اخترنا لكم

المعركة التركية الخاسرة شرق المتوسط

جوان سوز


يعود الخلاف التركي ـ اليوناني في الفترة الحالية إلى الواجهة السياسية الدولية مجدداً، وتشتد التوترات المستمرة منذ عقود بين أثينا وأنقرة حول حدودهما البحرية في شرق البحر المتوسط، لتنذر اليوم بحدوث مواجهاتٍ عسكرية بين الطرفين في المنطقة الغنية بالنفط والغاز.

وتأتي هذه التوترات الأمنية بعد التحرّكات التركية المتكررة في تلك المنطقة البحرية، وانتهاكها للسيادة اليونانية بشكل مستمر، فعلى سبيل المثال، المنطقة التي بدأت أنقرة بالتنقيب فيها عن النفط والغاز شرق المتوسط منذ مطلع شهر أغسطس/آب الماضي، تقع ضمن الحدود البحرية اليونانية بحسب قانون الملاحة الدولي الذي يعترف رسمياً بسيادة أثينا على كلّ الجزر الواقعة في تلك المنطقة، والتي تبعد فقط كيلومتراتٍ معدودة عن الحدود البرّية مع أنقرة، ما يسقط أي حقٍ تركي للحصول على الموارد النفطية الموجودة فيها.

ورغم أن الحكومة التركية تطالب بحصتها من الموارد النفطية في هذه الجزر، لسببٍ واحدٍ فقط هو وقوعها بالقرب من حدودها البرّية، لكنها على ما يبدو نسيت أو تتجاهل أن الحرب التي تطلق عليها “الاستقلال” هي التي جعلت المسافة قريبة بين الجزر اليونانية والبرّ التركي، قبل نشوء تركيا الحالية وسيطرتها على أراضٍ يونانية في الفترة الممتدة بين الأعوام 1919 و1922. وهو ما أدى لوجود أقلية يونانية تعيش في تركيا إلى يومنا هذا.

وبالتالي وجود الجزر اليونانية بالقرب من الحدود البرّية التركية لا يمنح أنقرة الحق في التنقيب فيها عن النفط والغاز ولا يمكنها المطالبة بحصة من تلك الموارد، وذلك لأن قانون الملاحة الدولي أقرّ السيادة اليونانية عليها بشكل واضح وحاسم، إلا أن تركيا التي يقودها الرئيس رجب طيب أردوغان، تحاول إعادة السيناريو القبرصي في أثينا وبالتحديد في منطقة شرق المتوسط، من خلال سياسة فرض الأمر الواقع عبر تحالف أنقرة المتين مع برلين والتي تحاول باريس، أبرز الدول الداعمة لأثينا ونيقوسيا تحطّيمه.

إن ما يجري اليوم من تحرّكات تركية في شرق المتوسط يجعل المنطقة على حافة حربٍ طاحنة لا يستطيع الطرف التركي خوضها لعدّة أسباب، منها أن البلاد تعيش أزمةً اقتصادية خانقة، إلى جانب مشاكل أخرى داخلية، كالصراع على السلطة بين المعارضة والنظام الحاكم في تركيا، رغم أن تركيا تحاول ابتزاز أثينا بموجة تدفق لاجئين جدد إلى حدودها في ظاهرة اعتادت عليها أنقرة منذ بداية الأزمة السورية، لاستفزاز أثينا وإحداث توترات داخلية فيها.

كما أن تراجع العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة والغرب على خلفية انتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان وقمعها للمعارضة، واحتلالها لمساحاتٍ شاسعة من جغرافيّة دولٍ عديدة في المنطقة إما من خلال الاحتلال العسكري المباشر أو عن طريق إقامة قواعد عسكرية ضمن أراضي تلك الدول، كما هي الحال في العراق وسوريا وليبيا وقطر والصومال وغيرها من الدول العربية، يجعل من التصعيد التركي شرق المتوسط مجرّد ورقة مؤقتة بيد أردوغان يحاول استخدامها لكسب ود جمهوره في الداخل بعد تراجع شعبيته. ولهذا السبب يحاول مستشاروه وصف ما يجري في شرق المتوسط بحرب بين “تركيا المسلمة” و”اليونان المسيحية”!.

وباعتقادي إن التصعيد التركي شرق المتوسط والذي يسعى أردوغان من خلاله لرفع رصيده في الداخل، سيبقى محدوداً. وفي حال تمسّكت أنقرة بموقفها الحالي واستمرت بالتنقيب عن النفط في هذه المنطقة، ستكون معركتها الفعلية ليست فقط مع اليونان، إنما مع دول الاتحاد الأوروبي خاصة وأن باريس ومعها روما وعواصم أوروبية أخرى تقف إلى جانب أثينا، ما يجعل المعركة إن حدثت محسومة مسبقاً لصالح الأخيرة.

نقلا عن العين الإخبارية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى