حصري

السودان.. هل فشلت مفاوضات جدة؟


شهدت مدينة جدة السعودية، التوصل لاتفاق وقف النار، بين ممثلي الطرفين المتنازعين -الجيش السوداني وقوات الدعم السريع– بوساطة سعودية أمريكية، على أن يكون الاتفاق ساريًا لمدة أسبوع، لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية الطارئة واستعادة الخدمات الأساسية.

ورصدت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، كسر اتفاق وقف إطلاق النار، بعد تقارير عن إطلاق نار متقطع وطائرات مقاتلة فوق منازل المدنيين، مشيرة إلى أنها ليست المرة الأولى التي يحدث فيها تجاهل اتفاق وقف القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع.

ورغم ذلك، فإن كثيرين من الخبراء والمحللين، فضلا عن مسؤولين دوليين، لديهم آمال كبيرة بنجاح الهدنة الأخيرة، التي دخلت حيز التنفيذ مساء الاثنين الماضي، بعد مفاوضات رسمية، وصفقة موقعة بوساطة الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.

اشتباكات ونهب واغتصاب

بدأت الاشتباكات في الخرطوم، بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، بقيادة نائبه محمد حمدان دقلو المعروف “حميدتي“، منتصف أبريل الماضي.

ووفق “فورين بوليسي”، فقد تسببت الحرب في دمار العاصمة الخرطوم، مع قصف كثير من البنية التحتية الحيوية للمدينة، حيث استمر الاقتتال بين الجيشين، بالقرب من مناطق سكنية مكتظة بالسكان.

أمام ذلك، تضاءلت مخزونات المواد الغذائية والأدوية بشكل سريع، مع تقارير عن نهب جماعي للبنوك والمستودعات ومنازل المدنيين.

وفر أكثر من مليون شخص من منازلهم، وقُتل أكثر من 700 شخص، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.

ووسط الضربات الجوية المستمرة، يتحصن كثيرون من المواطنين داخل المنازل، مع تضاؤل إمكانية الحصول على المياه والكهرباء.

ونقلت المجلة عن عدد من السكان قولهم، إنه جرى سماع دوي نيران مدفعية في مناطق بالعاصمة السودانية، كما حلقت طائرات حربية في سماء المدينة، ورغم ذلك فإن وقف إطلاق النار -الخاضع لمراقبة دولية- أحدث هدوءًا نسبيًا بعد معارك ضارية.

بينما اشتكى نشطاء للمجلة الأمريكية، من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تُرتكب بحق المدنيين، قالوا إنها وقعت مع احتدام القتال وطالبوا الأمم المتحدة بضرورة فتح تحقيق فيها.

وأشارت “فورين بوليسي” إلى أنه رغم استمرار القتال خلال سريان فترات سابقة لوقف إطلاق النار، فإن هذا هو أول وقف لإطلاق النار يأتي بناءً على اتفاق رسمي بين الجانبين بعد إجراء مفاوضات، لافتة إلى أنه رغم وجود بعض الخروق في الساعات الأولى للهدنة، فإنها قد تصمد أكثر من سابقاتها.

ويشمل الاتفاق آلية مراقبة يشارك فيها الجيش وقوات الدعم السريع، إضافة إلى ممثلين للمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، اللتين توسطتا في الاتفاق بعد محادثات في جدة.

وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إن آلية المراقبة ستكون “عن بُعد”، مضيفًا: “إذا جرى انتهاك وقف إطلاق النار، سنعرف، وسنحاسب المنتهكين من خلال عقوباتنا وأدوات أخرى تحت تصرفنا”.

من جانبها، أعلنت الإدارة الأمريكية -الثلاثاء- عن مساعدات إنسانية بـ 245 مليون دولار للسودان وجيرانه.

وفي أول تعليق لهما على الاختراقات، التي وقعت مؤخرًا لاتفاق وقف إطلاق النار، جددت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، تأكيد أهمية اتفاقية وقف إطلاق النار والترتيبات الإنسانية في السودان.

وأكدت وزارة الخارجية السعودية، في بيان، أن الطرفين بالسودان لم يلتزما بعدم السعي وراء مكاسب عسكرية على الأرض، مشددة على أن الرياض وواشنطن تطالبان بالتزام الطرفين بوقف النار، مشيرة إلى أنه رغم أن القتال في الخرطوم أخف حدة، فإن الوسيطين أبلغا طرفي الصراع بانتهاكات لوقف إطلاق النار، تضمنت عمليات هجوم في الخرطوم ومدينة الأبيض بوسط ولاية شمال كردفان، وهجمات جوية واستغلال الأسلحة.

وشددت على أن الشعب السوداني بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية وإلى عودة الخدمات الأساسية، ما سيكون ممكنًا في ظل وقف إطلاق النار المؤقت، حال الالتزام به من الطرفين المتنازعين.

وأضافت: “نظرًا لاستمرار معاناة الشعب السوداني كنتيجة لهذا الصراع المدمر، فإن المملكة والولايات المتحدة تجددان التزامهما للشعب السوداني، وتطالبان بالتزام الطرفين بما وقعاه من التزامات لوقف إطلاق النار المؤقت لتقديم المساعدات الإنسانية الضرورية”.

لاجئون 

وعن بعض الأسباب التي قد تعيق استمرار الهدنة الجديدة، وتؤدي إلى إفشالها، أشارت “فورين بوليسي” إلى أنه حتى قبل اندلاع القتال الجديد، كان السودان أحد أكبر البلدان المضيفة للاجئين في العالم، حيث جاء معظمهم من جنوب السودان.

ووقع الرئيس الأمريكي جو بايدن أمرًا تنفيذيًا يأذن للحكومة بفرض عقوبات على الأفراد والكيانات السودانية المتورطة في النزاع.

لكن خبراء أمنيين -تحدثوا للمجلة الأمريكية- يرون أنه من دون موافقة الجهات الإقليمية، فإن هذه العقوبات لن تكون فاعلة لوقف إطلاق النار على الأمد البعيد.

ملاذ للإرهاب

وأشارت “فورين بوليسي” إلى أنه عندما اندلع العنف لأول مرة في السودان منتصف أبريل الماضي، أعرب بلينكين عن قلقه من أن الصراع على السلطة سيقوض “الجهود المبذولة لاستعادة الانتقال الديمقراطي في السودان”، متسائلة: “هل تنجح الوساطة السعودية في معالجة مخاوف بلينكن بشأن الديمقراطية”؟

وأجابت: “الحقيقة المؤسفة أنه لا يوجد ديمقراطيون أو دعاة سلام في السودان، فمنذ الاستقلال عام 1956، عانى السودان الحكم المطلق والحروب الأهلية، ورغم أنه لا يزال يتعافى من دكتاتورية بقيادة عمر البشير، فإنه منقسم بين قائدين مسلحين يسعى كلاهما للسيطرة على البلاد”.

وعن إمكانية فشل اتفاق وقف إطلاق النار، بينت المجلة الأمريكية. أن المخاطر حينها ستكون كبيرة، مشيرة إلى أن السودان يوشك أن يصبح ليبيا أخرى.

ونوهت إلى أن الحرب في السودان لن تضير الاقتصاد الإقليمي فحسب. لكنها تنذر بإعادة السودان ملاذًا للإرهابيين. مضيفة: “من هناك يمكن لهؤلاء الإرهابيين أن يقوضوا أي جهود لتعزيز الاستقرار في منطقة الساحل. بخلاف التهديد بتقويض الاستقرار في مناطق أبعد من ذلك”.

وذكّرت المجلة الأمريكية بأن زعيم القاعدة أسامة بن لادن. كان قد قضى خمس سنوات في السودان، عمل فيها على تطوير قدرات القاعدة الإرهابية. قبل تنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى