إيران.. حلّ “شرطة الأخلاق” والتمسك بإلزامية الحجاب
بالرغم من الحديث في إيران عن قرار حل جهاز شرطة الأخلاق بضغط من المحتجين لكن ذلك لا يعني إلغاء إلزامية الحجاب الذي يمثل رمزا من رموز نظام الجمهورية الإسلامية.
وقال الخبير الإيراني في الشؤون الأمنية محمد غبنري إن مسألة حلّ جهاز “شرطة الأخلاق” في بلاده “لا تزال قيد المراجعة” رغم تصريحات المدعي العام المثيرة للجدل، مرجحا أن يتم الحلّ تدريجيا مع الإبقاء على إلزامية ارتداء الحجاب.
وأضاف غنبري أن “حل شرطة الأخلاق دون مراجعة وإعادة تقييم مناسبين سيرسل إشارة خاطئة لمن اتهمتهم إيران بدعم الاحتجاجات المناهضة للحجاب”.
وأثار تصريح المدعي العام محمد جعفر منتظري بشأن تعليق عمل “شرطة الأخلاق” تكهنات بأن طهران حلّت الجهاز في ظل احتجاجات مستمرة في البلاد منذ وفاة الشابة مهسا أميني (22 عاما) بعد توقيفها من جانب الشرطة (معنية بمراقبة قواعد لباس النساء) في سبتمبر الماضي، مع اتهامات للشرطة بتعذيبها، وهو ما تنفيه السلطة.
وقال منتظري إن “شرطة الأخلاق” ليست لها علاقة بالقضاء. وتم تعليق عملها “من قبل المكان ذاته الذي تأسست فيه”، في إشارة إلى المجلس الأعلى للثورة الثقافية (هيئة حكومية نافذة).
لكنه تابع أن القضاء “سيواصل مراقبة التصرفات السلوكية على مستوى المجتمع”.ما يعني أن قواعد اللباس الإلزامية قد تظل سارية سواء بقيت “شرطة الأخلاق” أم لا.
واعتبر كثيرون تصريحات منتظري بمثابة “نعي” لجهاز “شرطة الأخلاق”. الذي صار حديث الإعلام وإدانات من حكومات غربية منذ “وفاة” أميني بعد أن اعتقلتها الشرطة بزعم “لبسها الحجاب بطريقة غير لائقة”.
كما سلط الحادث الضوء على جدل طال أمده بشأن جدوى جهاز “شرطة الأخلاق”، حيث بدأ كل من الإصلاحيين والمحافظين في إيران يفكرون إما بإدخال إصلاحات عليه أو حلّه.
واللافت أن تصريحات منتظري جاءت بعد يومين من إعلانه أن قضية الحجاب قيد المراجعة من جانب القضاء والبرلمان وهيئة ثقافية عليا، وسيتم اتخاذ قرار خلال 15 يوما.
وقال منتظري الجمعة “نعمل بشكل سريع على قضية الحجاب ونبذل ما بوسعنا للوصول إلى حل حكيم للتعامل مع هذه الظاهرة التي تؤذي قلوب الجميع”.
موقف السلطة
وفي حين تصدرت تصريحات منتظري وسائل الإعلام في أنحاء العالم. وحظيت بإشادة واسعة باعتبارها انتصارا ساحقا للمحتجين، حذرت وسائل إعلام حكومية إيرانية من القفز إلى الاستنتاجات.
وقالت قناة “العالم” الإيرانية في تقرير الإثنين، إنه لم تؤكد أي “سلطة رسمية” حلّ “شرطة الاخلاق”، مستنكرةً تصوير الإعلام تصريحات منتظري على أنها تراجع عن الزي الإلزامي.
كما انتقدت شبكة أخبار الطلاب الإيرانية التي تديرها الدولة ما وصفتها بـ”العناوين المضللة”. مشددةً على أن اللباس الإسلامي الإلزامي “لا يزال قانونا” في إيران.
وخلال زيارة رسمية إلى صربيا، طُلب من وزير خارجية إيران حسين أمير عبداللهيان التعليق على تصريحات منتظري، فجاء رده ماهرا غير محدد بقوله: “كل شيء يمضي قدما بشكل جيد في إطار الديمقراطية والحرية”.
آلية رسمية
وقال العضو السابق في المجلس الأعلى للثورة الثقافية في إيران حسن بنيانيان إنه “من الضروري وجود آلية رسمية” للتعامل مع من تخالف قواعد ارتداء الحجاب. لكن ينبغي “استكمالها بجهود ثقافية لإقناعهن بأن الحجاب جيد لهن”.
وواصفا الحجاب بـ”المسألة حساسة”، أضاف بنيانيان أنه على المسؤولين عن تطبيق قواعد اللباس الإلزامية “توخي الحذر الشديد بشأن سلوكهم”.
والأحد، اجتمعت شخصيات إصلاحية بارزة مع المسؤول الأمني الإيراني علي شمخاني. وورد أن المشاركين قدموا مقترحات لإصلاحات قصيرة وطويلة الأجل لـ”تضييق الفجوات” بين الحكومة والشعب.
وقال الإصلاحي البارز عازار منصور، الذي شارك في الاجتماع، إن حل شرطة الآداب كان أحد الموضوعات. التي تناولتها المناقشات التي جاءت بعد أسبوعين من عقد شخصيات إصلاحية بارزة لقاء مع رئيس القضاء محسني إجئي.
دورية التوجيه
وتُعرف “شرطة الأخلاق” باسم “دورية التوجيه”، وتم تشكيلها قبل 16 عاما في عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد (2005-2013) الذي يقول البعض. إنه كان متشددا واختلف مع المؤسسة الدينية في طهران.
وبالرغم من أن الحجاب كان إجباريا بعد الثورة الإيرانية عام 1979. إلا أنه لم تُخصص حتى عام 2006 وحدة شرطة منفصلة لمهمة فرض الزي الإسلامي في الأماكن العامة.
وأصبحت “شرطة الأخلاق”، بحسب مراقبين، غير نشطة إلى حد كبير في عهد الرئيس السابق حسن روحاني (2013-2021) الذي لم يكن مغرمًا بها بشكل خاص. ثم نشطت هذه الشرطة في عهد الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي.
وقال الغنبري إنه “تم الإبلاغ عن عدد قليل من الحوادث هذا الصيف (بشأن ارتداء الحجاب) والتي أثارت احتجاجات غاضبة، لكن قضية مهسا أميني لفتت انتباه العالم”.
لكنه اعتبر أن أعمال العنف والشغب التي أعقبت الاحتجاجات السلمية في البداية “قوضت القضية”.
واللافت أنه منذ سبتمبر الماضي تحدث رئيسي مرارا عن “المرونة” في نهج “شرطة الأخلاق”. في حين كان رئيس مجلس النواب باقر غاليباف من بين كبار المسؤولين الأوائل الذين طالبوا بإعادة تقييم أسلوبها.
وأكد غالباف في نوفمبر الماضي، ضرورة إدخال إصلاحات على “شرطة الأخلاق”. ولكن قبل ذلك “يجب أن يتم إرساء الأمن بشكل كامل في البلاد”، ثم إصلاح أو حلّ هذه الشرطة.
قتلى وعقوبات
ومنذ 16 سبتمبر الماضي، تتواصل احتجاجات في أنحاء إيران على وفاة أميني بعد 3 أيام من توقيفها لدى “شرطة الأخلاق”.
وأثارت الحادثة غضبا في الأوساط الشعبية والسياسية والإعلامية في إيران، وسط روايات متضاربة عن أسباب الوفاة.
وقبل أيام، أعلنت الداخلية الإيرانية مقتل 200 شخص من محتجين. وقوات الأمن منذ منتصف سبتمبر الماضي، وألقت باللوم على الدول الغربية في “إثارة الاضطرابات” و دعم المشاغبين”.
غير أن المنظمات غير حكومية خارج إيران قدرت عدد القتلى بأكثر من 450 شخصا.
وفرضت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي حزمة كبيرة من العقوبات المتعلقة بحقوق الإنسان على مسؤولين وكيانات إيرانية ولاسيما “شرطة الأخلاق”.
وخلال الأيام المقبلة سيتبين إن كانت الجمهورية الإسلامية ستحل بالفعل “شرطة الأخلاق” أم لا. والأهم إن كانت ستتخلى أم لا عن قواعد اللباس الإلزامية وهو أمر مستبعد، بحسب مراقبين.