الشرق الأوسط

الأردن يواجه تحديات أمنية واقتصادية متزايدة بسبب التوترات في المنطقة


تسبب اشتداد المواجهات على جبهة لبنان بين إسرائيل وحزب الله منذ 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، في ازدياد مخاوف وقلق العديد من دول الإقليم بشأن احتمالية اتساع رقعتها وامتداد تأثيراتها إلى بلدان أخرى، ما دفعها لزيادة التحذير من حدوث ذلك، وتجديد دعواتها إلى تدخل دولي لوقف ما يجري.

وتحاول عمّان تجنب أي تداعيات وتأثيرات قد تشملها نتيجة استمرار الحرب الإسرائيلية على لبنان من جهة، وغزة والضفة الغربية من جهة أخرى، لا سيما أنها تواجه ظروفا اقتصادية صعبة فرضتها أزمات دول المنطقة.

وتعاني عمان من أزمة اقتصادية ومالية خانقة وسط مخاوف من تعميقها بسبب موجات النزوح اللبنانية حيث ستشكل اي زيادة في عدد النازحين عبئا اضافيا أمنيا وماليا.
وفي المقابل، لا تخفي تل أبيب هي الأخرى مخاوفها من ردود فعل لعمّان إزاء ما يحدث، إذ عكست حادثة “معبر اللنبي” في 8 سبتمبر/أيلول المنصرم، التي أسفرت عن مقتل 3 إسرائيليين على يد السائق الأردني ماهر الجازي، مشاعر الأردنيين تجاه جيرانهم في فلسطين.

وبحسب مراقبين، فإن كلا الجانبين يدرك أن الضمان لعدم تطور الخلاف بين عمان وتل أبيب سيكون دور حليفهما المشترك: الولايات المتحدة، دون استبعاد حدوث تجاوزات إسرائيلية.
وتصاعد التوتر في المنطقة منذ اغتيال إسرائيل في الضاحية الجنوبية لبيروت، الجمعة، الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله وعددا من قادة الحزب إضافة إلى عباس نيلفروشان نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني لشؤون العمليات، وسط مخاوف من اندلاع حرب إقليمية واسعة.
ومنذ 23 سبتمبر/ايلول الماضي، تشن إسرائيل “أعنف وأوسع” هجوم على لبنان منذ بدء المواجهات مع حزب الله قبل نحو عام، ما أسفر حتى صباح الثلاثاء عما لا يقل عن 1073 قتيلا، بينهم أطفال ونساء، و2955 جريحا، وفق رصد الأناضول لبيانات السلطات اللبنانية.

وتتبادل فصائل لبنانية وفلسطينية في لبنان، أبرزها حزب الله، مع الجيش الإسرائيلي قصفا يوميا عبر “الخط الأزرق” الفاصل، منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مطالبة بإنهاء الحرب التي تشنها إسرائيل بدعم أميركي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الاول.
وقال عيسى الشلبي، رئيس قسم الإعلام والدراسات الاستراتيجية في جامعة الحسين بن طلال (حكومية) إن “توسيع الحرب الإسرائيلية ضد لبنان سيؤثر على الأردن بشكل مباشر، وربما بشكل أخطر من الحرب الحالية في قطاع غزة، وحرب 2006 ضد لبنان”.

واستدل بأن “هناك أمثلة واضحة على ذلك، حيث توقع الأردن وقتها موجات هجرة لبنانية إليه، ووصل فعليا أعداد منهم آنذاك، ثم عادوا إلى لبنان بعد توقف الحرب”.
وأضاف “كانت تلك ثاني موجة هجرة لبنانية، حيث سبقتها موجة خلال أحداث الحرب الأهلية في لبنان (1975 ـ 1990)، وهذا بدوره إن حدث، فسيشكل ضغطا كبيرا على المملكة نتيجة شح الموارد والإمكانات”.
لكن الشلبي أشار إلى أن مخاوف الأردن من حرب لبنان الحالية لا تتركز على “هواجس الهجرة” لأن الحرب قد تؤدي، وفق قوله، إلى اتساع الصراع في الشرق الأوسط “وهذا يعني دخول أذرع موالية لحزب الله من العراق وإيران وسوريا ولبنان وفلسطين على الخط”.

الأردن الذي يعاني من أزمة اقتصادية قلق من موجات نزوح اللبنانيين
الأردن الذي يعاني من أزمة اقتصادية قلق من موجات نزوح اللبنانيين

واستدرك “ذلك سيؤدي إلى إطلاق كل هذه الأطراف ما لديها من مسيّرات وصواريخ وغيرها من الأسلحة، وهنا الخطر الكبير حيث يقع الأردن جغرافيا في المنتصف، ما يعني أن سماءه ستكون ساحة اشتباكات، ما سيشكل عبئا وكلفا سياسية وأمنية وعسكرية واجتماعية هو بغنى عنها”.

وتوقع الأكاديمي الأردني أن تزداد المخاوف على بلاده “إذا تم تطبيق السيناريو الإسرائيلي المرتقب بتوجيه ضربة عسكرية كبرى، ما يعني وجود رد لبناني بقوة كبيرة ضمن الفعل ورد الفعل، ودخول أطراف ثانية شريكة مع حزب الله”.
ولفت إلى أن محصلة آثار ذلك ستكون “على الملاحة في البحرين الأحمر والمتوسط من خلال جبهة الحوثيين، والتأثير على تدفق النفط، وتأمينه، وعلى السلع وأسعارها، وصولا إلى كل شيء يمس حياة الشعب”.
وأشار الشلبي أيضا إلى “احتمالات المواجهة المباشرة بين الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل من جهة، وأطراف المعسكر الإيراني في أعلى حالات الرد على كل المشهد، وما يتعلق بالخلايا الكامنة الموزعة في دول كثيرة، حتى ساعة الصفر المحددة، من جهة أخرى”.

ملفات أخرى قد تؤثر على الأردن، وهي وفق الشلبي “الأوضاع بالضفة الغربية، وسط عمليات إجرامية يومية وخطط ضمها، وتورط إسرائيل مع أكثر من جبهة، فإن الترابط بين كل هذه الجبهات يؤدي إلى مضاعفات خطيرة، خصوصا إذا تم التخلي عما يسميه البعض قواعد الحرب والصراع الدولي”.
واعتبر أن ما ينطبق من أخطار على الأردن في حال انفجرت الحرب في لبنان “ينطبق بالتأكيد على دول أخرى بالشرق الأوسط، لكن التكاليف أعلى على المملكة بسبب وضعها وخواصرها المرهقة بكل من حولها”.
وبرأي الكاتبة والمحللة السياسية الأردنية روان سليمان الحياري، فإن توسيع الحرب على لبنان “سيكون له تأثيرات على المنطقة كلها”.

فلبنان الآن يشكل خط مواجهة مباشرة مع إسرائيل، إضافة إلى ما يمكن أن يشكله ساحة صراع بين عدة قوى إقليمية وهي إيران وإسرائيل وحزب الله”، وفق الحياري.
وذكرت الكاتبة الأردنية أن “أي تصعيد عسكري قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات في المنطقة، إذ من المنتظر أن يكون هناك رد عسكري على اغتيال حسن نصرالله“.
وأشارت إلى أن “صراع الوجود والنفوذ في المنطقة يتجه نحو التصعيد العسكري، فإسرائيل التي تمتلك مشروعاً واضحاً في المنطقة تسعى لكبح نفوذ حزب الله على حدودها بالقوة العسكرية الممكنة، وتوجه بذلك رسائل سياسية وعسكرية لطهران، بينما مواقف دول المنطقة هي ردود فعل بأدوار دبلوماسية”.

وأردفت “توسع الحرب سيوسع دائرة الفوضى ويخلق بيئة أكثر تعقيدا من الناحية الأمنية والسياسية، فحتى الآن يتم النزوح الأكبر داخليا في لبنان إلى الشمال مع بدء الاتجاه نحو الحدود السورية بشكل محدود”.
ورأت أن “تصعيد الصراع في لبنان سيزيد الضغط على دول الإقليم للحفاظ على استقرارها الداخلي من جهة، وعلى مصالحها الخارجية والإقليمية من جهة أخرى”.
النزاعات الحالية بالمنطقة، وفق الحياري، لن تقتصر تداعياتها على الأمن والسياسة “بل ستؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على النواحي الاقتصادية والتجارية لتزيد العبء في الإقليم، خاصة أن الأمن في المنطقة هو عنصر حاسم لاستقرار الأسواق والاقتصاد وسلاسل التوريد”.

ورأت المحللة السياسية الأردنية أن “تفاقم الصراع وامتداد رقعته منذ 7 أكتوبر/تشرين الاول 2023، جعل دول الإقليم في مواجهة تهديدات أمنية جديدة، جراء هذه الفوضى سواء من خلايا متطرفة أو نشاط لتجارة المخدرات”.
وأضافت إلى ذلك “تحدي التوازن بين القوى الفاعلة في الإقليم: الولايات المتحدة، وإيران، وإسرائيل، والذين لديهم مصالح مختلفة ومتضاربة في المنطقة، ما سيزيد العبء السياسي على جميع دول المنطقة المعنية بالحفاظ على استقرارها السياسي من خلال إيجاد التوازنات وتجنب الانخراط بأي حروب”.

وبشأن موقع الأردن في خريطة التدابير المستقبلية لتجنب آثار الصراع المتوسع، أوضحت الحياري أن “عمّان تتبنى سياسة خارجية حذرة ومتوازنة لمنع الانجرار إلى الصراع المباشر والدخول في نزاعات الإقليم”.
واعتبرت أن الأردن “يركز من خلال الجهود السياسية والدبلوماسية ومنذ انفجار أحداث 7 أكتوبر/تشرين الاول على الحلول الدبلوماسية ودعم الجهود الدولية لتهدئة التوترات”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى