمريكي على تصدير أزمة للصين ولروسيا، وبعض دول الاتحاد الأوروبي سيؤدي لخسائر حقيقية للسياسة الأمريكية مبكراً، بل وسيؤدي لمزيد من الصدامات الحقيقية لإدارة بايدن، وبصورة مبكرة، حيث من غير المتصور أن تقوم الإدارة الأمريكية بتخفيض التعريفات الجمركية على البضائع الصينية، ولن تقدم على رفع القيود عن الشركات الصينية مثل هواوي، بل ستتجه لدعم الاستثمار الأمريكي الداخلي، والعمل على الإنتاج المحلي الذي قد يعوضه مستقبلاً عن استيراد الكثير من المنتجات الصينية، ويدفعه للمنافسة في المجالات الحيوية والذكاء، وليس بخافٍ أن يسعى الرئيس جو بايدن لإيجاد مكان محدد للشراكة مع الاتحاد الأوروبي في مواجهة الصين، وستدفع الإدارة الأمريكية، وبقوة، نحو التركيز على انتهاكات حقوق الإنسان في التبت وشينجيانغ وهونج كونج، وسوف تحافظ على مواقفها من تايوان.

ومن الصين إلى روسيا، من المرجح أن تشهد العلاقات مسارات متعددة؛ الأول: العودة لمناخ الحرب الباردة الجديدة، ومن المتوقع أن تكون بعض دوائر النفوذ والمواجهة بين الجانبين ساحة لتنفيذ هذه السياسة، ومحاولة كل طرف بسط نفوذه وتعظيم مصالحه، الثاني: الدخول في مواجهات معلنة ومتعددة ومستمرة، ولكنها أيضاً محسوبة، وحذرة لكن لن تمنع حدوث مواجهات دورية في الفترة المقبلة، وفي مناطق مختلفة سواء في ليبيا أو سوريا وفي آسيا الوسطى ومنطقة القوقاز، الثالث: قائم على أساس التوافق المؤقت، أو الشكلي بين الجانبين في التعامل مع قضايا الأقاليم محل الصراع والنفوذ، وقد يكون هذا الأمر مطروحاً ووارداً حال قيام الإدارة الأمريكية بعدم التصعيد والارتكان لنموذج التعايش مع الحضور الروسي واستمرار سياسة الشد والجذب، الرابع: تكوين تحالف بين روسيا والصين، هدفه الرئيسي والمركزي الولايات المتحدة، ذلك أن روسيا كدولة كبرى لها مصالح متعددة وكبيرة، ليس في الشرق الأوسط وأفريقيا فحسب، وإنما في العالم، وهو ما سيتطلب الحرص على الإمساك بكل الرؤى والسيناريوهات في آن واحد، وفي المقابل فإن الإدارة الأمريكية ستصعّد من الإجراءات ضد روسيا مع تحميلها مسؤولية أنشطتها المباشرة في مجالات محددة؛ منها التدخل في الليبرالية الأمريكية والهجمات الإلكترونية، وتقارير المكافآت على مقتل الجنود الأمريكيين في أفغانستان، بالإضافة إلى الوضع مع أليكسي نافالني، وغيرها من الأمور.

 ويشار في هذا السياق إلى أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على 14 منظمة في قضية أليكسي نافالني، وتضمنت القائمة السوداء لوزارة التجارة الأمريكية تسع شركات تجارية من روسيا، وثلاث من ألمانيا وواحدة من سويسرا، بالإضافة إلى أحد معاهد البحوث الحكومية الروسية، وهو ما تعاملت معه موسكو بخطاب سياسي وإعلامي موجه، حيث أكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن روسيا لا تتوقع أي تغييرات جدية فى العلاقات الروسية الأمريكية خلال فترة ولاية الرئيس الأمريكي جو بايدن، مع الدعوة إلى حوار نزيه مؤسس على مبادئ الاحترام المتبادل، وتوازن المصالح، والهادف إلى البحث عن حلول وسط.

وفي المحصلة، فإن العلاقات بين الجانبين الأمريكي والروسي ستواجه بسلسلة أزمات متوقعة، من أوكرانيا إلى سوريا، مروراً باتهامات أمريكية لروسيا بالتجسس والهجمات الإلكترونية مؤخراً، وفي ظل تحفظات روسية سياسية وإعلامية تركز على أن روسيا الدولة الكبرى لن تواجه سيناريو الخيارات الصفرية، خاصة أن واشنطن ستستمر في قيادة مسار عدواني يهدف إلى تقويض مواقفها الدولية واستقرارها الداخلي، فهل ستقبل روسيا التحدي مع إدارة الرئيس بايدن مبكراً لتدخل في دائرة سياسية من السيناريوهات المفتوحة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى