اخترنا لكم

التصعيد التركي بين أهداف الخارج والداخل

خورشيد دلي


على وقع أزماته المتفاقمة، ينتهج أردوغان سياسة تصعيدية تجاه الخارج، وأخرى أكثر تصعيدا في الداخل ضد كل من يناهض سياسته أو يمكن أن يشكل تهديدا لنظامه، وعلى وقع هذا التصعيد، تبدو تركيا دولة حائرة في هويتها وجغرافيتها، متوترة في خياراتها السياسية والحضارية، تحمل كل المتناقضات وترقص رقصة البهلوان بين محوري موسكو وواشنطن، فيما قبطانها “السلطان” أردوغان لا يعرف كيف يسير بالبلاد نحو السلام والاستقرار مع الخارج، في وقت بات فيه الداخل يغلي على وقع تداعيات هذه السياسة وتأثيراتها على مجالات الحياة التركية، والأغرب أن أردوغان الذي يفقد شعبيته تدريجيا بدأ يراهن على الحروب الخارجية لتعزيز هذه الشعبية، كما كشف تقرير لصحيفة ذي فيلت الألمانية يوم الثلاثاء الماضي تحت عنوان “حرب أردوغان المحسوبة” عندما طلب من الجيش إغراق سفينة يونانية، وهو ما قوبل برفض جنرالات الجيش.

نظرة بسيطة إلى السياسة الخارجية التركية، تضعنا مباشرة أمام معادلة تورط أنقرة في عدد كبير من الحروب، واتباع سياسة توسعية في كل الاتجاهات، وما رواج مصطلحات ونظريات مثل الوطن الأرزق، ونشر خرائط لما تسمى بتركيا الكبرى، والدعوة للعودة إلى الميثاق الملي والتخلص من حدود اتفاقية لوزان .. وغيرها إلا تعبير عن نزعة فاشية نابعة من أيديولوجية حزب العدالة والتنمية، وهي أيديولوجية تقوم على الدمج بين البعد القومي المتشدد والإسلام السياسي الإخواني، فعلى وقع تبني مجلس الأمن القومي التركي لخريطة الأطماع التركية في الجوار الجغرافي، بلغ التصعيد العسكري التركي ضد اليونان مرحلة خطرة في بحري إيجه والمتوسط، خاصة في ظل إصرار تركيا على وضع اليد على مصادر الطاقة في مناطق وجزر بحرية تابعة لليونان، وعلى وقع هذا النهج يواصل أردوغان دعم حكومة السراج في ليبيا، وتزويدها بالأسلحة والمرتزقة دون أي اعتبار للاتفاقيات والقرارات الدولية، وهو ما أدى عمليا إلى إفشال جميع المبادرات والجهود التي بذلت لتحقيق عملية المصالحة السياسية في ليبيا. واللعبة الخطرة نفسها، يمارسها أردوغان في إدلب السورية، إذ يواصل إرسال المزيد من الأسلحة والجنود إلى هناك، رغم اتفاق الهدنة الذي وقعه الجانبان التركي والروسي بهذا الخصوص، وهو ما يطرح السؤال عن أسباب هذا التحشيد التركي المتواصل، وهل هو مؤشر لعملية عسكرية جديدة أو محاولة لترسيخ تركيا احتلالها للمنطقة كما حصل مع شمال قبرص ؟ كل ما سبق يتزامن مع مواصلة تركيا حروبها القديمة – الجديدة ضد الأكراد في سوريا وإقليم كردستان العراق، فضلا عن الداخل التركي بحجة محاربة “إرهاب” حزب العمال الكردستاني.

بموازاة التصعيد في الخارج، صعدت حكومة حزب العدالة والتنمية من نهجها الإقصائي في الداخل، وقد تجلى هذا النهج في استمرار حملة الاعتقالات المستمرة منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة صيف 2016، وإقالة عشرات رؤساء البلديات المنتخبين، والعديد من نواب البرلمان، وممارسة المزيد من الضغوط ضد رؤساء البلديات الكبرى التي فاز بها حزب الشعب الجمهوري ولاسيما رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو ورئيس بلدية أنقرة منصور يافاش، من خلال نزع الصلاحيات عنهما، وحجب الأموال عن بلدياتهما، وفتح دعاوى ضدهما، حيث تم فتح 27 تحقيق قضائي حتى الآن ضد إمام أوغلو، واللافت أن التصعيد يزداد ضد إمام أوغلو كلما أشارت استطلاعات الرأي إلى تقدمه على أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة، سواء أكانت مبكرة أم دورية، واللافت أيضا أن حملة الاعتقالات والقمع بدأت تطال مختلف القطاعات والنقابات والمنظمات داخل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، حيث باتت حملات القمع تنصب هذه الأيام على الصحفيين والمحامين، وسط تهديد يومي لهم من قبل أردوغان وسلطات نظامه.

الثابت أن التصعيد التركي ضد الخارج وفي الداخل، لم ولن يحل أزمات أردوغان المتفاقمة، فالاقتصاد التركي يعاني المزيد من التعثر، والليرة التركية تنهار أمام الدولار، وحزبه يشهد المزيد من التفكك والانهيار، وشعبيته تتراجع، وصورة تركيا في الخارج باتت صورة دولة الاستبداد والاستعمار وشن الحروب وإثارة المشكلات والخلافات، وأمام كل هذا لا يجد أردوغان سوى الاستمرار في التصعيد على كل كافة المستويات، وهو تصعيد يضعه المراقبون في بندين. الأول: في ظل انهيار شعبية أردوغان في الداخل لم يعد يجد الرجل أمامه وسيلة لتعزيز شعبيته والحفاظ عليها، سوى بتوجيه أنظار الداخل إلى الخارج عبر التورط في سلسلة حروب والترويج لانتصارات وإنجازات وهمية، والسؤال هنا، كم حربا سيحتاجها أردوغان للحفاظ على هذه الشعبية في المسستقبل؟ . الثاني: أن أردوغان يريد من التورط في الحروب إبعاد الجيش التركي عن الداخل وإشغاله بهذه الحروب بشكل دائم، لحسابات لها علاقة بسلطته، وبخشيته من مؤسسة الجيش رغم كل محاولاته تفريغ هذه المؤسسة من روحها ومهامها لصالح بناء مجموعات عسكرية خاصة على شكل ميليشيات، كما هو حال حراس القرى ومجموعة الأمداد أو الدعم وشركة صادات التي باتت جميعها أذرع أردوغان الأمنية والعسكرية في الداخل، بدلا من الجيش الذي يريد أردوغان إغراقه في حروب لانهائية، في إطار حساباته السلطوية ورؤيته الأيديولوجية.

نقلا عن العين الإخبارية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى