حصري

السودان الباب الأول لإيران في أفريقيا


إيران في إفريقيا.. الاقتصاد وأشياء أخرى

الاهتمام الإيراني بأفريقيا لا يمثل ظاهرة جديدة. إذ يرجع إلى ما قبل عام 1979 بسنوات، حيث ترتبط كل مخططات إيران للتوسع الإقليمي. بعبور المحيط الهندي لتثبيت أقدامها على سواحل شرق القارة الأفريقية والانطلاق منها للعمق الأفريقي لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية عديدة . ويمثل سعي إيران لتدشين وتوثيق علاقاتها الاقتصادية مع العديد من الدول الإفريقية ذات الثقل، حلقة جديدة في سلسلة محاولات إعادة تفعيل السياسة الخارجية خاصة في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية. والانطلاق بها نحو آفاق في القارة الإفريقية، مما يدعم القول أنها لم تزل تمثل السياسة الخارجية. لذلك تحرض إيران على إضفاء الطابع المؤسسي لتدعيم العلاقات الاقتصادية والتجارية مع دول القارة .

شهدت السياسة الإيرانية في أفريقيا موجتين رئيسيتين من التمدد ظهرت أولاهما خلال رئاسة محمود أحمدي نجاد. كجزء من سياسة خارجية إيرانية روج لها باعتبارها تتبنى توجهات .الانفتاح على دول الجنوب وفي مقدمتها الدول الأفريقية. كما روج لها باعتبارها تشكل تجربة “ناجحة” لاستخدام أدوات القوة الناعمة والشراكات الدولية العادلة القائمة على تحقيق المصالح المشتركة. ومع إخفاق الموجة الأولى من الانفتاح على أفريقيا في تحقيق العوائد المرجوة سواء على الجانب السياسي أو الاقتصادي. ومع تحول العديد من حلفاء إيران في أفريقيا إلى أعداء لها. تعود إيران مؤخراً للانفتاح على أفريقيا في موجة جديدة تتجسد الأداة الأهم فيها في صورة “خلايا نائمة” تسعى لاستغلال أوضاع الدول الأفريقية لتحويلها إلى ساحات حرب ضد أعداء إيران الإقليميين والدوليين .

لتقييم أبعاد الموجة الجديدة من المحاولات الإيرانية للتمدد في إفريقيا يمكن الوقوف على ثلاث ملاحظات أساسية. تتعلق أولاها باتساع النطاق الجغرافي للنشاط الإيراني .وابتعاده عن شرق القارة الذي مثّل تقليدياً الساحة المفضلة للنشاط. وتتعلق الثانية باضطرار إيران للدخول في دورات تقارب وتباعد متتالية مع الدول الأفريقية التي تنتظر منها إيران أن تلعب دور “الوكالة” للمصالح الإيرانية في القارة وهو الأمر الذي يقابل كثيراً بالرفض أو القبول الحذر. وتتصل الملاحظة الأخيرة بالمشكلات الإيرانية الهيكلية التي حالت دون بناء شراكات مستدامة وفعالة في القارة الأفريقية. بالرغم من الاهتمام المكثف في العقدين الأخيرين بسبب تناقضات إيرانية داخلية على مستوى الأهداف والوسائل .

تعتمد إيران سياسة هجينة في نفوذها داخل أفريقيا بين المذهب الشيعي والاقتصاد والعلاقات الثقافية والدعم العسكري. فهي تلجأ حاليا إلى تطبيق فكرة “الجيوبوليتيك الشيعي” بسبب فشل مبدأ “تصدير الثورة”، وهي فكرة راكزة في السياسة الإيرانية منذ حرب العراق عام 2003 لاحتواء المساحة السنية الممتدة من الخليج إلى المحيط. ولتحقيق هذه الاستراتيجية تعتمد إيران على ثلاثة عوامل، هي

  • مساعي إيران للتوسع من الشرق الأوسط إلى أفريقيا.. التفاصيل

  • أولاً سعيها إلى أن تكون القوة الأكثر قرباً إلى أفريقيا من خلال الانتقاص من الجهود الدولية والإقليمية لحل الأزمات الأفريقية، وهذا التصور مقروء مع سعي الحراك الإقليمي والدولي إلى حل الأزمات في السودان وإثيوبيا ومالي والصومال وغيرها. ومع أن تدخلها جاء متأخراً فإنها إن نجحت ستعمل على تحييد الجهود الدولية لتبرز كدولة مساندة للقارة السمراء.
  • العامل الثاني وهو ديموغرافية القارة الأفريقية الجاذبة. إذ إن أكثر الطبقات من الشباب الذين يتوقع استيعابهم خلال العقد المقبل بصورة كبيرة في سوق العمل، يقابله تفشي الشيخوخة في المجتمع الإيراني. مما يهدد نظام البلاد واقتصادها.
  • العامل الثالث وهو استعداد إيران للتعامل مع أفريقيا باتباع النهج الصيني المستمد من التعاون في مجالات التنمي. مع بعض الفروق بين الدولتين، وهي أن الصين لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول، ولكن إيران لن تستطيع التغاضي عن ذلك. ولكن هذه المرة على الأقل لن يكون تدخلاً صارخاً بسبب إدراكها أن هذه ربما تكون الفرصة الأخيرة للتمدد في منطقة مضطربة.
  • السودان بوابة إيران لأفريقيا

في ظل الأوضاع المضطربة في عدد من دول وأقاليم القارة خاصة السودان. تسعى إيران لاستغلال هذه الساحة البديلة في تحقيق مكاسب نوعية. خاصة أن إيران لها شبكات من الوكلاء في إفريقيا يشاطرونها الهوية المذهبية مثل جماعة الزكزاكي في نيجيريا. وجيوب حزب الله في بعض الدول الإفريقية وغيرها، وقد تتحول هذه العلاقات المحودة حاليا إلى حركة شيعية متشددة عابرة للقوميات بقيادة إيران . لكن إيران تبدو بعيدة النظر، وبراغماتية في علاقاتها مع كل دولة من دول إفريقيا التي سعت إيران إلى توثيق علاقاتها معها، ولن تركز على المسألة المذهبية وحده. حيث تتمتع كل دولة من هذه الدول بمزايا مختلفة عن غيرها. فإريتريا مطلة على مضيق باب المندب، والسودان يربط بين شرق القارة وغربها بملتقى طرق حيوي يسهم في نشر التشيع مع الحركة التجارية والثقافية. أما دول غرب أفريقيا مثل نيجيريا والسنغال فتبدو متأهبة لتوطيد هذه العلاقات نظراً لوجود بعض الحركات الإسلامية المساندة للمذهب الشيعي، وهذه السياسة الهجينة تعني أن إيران مستمرة في الحفاظ على علاقاتها .ونفوذها داخل أفريقيا بصورة تعبر عن رؤية استراتيجية قومية تخدم النفوذ السياسي. والاقتصادي لإيران داخل القارة السمراء .

وللتحايل على العقوبات الأمريكية وغيرها، بدأت إيران في انتهاج سياسة جديدة لنشاطها في إفريقيا تقوم على الاستثمار في مجموعات من الشركات القائمة على المعرفة. وهذه الشركات عادة ما تكون منظمات خاصة تسعى لتسويق نتائج البحوث، لا سيما في الطب. وتحسين سلسلة التوريد الغذائي، والميكنة الزراعية، وتعظيم انتاج المحاصيل. ولأن هذه الشركات الصغيرة تنتمي إلى القطاع الخاص ويرتبط مجال عملها بالمنتجات الإنسانية، فهي أقل تعرضا للعقوبات.

كما تواترت معلومات عن خطة مدتها 3 أعوام. ستزيد صادرات إيران إلى إفريقيا إلى 1.1 مليار دولار تحوي دعما للصادرات الإيرانية إلى أفريقيا بحوالى 200 مليون يورو. وهذه علامة واضحة على عودة ظهور استراتيجية إيران في أفريقيا. وجهودها لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع القارة. حيث كانت سياسة إيران الخارجية  تاريخيا تجاه إفريقيا.

حيث عملت إيران جديا علي تقوية علاقاتها بالدول الإفريقية المطلة علي البحر الأحمر. حيث بدأت بالسودان، وإريتريا، وجيبوتي والصومال وإثيوبيا. وفي الحالة السودانية ساهمت السياسات الأمريكية تجاه هذا البلد بوصمه بالإرهاب ومحاصرته اقتصاديا وسياسيا. في أن يرتمي في الحضن الإيراني والصيني وغيره بحثا عن حليف يقارع معه العقوبات الأمريكية ويخفف من غلوائها عليه وعلى نظامه.

ولتبرير وجودها في إرتريا مثلا، وهي بلد له سواحل طويلة على البحر الأحمر. ومقابل للساحل اليمني والسعودي، صرحت إيران بأن وجود بعض قواتها العسكرية والبحرية علي موانئ إريتريا هو لمكافحة عمليات القرصنة، ومن أجل حماية الممرات المائية البحرية لتأمين السفن التجارية. والحقيقة أن لإيران أهدافا مبيتة غير معلنة متعلقة بمصفاة تكرير البترول وحماية السفن. ومن بين تلك الأهداف، تمركز إيران في أهم ممرين مائيين في العالم، مضيق هرمز، وباب المندب .أما الوجود الإيراني في الصومال فيتمثل في توطيد الروابط مع شريك محلي، يتسلح بالدعم الإيراني في المجالات الهادفة والمؤثرة في المستقبل. وكذلك الاحتفاظ بالعلاقة مع الجماعات المسلحة الصوفية. واستخدامها في الوقت المناسب، وهو ما يعرض الصومال ليصبح يوما ما ورقة قد تستخدمها إيران لحفظ التوازن دوليا. فضلا عن البوارج الحربية الإيرانية المستقرة في المياه الصومالية لحماية السفن التجارية الإيرانية.

أزال إبرام الاتفاق النووي الإيراني عام 2015م -المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة-  الحرج عن عدد من القادة الأفارقة للبحث عن فرص أفضل للتعامل مع إيران. مما حد بإيران للمسارعة في تعزيز مشاركتها مع إفريقيا. وسعِت في الوقت نفسه إلى بناء “عمق إستراتيجي” في جميع أنحاء القارة لتعزيز النفوذ الإيراني. لكن انسحاب الرئيس دونالد ترمب من الاتفاق النووي. وأعادة نظام العقوبات ضد إيران في عام 2018 جعل إيران تسارع للحفاظ على العلاقات مع الدول الإفريقية. ورداً على ذلك، دعا المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي إلى سياسة “محور إفريقيا” للتحايل على العقوبات والإفلات من شِراكها .

السودان في عقل رئيسي..

يظهر جليًا أن إبراهيم رئيسي نشط منذ وقت مبكر من ولايته في دفع الملف الإفريقي. ففي يومه الثالث في المنصب دعا إلى زيادة التعاون مع أفريقيا واعترف بقدراتها المادية والبشرية. وفي 6 أغسطس 2021، ألقى رئيسي الرسالة نفسها. وزاد عليها أن تعزيز العلاقات سيكون أولوية في السياسة الخارجية لبلاده، وأن حكومته ستُفعَّل بجدية جميع إمكانات التعاون مع الدول الأفريقية.

من المحتمل أن رئيسي يطمح إلى إعادة العلاقات بين إيران وأفريقيا. على خلفية إهمال بلاده لأفريقيا وفقدان الحلفاء القدامى وكبار الشركاء التجاريين في القارة في عهد روحاني. وحتى الآن، يبدو أن هذا الجهد قد حقَّق تقدمًا محدودًا، إذ التقى رئيسي بمسؤولين أفارقة من دول ذات أهمية تجارية من الدرجة الثانية والثالثة فقط من أجل التجارة الثنائية، وهي موزمبيق وتوجو وغينيا بيساو. وليس دول ذات أهمية من الدرجة الأولى مثل السودان وجيبوتي والصومال. وكلها قطعت العلاقات مع إيران في عهد روحاني. وعلى الرغم من أن موزمبيق وتوجو وغينيا بيساو يمثلون أهمية أقل بوصفهم شركاء تجاريين. فإن لهم أهمية تاريخية ويوفرون قيمة إستراتيجية.

يحتاج رئيسي لكي يتوغل في إفريقيا برفق، وهذا ما فعله بداية مع السودان .حيث تم الإعلان في التاسع من تشرين الأول أكتوبر الماضي .استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران التي قطعت من جانب الخرطوم. في بداية عام 2016. تضامناً مع السعودية التي كانت في صراع مع طهران في ذلك الوقت.

وقد قدمت ايران امتدادات عسكرية للجيش السوداني .واتفاق علي تسهيلات لنقل أسلحة لحماس استقبلت وحدات التدريب بقوات الحرس الثوري الإيراني. دفعة ثانية تضم ما يزيد عن 50 من الضباط والفنيين ابتعثهم الجيش السوداني للتدريب العملياتي كقوات خاصة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى