حصري

إيران تسعى لتحقيق أهدافها في أفريقيا من خلال السودان


بات الخطر الإيراني العابر للقارات يزحف بسرعة قصوى ليتمدد إلى مختلف المناطق التي ترمي طهران إلى أن تجد موطئ قدم لها فيها، في إطار سعيها إلى خلق مناطق نفوذ ونقاط تماس جديدة مع القوى العالمية، تمكنها من مناوشتها وابتزازها، ليمتد من الشرق الأوسط إلى شمال إفريقيا والساحل، مستعينة في ذلك بسلاحيْن متوازيين هما دعم الحركات السياسية الانفصالية والمنظمات الإرهابية، ماديا ولوجستيا، ونشر المذهب الشيعي.

ويركز النظام الإيراني في مخططه الرامي إلى التغلغل في المناطق التي يسعى إلى تعزيز نفوذه فيها على استغلال بؤر التوتر والنزاع، وهي الخطة التي ينهجها حاليا في شمال إفريقيا والساحل الإفريقي؛ وذلك عبر دعم كائنات انفصالية ومنظمات إرهابية كوسيلة لمحاصرة القوى الإقليمية الصاعدة ولمقايضة الفاعلين الكبار على الساحة الدولية.

فما هي أهداف نظام طهران من محاولات التوسع الحثيثة في إفريقيا والساحل، بعد تقويضه للاستقرار في عدد من الدول بالشرق الأوسط كالعراق واليمن وسوريا، وتهديده لاستقرار وأمن دول أخرى في الخليج؟ وإلى أي مدى ستظل القوى الدولية تغض الطرف عن تمدد الخطر الإيراني في المنطقة؟ وما هي التبعات التي ستنجم عنه مستقبلا في حال عدم التصدي لها فورا؟

عاد التعاون العسكري بين السودان وإيران بعد أشهر من استئناف العلاقات بينهما بصورة رسمية في أكتوبر/تشرين الأول 2023، عقب 7 سنوات من القطيعة، حيث زودت طهران الجيش السوداني بطائرات مسيرة.

ورفع اتفاق السعودية وإيران، بوساطة صينية، الحرج عن الخرطوم باستئناف علاقتها مع طهران، بعد أن بادر السودان بقطع علاقته مع الجمهورية الإسلامية إثر اقتحام السفارة السعودية فيها في يناير/كانون الثاني 2016.

وترافق هذا التعاون مع استمرار الجيش السوداني في حربه مع قوات الدعم السريع، ويعتقد مراقبون أن هذه الخطوة ستثير مخاوف بعض دول الخليج  خاصة مصر والسعودية والولايات المتحدة، في ظل بحث إيراني عن موطئ قدم في البحر الأحمر، والتغلغل في القرن والساحل الأفريقي إنطلاقا من السودان.

يقول المستشار في وزارة الدفاع السودانية إن “التعاون العسكري بين بلاده وإيران لم يعد بصورة كاملة كما كان قبل قطع علاقات الدولتين، خاصة أنهما لم يتبادلا التمثيل الدبلوماسي ولا فتح السفارات”.

ويكشف المستشار-الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته- أن “الجيش سعى لتعزيز قدراته خلال الشهور الماضية لمواجهة التمرد المسلح لمليشيا الدعم السريع، واشترى عبر الطرق الرسمية أسلحة ومسيرات من عدة دول من بينها إيران”.

ويوضح المصدر ذاته أن “العقوبات الأميركية على السودان، والحصار المفروض على البلاد منذ أكثر من عقدين خلال عهد الرئيس المعزول عمر البشير، أدى إلى اتجاه الخرطوم للتعاون العسكري مع الدول الشرقية، كما دخل السودان في شراكات للصناعات الدفاعية، وكانت إيران ضمن تلك الدول”.

ويضيف المسؤول السوداني أن “قوات بلاده حققت تقدما في الصناعات الدفاعية في العقدين الأخيرين، وصارت تصدر صناعتها من الأسلحة والمعدات العسكرية إلى دول عربية وأفريقية، وتشارك في معارض الصناعات العسكرية في الإمارات وجنوب أفريقيا وغيرهما”.

ظلت منصات مقربة من الجيش السوداني تبث معلومات عن توسيع استخدام المسيرات في الأسابيع الأخيرة، بقصف أهداف لقوات الدعم السريع بشكل متزامن، في كل من الخرطوم وولاية الجزيرة في وسط البلاد وغرب كردفان وولايات دارفور التي سيطر عليها الدعم السريع.

وأوردت المنصات ذاتها أن المسيرات الجديدة التي استخدمها الجيش متطورة وبالغة الدقة، وأوقعت خسائر كبيرة بقوات الدعم السريع، إذ تمكن الجيش من تحقيق تقدم في الخرطوم.

ورصد مراقبون وخبراء عسكريون استخدام الجيش السوداني مسيرات خلال الفترة الأخيرة، غالبيتها صينية وتركية وإيرانية، كما استخدم مقاتلات روسية من طرازات مختلفة.

ونقلت وكالة “بلومبيرغ” في تقرير لها عن مسؤولين غربيين إن إيران زودت الجيش السوداني بطائرات دون طيار من نوع “مهاجر 6″، مؤهلة لمهام الرصد ونقل المتفجرات، وذكرت أن “أقمارا صناعية التقطت الشهر الماضي صورا لطائرة دون طيار من نوع “مهاجر 6″ الإيرانية في قاعدة وادي سيدنا شمالي أم درمان، وهي خاضعة لسيطرة الجيش”.

وقال 3 مسؤولين غربيين -طلبوا حجب هوياتهم- إن “السودان تلقى شحنات من طائرة مهاجر 6 المسيرة، وهي ذات محرك واحد تم تصنيعها في إيران، بواسطة شركة القدس للصناعات الجوية، وتحمل ذخائر موجهة”، وهي المسيرة ذاتها التي كانت الولايات المتحدة قد اتهمت إيران بتزويدها لروسيا خلال الحرب مع أوكرانيا.

 

تكتيك أم إستراتيجية؟

يرى الخبير العسكري اللواء المتقاعد مازن إسماعيل أن المسيرات الإيرانية أثبتت كفاءتها في الحرب الروسية الأوكرانية، وظهرت نتائج استخدام الجيش السوداني لها خلال الأسابيع الماضية.

وقال إن “التعاون العسكري مع إيران سيعوض الجيش السوداني مخزونات الأسلحة والذخائر التي فقدها في الحرب المستمرة منذ نحو 10 أشهر، وكذا توقف الصناعات الدفاعية السودانية منذ بدء المعارك في الخرطوم”.

ويعتقد الخبير العسكري أن عودة التعاون السوداني الإيراني تأتي في ظل ظروف معقدة في الفضاء الجيوسياسي، الممتد من إيران إلى اليمن والعراق وسوريا ولبنان، ويضيف أن “دخول السودان في حلف مع إيران لا يخدم المصلحة الوطنية على المستوى الإستراتيجي.

طهران تنظر إلى السودان بشكل جيوسياسي إستراتيجي، من واقع اهتمامها بالحصول على موطئ قدم في سواحل البحر الأحمر، واتخاذ السودان مدخلا نحو القرن الأفريقي شرقا والساحل الأفريقي غربا، لتعزيز نفوذها في المنطقة، مما يثير مخاوف بعض دول الخليج ومصر، في ظل التنافس الأميركي الروسي الصيني الخليجي على المنطقة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى