الإخوان.. رصاصة في قلب السودان 2023
تراءى شبحهم في كواليس الأزمة ليتبين أنهم من أطلق الرصاصة الأولى بقلب السودان، البلد الذي كان يقطع خطواته ضمن مسيرة الانتقال المدني.
إخوان السودان، التنظيم الذي يناور، منذ سقوط منظومته الاستبدادية في 11 أبريل/نيسان 2019، بالمنطقة الرمادية للأحداث، من أجل تعطيل مسار الانتقال وإفشال الاتفاق السياسي المبرم بين العسكريين والمدنيين.
وعقب لفظهم بثورة شعبية سلمية اتجهت بوصلتهم إلى التخفي خلف الواجهات القبلية والمحلية، والتعاون مع العسكريين لتقويض الحكومة المدنية الديمقراطية، بقيادة عبدالله حمدوك، وتنفيذ انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
في تلك الفترة، أعلنت الجماعة تنظيم تشكيلات مسلحة أبرزها “قوات كيان الوطن”، يقودها ضابط التنظيم، المتحدث الرسمي السابق باسم الجيش السوداني العميد الصوارمي خالد سعد.
وضم هذا التشكيل في عضويته ضباطا إخوانيين متقاعدين، كما جرى تكوين مليشيات مسلحة أخرى تحت مُسمى “درع الشمال” تضم في عضويتها مكونات قبلية من شمال البلاد، وقوات “درع الوطن” بعضوية مكونات اجتماعية في منطقة “سهول البطانة” وسط السودان.
أيضا شكل الإخوان تحالفا قبليا تحت مُسمى “التحالف الأهلي لاسترداد الحقوق (تهارقا)” بولاية نهر النيل (شمال)، ويضم جناحا عسكريا باسم (درع التحالف).
كما أعلن أحد رموز الإخوان من قبيلة الجموعية “المك عجيب” تشكيل جناح عسكري للقبيلة، تصدى للثورة السلمية وأغلق الطرق والجسور أثناء تنظيم المظاهرات السلمية.
الهروب من السجون
في 25 أبريل/نيسان الماضي، أي بعد أيام فقط من بدء الحرب بين الجيش و”الدعم السريع”، غادر قادة النظام السابق على رأسهم علي عثمان محمد طه، وأحمد هارون، ونافع علي نافع، وعوض الجاز، سجن كوبر بالخرطوم، بعد أن قررت السلطات إطلاق سراح النزلاء عقب موجة احتجاج عارمة قادها المحتجزون لانعدام الغاز وانقطاع المياه.
وفي تسجيل صوتي حينها، قال أحمد هارون، آخر رئيس مكلف لحزب الرئيس المعزول عمر البشير، الموقوف منذ سقوط النظام في أبريل/نيسان 2019، إن مغادرتهم سجن كوبر شمالي الخرطوم كانت لحماية أنفسهم بعد تدهور الأوضاع في السجن وانعدام الماء والخبز وانقطاع الكهرباء.
ويضم السجن عددا من السجناء من قادة النظام السابق وعلى رأسهم عمر البشير، الرئيس المعزول ونائبه علي عثمان محمد طه.
ويواجه أحمد هارون، المطلوب أيضا للمحكمة الجنائية الدولية الذي كان معتقلا منذ عام 2019، عددا من التهم من بينها بلاغ حول فتوى قتل المتظاهرين وقضايا أخرى متعلقة بجرائم حرب وقعت في إقليم دارفور.
كما يمثل كل من نافع علي نافع وعوض الجاز وعلي عثمان في بلاغ انقلاب الثلاثين من يونيو/حزيران بمعية عسكريين وقيادات في الصف الأول من “الحركة الإسلامية”، التي خططت للانقلاب الذي أطاح بالحكومة الديمقراطية في 1989.
واعتبرت قوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم السابق بالسودان) أن “خروج مجرمي النظام السابق (المؤتمر الوطني) من سجن كوبر، يؤكد أن النظام البائد هو من يقف خلف الحرب الدائرة في البلاد منذ 15 أبريل/نيسان” الماضي.
ظهور علني
في يوليو/تموز الماضي أثار ظهور بعض قيادات نظام البشير في الولايات والتحريض على الحرب موجة غضب واستياء، خوفا من تأجيج نار الفتنة والصراع الدامي.
وذكرت تقارير إعلامية أن قادة حزب المؤتمر الوطني المحلول (النظام الحاكم السابق) يتقدمهم أحمد هارون وعوض الجاز التقوا كوادر من الحزب والحركة في ولاية كسلا شرقي السودان. وأنهم يعتزمون تنفيذ جولة في عدد من المدن شرق ووسط البلاد.
وقال بيان أصدره المتحدث باسم هيئة الاتهام في بلاغ انقلاب يونيو/حزيران 1989 .”مُعز حضرة” -وقتها- إن “ظهور المتهمين في بلاغ انقلاب الثلاثين من يونيو/حزيران في بعض الولايات الخاضعة لسيطرة .الجيش ودعوتهم للحرب العبثية .تحت سمع وبصر الجيش وما تبقى من الشرطة، أمر يدعو للدهشة والاستغراب”.
واتهم البيان الاستخبارات العسكرية باعتقال الناشطين السياسيين من المدنيين الداعين لوقف الحرب في مختلف ولايات السودان التي يسيطر عليها الجيش. بينما ترفض توقيف قادة نظام الرئيس المعزول الفارين من العدالة.
الرصاصة الأولى
صباح 15 أبريل/نيسان الماضي، سعى الأمين العام لـ”الحركة الإسلامية” علي كرتي. بكل قوة، لتحريك “كتائب الظل” لإطلاق الرصاصة الأولى على قوات “الدعم السريع.” داخل المدينة الرياضية جنوبي الخرطوم، وفق إفادات ما أدى إلى اندلاع حرب مدمرة.
وبعد أن اعتقلت قوات “الدعم السريع” كلا من رئيس التيار الإسلامي العريض محمد علي الجزولي. ورئيس حزب المؤتمر الوطني (الحاكم السابق) بولاية الخرطوم أنس عمر. في مايو/أيار الماضي، بثت مقطعا مصورا لاعترافات تشير إلى وجود تنسيق سياسي وعسكري منذ وقت مبكر لإفشال الاتفاق الإطاري والتخطيط للحرب الحالية.
وأوضحت تلك القيادات الإخوانية، حسب الإفادات المصورة. أن هناك مجموعات محسوبة على الجيش وكتائب الإخوان هاجمت قوات الدعم السريع في مقرها بالمدينة الرياضية جنوب الخرطوم صبيحة 15 أبريل/نيسان، وأن التخطيط لإطلاق الطلقة الأولى والاعتداء على “الدعم السريع“. تم بتدبير من “الحركة الإسلامية”.
والجزولي واحد من الشخصيات السياسية المثيرة للجدل والمعروف بانتمائه لداعش. ويدعم تنظيمه بقوة الجيش في عملياته العسكرية ضد قوات الدعم السريع.
كما عمل أنس عمر، ضابط رفيع في جهاز الأمن والمخابرات في عهد البشير. واليا (حاكما) لولاية شرق دارفور، واحتفظ في ذلك الوقت بعلاقة جيدة مع قوات الدعم السريع. التي كانت تدير المعارك ضد الحركات المسلحة في إقليم دارفور.
الاستنفار والقتال
في يونيو/حزيران الماضي أعلنت “الحركة الإسلامية” فتح باب “الجهاد” من أجل ما أسمته “معركة الكرامة”.
ونشرت صفحة حزب “المؤتمر الوطني” (الحاكم السابق) عبر صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك تقول إن “هذه حربنا منذ اللحظة الأولى فلا مكان بيننا للمتخاذلين والجبناء. قم يا مجاهد وأوفي بعهدك مع الشهداء فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا (الأعداء)”.
وفي أثناء المعارك كشفت تقارير إعلامية مقتل مجموعة من قيادات الصف الثاني في تنظيم الإخوان. وهم (عمر قاسم سراج)، الذي قُتل في 3 يونيو/حزيران الماضي. في منطقة الشجرة جنوبي الخرطوم، وهو أحد قادة كتيبة “البراء بن مالك”.
كما قتل الدكتور أيمن عمر فرج، في 8 من الشهر نفسه. في معركة “مصنع اليرموك”، وتسرب مقطع فيديو لمشاركته أثناء المعارك وهو يرتدي زي الجيش. ويحمل سلاحا رشاشا وتلتف حول جسده الذخائر.
وقتل أيضا محمد الفضل عبدالواحد عثمان. أحد الرؤساء الشباب لمنظومة الفكر والتأصيل بـ”الحركة الإسلامية”.وواحد من أهم قادة كتيبة “البراء” الذي قُتل في 16 يونيو/حزيران الماضي بمعركة الشجر.
ومحمد الفضل هو ابن عبدالواحد عثمان إسماعيل، شقيق مصطفى عثمان إسماعيل. القيادي الإخواني المعروفز والذي شغل لفترة طويلة منصب وزير الخارجية إبان فترة حكمهم. ونعاه علي كرتي رئيس “الحركة الإسلامية”.
عقوبات أمريكية
في 29 سبتمبر/أيلول الماضي فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على وزير الخارجية السوداني السابق علي كرتي وشركتين. لـ”دورهم في تقويض السلام والأمن والاستقرار في السودان”.
كما تستهدف العقوبات الأمريكية شركتي GSK Advance Company Ltd (GSK). المتخصصة في تكنولوجيا المعلومات والأمن مقرها السودان، ويديرها أعضاء مؤثرون في قوات الأمن. وAviatrade LLC، على خلفية اتهامهما بارتكاب أعمال “تهدد استقرار السودان”.
وشغل كرتي منصب وزير الخارجية في حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير. خلال الفترة الممتدة بين 16 يونيو/حزيران 2010، و7 يونيو/حزيران 2015.
وبعد 3 عقود في الحكم أُودع البشير سجن “كوبر” المركزي شمالي الخرطوم. عقب عزل الجيش له من الرئاسة في 11 أبريل/نيسان 2019. تحت وطأة احتجاجات شعبية منددة بتردي الوضع الاقتصادي.
وفي 5 ديسمبر/كانون الأول الجاري فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على 3 من أبرز المسؤولين في نظام البشير. وهم رئيسا جهاز المخابرات السابقين صلاح عبدالله. “قوش” ومحمد عطا المولي عباس، بجانب طه عثمان الحسين أحد مساعدي البشير.
وأرجع مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية القرارات ضد المسؤولين السابقين بالسودان لدورهم في تقويض السلام .والأمن والاستقرار في السودان.
وإجمالا، يرى مراقبون أن إخوان السودان أشعل شرارة الحرب لاعتقاده أن “3 أيام كافية للإطاحة بقوات الدعم السريع، والعودة إلى سدة السلطة مرة أخرى”. لكن حاليا حسب وقائع الحرب ودفاترها اليومية، لا يعلم أحد إلى متى تستمر الحرب أو متى تنتهي. “بل أصبحت تهدد بالتحول لحرب أهلية”، وفق مراقبين.
ومع أن تجربة حُكم الإخوان بقيادة البشير استمرت لمدة 30 عاما. تضاف إليها 4 سنوات في الظل عبر اللجنة الأمنية التي عرقلت الحكومة المدنية برئاسة عبدالله حمدوك وانتهت بسقوطها. إلا أن أياديهم لا تزال تتسلل من كل حدب لتشعل حربا مفتوحة على جميع السيناريوهات.