مستقبل الملف النووي.. بين إسرائيل وإيران
بعد خمسة أشهر من الانتظار، تعود إلى الواجهة تداعيات مفاوضات فيينا.
هذه التداعيات التي يبدو أنها لن تحقق اختراقا جديا يكون الطريق للتوصل إلى اتفاق يتيح عودة إيران عن انتهاكاتها المتعددة لاتفاق عام 2015، بالتوازي مع رجوع الولايات المتحدة إلى الالتزام مجدداً بمندرجاته.
وكان واضحا أن اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، المنعقد حالياً في العاصمة النمساوية، لن يحمل أبدا أي نوع من التفاؤل، واليوم أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن فشل المفاوضات مع الجانب الإيراني حيال الملف النووي في التوصل إلى أي اتفاق بين الطرفين، وبالتالي ستتصاعد حدة ردود الفعل الدولية حيال هذه القضية، خصوصا مع مضي طهران في برنامجها النووي وتقييد عمليات تفتيش وفد الوكالة الدولية، حيث حمل تصريح مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، “رافاييل غروسي”، أن “جهوده التي بذلها خلال زيارته إلى طهران، لم تثمر عن أي اتفاق”، قلق الوكالة الدولية من القيود المفروضة على عمل مفتشيها، منذ شباط الماضي من قبل الحكومة الإيرانية، والتي اعتبرها “تعرقل وبجدية أنشطة التحقق، التي تقوم بها الوكالة حول الملف النووي”.
بداية، ولأجل أن نتصور مستقبل هذه القضية خلال المرحلة المقبلة، علينا أن ننظر إلى حال كل الأطراف، فإيران مثلا وعلى المستوى الخارجي تواجه أكبر تحدٍ في مفاوضات الملف النووي، والشواهد تؤكد استمرارها في مواصلة تطوير برنامجها النووي بصورة مغايرة لأسس الاتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لدرجة أنها باتت على مقربة شديدة من إنتاج السلاح النووي، وقد ناقشت مع بعض أعضاء الكونجرس في واشنطن التقرير الذي نشرته مؤخرا صحيفة “نيويورك تايمز”، حيث كشفت استنادا إلى تقرير صادر عن معهد أبحاث العلوم والأمن الدولي المتخصص في تحليل النتائج الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن إيران أصبحت على بُعد شهر واحد من صنع سلاح نووي، وهو الأمر الذي يضع إيران في خانة تجاوز الخطوط الحمراء والوصول إلى مرحلة باتت تشكل قلقا وتهديدا للأسرة الدولية.
وقد اتفق كل من تحدثت معه على أن وسيلة إيران للوصول إلى هذه المرحلة الخطرة، كانت هي استغلالها الأمثل للمراوغة، وإجادتها سياسة شراء الوقت التي برعت في ممارستها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتلك سياسة يُعرف بها على الدوام النظام الإيراني.
وما إذا انتقلنا إلى الموقف الإسرائيلي، فإنه يرفض رفضا قاطعاً أي اتفاق، سواء بالعودة إلى الاتفاق القديم عام 2015 -والذي تعطّل بسبب انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب منه- أو حتى الاتفاق المؤقت الذي يجري الحديث عنه في الآونة الأخيرة.
وقد أخبرني أحد الصحفيين هنا في واشنطن أن الاتفاق المؤقت هدفه تجميد العناصر الأكثر إشكالية في البرنامج الإيراني، مقابل تخفيف محدود للعقوبات، كما أنّه يساعد واشنطن على كسب مزيدٍ من الوقت للمفاوضات النووية المتعثرة، في حين تواصل إيران تخصيب اليورانيوم بمستوياتٍ عالية تصل إلى 60%، وتقترب شيئاً فشيئاً من الحدّ الذي يُمكّنها من إنتاج قنبلة نووية.
وهنا لا بد أن أشير إلى أنه وكما كانت الحكومة الإسرائيلية مختلفة عن إدارة أوباما عندما يتعلق الأمر بالموقف تجاه إيران، فإن القيادة في تل أبيب ترى قضية الملف النووي الإيراني بالاختلاف نفسه في عهد إدارة بايدن، وذلك يعني أن هذه القضية تشكل مصدرا واحدا للتوتر بين الجانبين.
ولكن إسرائيل تفهم أن الولايات المتحدة سوف تتخذ قرارها بشأن كيفية التعامل مع القضية النووية الإيرانية استنادا إلى تقييم الحكومة الأمريكية لمصالح واشنطن، حتى لو كان ذلك يعني اتخاذ واشنطن موقفا يتعارض مع موقف إسرائيل، فلن يكون أمام الإسرائيليين خيار سوى قبول هذا الأمر على أنه حقيقة واقعة، تماما كما كان عليهم أن يفعلوا مع أوباما في عام 2015.
أيضا فإن صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية قالت إن الملف النووي الإيراني قد يعكر صفو العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، وأن بوادر خلافات بين واشنطن وتل أبيب نشبت في الأسابيع الماضية، بينما تعتزم الولايات المتحدة إبرام اتفاق نووي جزئي مع طهران.
وأكدت الصحيفة أن إسرائيل قلقة من إمكانية إبرام إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن صفقة جزئية مع إيران بشأن برنامجها النووي، محذرة من أن مثل هذا الاتفاق سيزيد من نفوذ طهران في منطقة الشرق الأوسط، ويزيد من قدرتها على ما وصفته بأنه “تدخل” في مختلف قضايا المنطقة.
لكن الحقيقة هي أن الموقف الأمريكي لا يتوقف عند هذا الرأي، حيث كان ما صرح به كينيث مكينزي في لقاء مع مجلة “تايم”، من أن قواته على استعداد لخيار عسكري محتمل حال فشل محادثات واشنطن مع طهران بخصوص البرنامج النووي الإيراني، وأن القيادة المركزية في الجيش الأمريكي لديها العديد من الخطط العسكرية للتعامل مع إيران، وأنها في حالة تأهب قصوى دائمة لتلقي الأوامر بهذا الخصوص، وهنا ندرك أن المسار الدبلوماسي في الموقف الأمريكي هو “الطرح الأول” في التعامل مع الملف الإيراني، لكنه ليس الوحيد، وأيضا يمكن القول إن المشكلة الكبرى، التي تواجه “بايدن”، هي أنّ كثيرين في الحزب الجمهوري مصمّمون على خنق أي عودة إلى الاتفاق، خاصة في ظل غياب اتفاق أكثر شمولاً، يعالج دعم طهران للإرهاب وأعمالها التخريبية الأخرى، بحسب ما نقلت صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية.
يمكن القول في الخلاصة، إنه على المستوى الإقليمي في المنطقة، فإن التحدي الأبرز والأهم الذي يواجه النظام الإيراني يظل رفض حكومات وشعوب المنطقة كافة سياسات إيران التوسعية، وهو -أي النظام الإيراني- يصر على مواصلة المسير في الطريق نفسه وبالمنهج ذاته، بصورة تعكس بوضوح رغبته في التصعيد وزيادة حدة التوتر في المنطقة بتهديده مثلا الملاحة الدولية في المياه الخليجية، والإيعاز لمن يشغلهم بتهديد دول بعينها، وبالتالي فدول المنطقة، ومن بينها إسرائيل، أمام خيارين، الأول يتمثل في السؤال: فيما لو أعيدت الصفقة، فهل تسعى الولايات المتحدة للحد من نشاط إيران الإقليمي ودعمها للجماعات المسلحة، بالإضافة لبرنامجها الصاروخي؟ والثاني هو عدم الوصول إلى اتفاق، وهذا سيؤدي حتما إلى ارتفاع التوتر بالمنطقة، وهي التي تُجمع على أهمية التصدي لسياسة إيران القائمة على استغلال برنامجها النووي كأوراق ضغط على العالم.
لقد تسببت إيران بتصرفاتها في جعل المجتمع الدولي يتوحد في مواجهتها، ويرسل إليها رسالة مباشرة، مفادها أن الصبر قد بدأ في النفاد، وأن الدول المعنية باتت تريد حلا نهائيا للملف النووي، أو التوجه إلى مجلس الأمن الدولي، وكذلك فإن الأشهر المقبلة في رأيي ستكون حاسمة للأمن القومي الإسرائيلي، لأن قرارات الولايات المتحدة تجاه إيران ستشكل البيئة الاستراتيجية المستقبلية لسنوات عديدة قادمة، فإيران لم تلتزم يوما بالاتفاق النووي مع القوى الكبرى، وهذه القوى تعلم ذلك جيدا لكنها تتجاهل ذلك وتعطي إيران الفرصة تلو الأخرى، لكن بوادر الحسم بدأت تلوح في الأفق وليس الخيار العسكري لأطراف عديدة منها ببعيد.