مجتمع

الصين تسهل إجراءات الزواج لمواجهة تراجع السكان


كشفت الصين، السبت، عن إجراءات جديدة تهدف إلى تبسيط عملية تسجيل الزواج وتقليل الأعباء المالية على الأزواج، في محاولة لتعزيز معدل المواليد ومواجهة التراجع السكاني.

ويُعتبر الزواج في الصين شرطًا أساسيًّا للإنجاب، حيث لا تحظى الولادات خارج إطار الزواج بقبول واسع ولا تتمتع بالحماية القانونية الكاملة. 

ومع تسجيل انخفاض بنسبة 20.5% في عدد الزيجات العام الماضي، واستمرار التراجع السكاني للعام الثالث على التوالي، تسعى السلطات لاتخاذ تدابير لدعم الأزواج الجدد، مثل تقديم المساعدات المالية، وتوسيع خدمات رعاية الأطفال.

وبحسب قناة “سي سي تي في” الحكومية، ستتيح هذه التعديلات للأزواج تسجيل زواجهم في أي منطقة داخل الصين، بعدما كان يتوجب عليهم سابقًا إتمام الإجراءات في دائرة النفوس التابعة لمسقط رأس أحد الزوجين.

وأكدت وزارة الشؤون المدنية التزامها بمواجهة بعض العادات التي تشكل عبئًا ماليًّا، مثل المهور المرتفعة وحفلات الزفاف المكلفة، والتي تُعتبر من أبرز العقبات أمام الزواج. يأتي ذلك في ظل تزايد إحجام الشباب عن الزواج والإنجاب؛ بسبب الأعباء الاقتصادية مثل ارتفاع أسعار العقارات وتكاليف التعليم.

فمنذ سنوات طويلة تحديات ديموغرافية متزايدة، أبرزها تراجع عدد السكان، وهو ما يشكل تهديدًا حقيقيًا للمستقبل الاقتصادي والاجتماعي للبلاد. في ظل هذه الأزمة، اتخذت الحكومة الصينية خطوة هامة في محاولة للتصدي لهذا التحدي من خلال تسهيل إجراءات الزواج، وذلك ضمن استراتيجيتها للتعامل مع انخفاض معدل الولادات وتزايد شيخوخة السكان.

1. التحديات الديموغرافية في الصين:

تعتبر الصين واحدة من أكبر الدول في العالم من حيث عدد السكان، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت انخفاضًا ملحوظًا في معدل المواليد. يعود ذلك جزئيًا إلى سياسة “الطفل الواحد” التي فرضتها الحكومة بين عامي 1979 و2015، وهي السياسة التي كان لها تأثير طويل الأمد على التكوين السكاني في البلاد. على الرغم من إلغاء هذه السياسة لاحقًا وتحفيز الحكومة على زيادة عدد المواليد، فإن الوضع الديموغرافي لا يزال يشهد تحديات كبيرة.

بحسب تقرير صادر عن المكتب الوطني للإحصاء في الصين، فقد شهدت البلاد تراجعًا في عدد المواليد في السنوات الأخيرة، مع تسجيل أدنى معدلات للمواليد في عام 2022. هذا التراجع في عدد السكان يؤدي إلى العديد من المخاطر، بما في ذلك تقلص القوة العاملة، وارتفاع تكاليف الرعاية الاجتماعية لكبار السن، وتباطؤ النمو الاقتصادي.

2. تسهيل إجراءات الزواج كجزء من الحل:

في إطار محاولاتها لمواجهة هذه الأزمة، بدأت الحكومة الصينية في اتخاذ خطوات تهدف إلى تشجيع الزواج وزيادة معدل المواليد. من بين هذه الخطوات، قامت بتسهيل إجراءات الزواج بين المواطنين الصينيين، وذلك من خلال تقليل التعقيدات البيروقراطية والحد من بعض القيود التي كانت تعرقل عملية الزواج في السابق.

تشمل التعديلات الجديدة تسريع إجراءات تقديم طلبات الزواج، وتقليل الأوراق المطلوبة، فضلًا عن توفير مزيد من الدعم المالي للعائلات التي تختار الزواج وإنجاب الأطفال. كما تشجع الحكومة على تحسين الظروف المعيشية للأسر، مع توفير حوافز مالية ورعاية صحية لتحفيز الشباب على بدء أسرهم.

3. تأثير السياسات السابقة على الزواج:

كانت السياسة السابقة للصين، والتي كانت تحد من عدد الأطفال لكل أسرة، قد أثرت بشكل مباشر على نظرة الأفراد للزواج وتكوين الأسر. كان العديد من المواطنين يفضلون تأجيل الزواج بسبب القلق من الضغوط المالية والاجتماعية، بالإضافة إلى التداعيات الاقتصادية للإنجاب. علاوة على ذلك، أدى تزايد التكاليف في المدن الكبرى إلى صعوبة العديد من الشباب في تكوين أسرهم.

لكن مع تبني هذه السياسات الجديدة التي تشجع على الزواج، يأمل المسؤولون في أن تساعد هذه التسهيلات في إعادة جذب الشباب نحو فكرة الزواج وإنجاب الأطفال.

4. الحوافز الأخرى:

لم تقتصر الحكومة الصينية على تسهيل إجراءات الزواج فقط، بل قامت أيضًا بتقديم حوافز إضافية للآباء الجدد. يشمل ذلك منح العائلات التي تنجب أطفالًا جددًا إعانات مالية، بالإضافة إلى توفير خدمات رعاية أطفال بأسعار معقولة، وتعزيز الدعم المخصص للأسر من خلال تحسين ظروف العمل والتوازن بين الحياة المهنية والأسرية.

5. تحديات وأفق المستقبل:

رغم هذه الخطوات، فإن مشكلة تراجع السكان في الصين لا يمكن حلها بين عشية وضحاها. من المتوقع أن تحتاج الصين إلى المزيد من الإصلاحات والسياسات المتكاملة التي تشمل التعليم، سوق العمل، والرعاية الصحية، بالإضافة إلى تغيير الثقافات الاجتماعية التي قد تؤثر في قرارات الزواج والإنجاب.

لا يمكن إغفال تأثير العوامل الاجتماعية والاقتصادية على قرار الأفراد بشأن الزواج والإنجاب، حيث إن التأثيرات المرتبطة بتكاليف الحياة في المدن الكبرى، والضغوط الاقتصادية، وصعوبة التوازن بين العمل والحياة الأسرية تظل مؤثرات قوية قد تجعل من الصعب على السياسات الحكومية تحقيق نتائج سريعة.

في ظل تراجع معدل المواليد وزيادة شيخوخة السكان، تسعى الصين إلى معالجة هذا التحدي من خلال تبني سياسات تهدف إلى تشجيع الزواج وزيادة عدد المواليد. تسهيل إجراءات الزواج هو جزء من هذه الاستراتيجية، ولكن يتعين على الحكومة أن تواصل العمل على تعزيز الحوافز الاجتماعية والاقتصادية لضمان نجاح هذه السياسات في المستقبل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى