اخترنا لكم

اللعبة التركية لتغيير الخريطة الجيوسياسية شرق المتوسط

يحيى التليدي


حالة ترقب تعيشها أوروبا ودول المنطقة بسبب الصراع المحتدم في شرق البحر الأبيض المتوسط حول حقوق الغاز والنفط وخصوصاً التصعيد الأخير بين تركيا واليونان، والذي وصل لمرحلة خطيرة خاصة أنه يغذيه خلاف أعمق على الحدود البحرية، وصراع تاريخي قائم منذ قرون بين أثينا وأنقرة.

وكعادته بدأ أردوغان يروّج في الداخل التركي أن الصراع شرق المتوسط عقدي، ديني في جوهره، وأنه بوصفه “حامي حمى المسلمين” يتوجب عليه “الحفاظ على ثرواتهم في البحار الثلاثة” كما أشار في خطاب له. ومن هنا ندرك أيضاً لماذا أقدم أردوغان على مسار تحويل متحف “آيا صوفيا” إلى مسجد مرة جديدة، وبدا مشهد الإمام حاملاً السيف صاعداً المنبر، دعوة مؤكدة لتأجيج الكراهيات وإحياء العداوات لا سيما مع اليونانيين.

يتصرف أردوغان وكأن حقوق دول شرق المتوسط هي حقوق سابقة له ويسعى إلى استردادها، بينما يعتقد أن هناك انقسامات في المواقف الأوروبية بين الموقف السياسي الذي يتزعمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي اعتبر المتوسط نفوذاً أوروبياً خالصاً، وبين موقف حلف الناتو الذي لا يريد حروباً في مناطق نفوذه وبين أعضائه، وبما أن بريطانيا أقرب إلى الحياد حتى الآن، حيث تسعى للخروج النهائي من الاتحاد الأوروبي، فهي لا تُلزم نفسها لا بموقف الاتحاد ولا بالموقف الفرنسي تجاه تركيا، بينما يتفق الجميع على أن التحركات التركية تشكل خطرا لاينبغي السكوت عنه.

أما الولايات المتحدة، فقد رفعت حظر الأسلحة الأمريكية عن قبرص اليونانية، وهذا مؤشر على اصطفاف واشنطن مع الموقفين اليوناني والقبرصي. ولكن يسعى نظام أردوغان جاهداً لاستغلال أي فرصة ليس فقط للتوسع في المتوسط، بل أيضا لإضعاف المؤسسات الغربية، سواء الاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو وزرع الانقسامات بين أعضائهما.

مؤكد أن المواجهة الشاملة بين أي دولتين عضوين في “الناتو” تبدو مستحيلة، وغير مسموح باندلاعها، لا الأطراف المعنية تريدها ولا المجتمع الدولي كذلك، ولكن ما تدركه الدول الغربية أن النظام التركي يمارس لعبة خطرة تهدد أمن أوروبا ونفوذها الجيوسياسي، وذلك من خلال إضعاف كل من الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو وتأجيج الانقسام بين أعضائهما. فالنظام التركي يحاول التعامل مع الدول الغربية بطريقة “فرق تسد”، ويعتقد أنه قادر على تعميق الخلافات داخل كل من الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وأنه بذلك سيعمل على تقوية تركيا وبزوغ نجمها كقوة إقليمية. بالإضافة إلى ذلك ترى تركيا أن الاتفاقية التي أبرمتها مع حكومة الوفاق الليبية تمثل رأس حربة لتحقيق أهدافها التوسعية في الشمال الأفريقي وأيضاً تجمع حولها كل مناصريها من الإسلاميين، ليس في ليبيا فقط، بل في تونس والجزائر أيضا.

إذن، أردوغان تجاوز كل الخطوط الحمراء بعد دخوله في المياه الإقليمية لقبرص واليونان، وعبثه في شرق المتوسط وليبيا، وبات بذلك يهدد السيادة الأوروبية. أعتقد أنه حان الوقت للتلويح بالعصا الأوروبية الغليظة في وجه تركيا، لأنها الطريقة الوحيدة لإيقاف أطماع أردوغان وعبثه شرق وجنوب المتوسط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى