سياسة

النيجر.. صراع النفوذ يحتدم بين «السلف» و«الخلف»


تحولات دراماتيكية تشهدها النيجر، الواقعة في غرب أفريقيا، بعد خروج القوات الفرنسية والأمريكية من أراضيها، حيث سارعت 4 دول أخرى، هي روسيا وتركيا وإيران والصين، إلى ملء الفراغ، عارضةً تعاونًا اقتصاديًا وأمنيًا على حكومة نيامي.

ذلك التسارع لبحث اتفاقيات تعاون اقتصادي وأمني يثير تساؤلات حول الدوافع الكامنة وراءه من قبل الدول الأربع، والمكاسب التي يبحث عنها كل طرف، والتأثير المحتمل على استقرار وأمن النيجر.

وفي هذا الإطار، أكد خبراء أن “هذا التغيير قد يسهم في استقرار الأمن ومحاربة الإرهاب في النيجر”.

في المقابل، حذر آخرون من تحديات كبيرة قد تواجهه تتمثل في عدم انسجام الدول الأربع في أهدافها، عكس ما كان عليه الحال في المعسكر الغربي. واحتمال وقوع صراعات على النفوذ والموارد الطبيعية، إضافة إلى التأثير على العلاقات مع الدول الغربية.    

ويبقى السؤال مفتوحًا حول مستقبل النيجر في ظل هذا الصراع الجديد على النفوذ والموارد الطبيعية. فهل ستنجح هذه التحالفات الجديدة في تحقيق الاستقرار والازدهار؟. أم ستؤدي إلى مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار؟.

الباب «مفتوح»

وفي هذا الإطار، توقع الدكتور عبد المهيمن محمد الأمين. مدير جامعة المغيلي الأهلية الدولية، أن تسارع الدول صاحبة الإمكانيات في تقديم الدعم للبلاد في مختلف المجالات.

وأكد الدكتور الأمين أن المجال الأمني يمثل أولوية قصوى بالنسبة للنيجر. مشددًا على “ضرورة تطوير قدرات القوات النيجرية من خلال تزويدها بأحدث المعدات اللازمة لمكافحة الإرهاب“.

وأوضح أن “غياب القوات الغربية خلق فراغًا أمنيًا تسعى الدول ذات الإمكانيات في هذا المجال لملئه. من خلال تقديم المساعدات والخدمات الأمنية لنيامي”.

وأشار الدكتور الأمين إلى أن “روسيا وتركيا وإيران والصين تعتبر من الدول الأكثر اهتمامًا بتطوير علاقاتها مع النيجر، سعيًا منها لتعزيز التعاون في المجال الأمني”.

مع ذلك، أكد أن “أبواب النيجر مفتوحة للتعاون مع جميع الدول، وليس فقط الدول الأربع المذكورة”.

وبحسب الخبير النيجري فإن «عهد التبعية قد ولى». وأن النيجر تسعى الآن إلى علاقات دولية قائمة على الند بالند، والاحترام المتبادل، وتبادل المنافع.

ووفقا للخبير، لا تقتصر هذه العلاقات على المجالات الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية فقط. بل تتضمن أيضًا التعاون في مجال الأمن، حيث تسعى النيجر إلى تعزيز قدراتها الأمنية لمكافحة الإرهاب.

وأشار الخبير إلى أن الدول الأربع التي تسعى إلى التعاون مع النيجر، وهي روسيا وتركيا وإيران والصين، بحاجة بدورها إلى أسواق جديدة ومصادر خام، مثل الغاز والبترول واليورانيوم. مما سيؤدي إلى مزيد من التنافس على هذه الموارد.

مع ذلك، أكد الخبير أن “النيجر ستكون حكيمة وحريصة في التعامل مع هذه الدول. وستسعى إلى تحقيق مصالحها الوطنية، دون تكرار تجاربها السلبية مع الدول الغربية”.

«الكعكة» متنوعة

وتوقع الخبير النيجري أن تُفضي التحولات الجارية في بلاده إلى نتائج إيجابية. وأن تسعى النيجر إلى إحداث تغيير شامل في مختلف المجالات، مستفيدة من تجارب الدول التي تشكل معها اتحادًا كونفدراليًا (مالي وبوركينا فاسو).

وأشار إلى “تنوع الموارد والفرص في النيجر. مما يجعلها كعكة كبيرة لا يمكن لأي دولة واحدة أن تسيطر عليها”.

وبدلاً من ذلك، ستتمكن كل دولة من الدول الأربع (روسيا وتركيا وإيران والصين) من الاستفادة من هذه الموارد حسب إمكانياتها، مما سيُساهم في تحقيق التنمية في النيجر.

وحدد الخبير المجالات التي ستفيد فيها النيجر من كل دولة على النحو التالي:

• الصين: المجال الاقتصادي.

• روسيا: المجال الأمني والعسكري.

• تركيا: المجالات الأمنية والاقتصادية والجوانب العلمية.

• إيران: المجالات الأمنية والاقتصادية.

له ما بعده

بدوره، اعتبر الدكتور محمد تورشين، الباحث السوداني في الشأن الأفريقي.  أن “استبعاد فرنسا وأمريكا من النيجر يُمثل فصلًا جديدًا في الصراع القوي بين الدول العظمى على النفوذ في القارة الأفريقية”.

ووفقا لـ”تورشين”، استطاعت القوى الصاعدة، مثل الصين وروسيا. أن تملأ الفراغ الذي خلفته الدول الغربية، بينما وجدت تركيا وإيران أيضًا فرصًا جديدة في هذه المنطقة.

ويعتقد تورشين أن “هذه التحولات الجارية في الساحل الأفريقي. والتي سبقتها تحولات مماثلة في أفريقيا الوسطى، ستُعيد تشكيل المشهد العالمي بشكل كبير”.

وتوقع أن تصبح أفريقيا ساحة جديدة لصراعات القوى العظمى، على غرار ما حدث خلال الحرب الباردة.

وأكد على أن “هذا التحول سيكون له تداعيات كبيرة. حيث ستسعى الدول التي خرجت من التحالفات الفرنسية الأمريكية إلى بناء تحالفات جديدة مع دول متعددة، بدلاً من الاعتماد على شريك واحد”.

وأشار إلى أن “هذا التنوع في الشراكات سيُتيح لهذه الدول الاستفادة من قدرات روسيا في مجال الصناعات العسكرية والدفاعية. وإمكانيات الصين التكنولوجية في مجالات البنية التحتية وغيرها. بالإضافة إلى تقنيات القوى الإقليمية مثل إيران وتركيا”.

ورأى تورشين أن “هذا التوجه نحو تعدد الشراكات أمر إيجابي. حيث سيُساهم في تحقيق التوازن وتبادل المنافع بين النيجر وهذه الدول. مما سيُتيح لنيامي تحقيق مصالحها الوطنية بشكل أفضل”.

ويعكس ضرورة أن تكون هناك شراكات متوازنة وحقيقية بين النيجر وبين هذه الدول. حتى تحقق نيامي قدر ممكن من المكاسب.

محط اهتمام

وأُرجع الكاتب الصحفي الموريتاني المتخصص في الشؤون الأفريقية. عبدالله امباتي، اهتمام الدول الأربع، بالنيجر إلى ثرواتها الطبيعية الغنية، خاصةً اليورانيوم والذهب والنفط.

وقال امباتي: “نعلم أن سبب الخلاف بين النيجر وأمريكا هو استيراد اليورانيوم، وكانت نيامي تحت إملاءات المعسكر الغربي”، مضيفا: “بعد خروج أمريكا وفرنسا. سارت موارد النيجر متاحة للمعسكر الشرقي”.

ووفقا لـ”امباتي”، فقد كانت الولايات المتحدة متورطة في خلاف مع النيجر حول استيراد اليورانيوم. حيث فرضت ضغوطًا على نيامي للامتثال لسياساتها.

ويرى أن “انسحاب الولايات المتحدة وفرنسا من النيجر قد فتح المجال أمام الدول الشرقية للاستفادة من موارد البلاد. خاصةً مع وجود مشاعر مناهضة للغرب لدى النظام العسكري الحاكم في النيجر”.

ويشير امباتي إلى تصريحات رئيس الوزراء النيجري التي اتهم فيها الولايات المتحدة بمحاولة عرقلة استفادة إيران من اليورانيوم النيجري، مما يؤكد على عمق التوتر بين النيجر والغرب.

العدو المشترك

يُشير الخبير الموريتاني إلى وجود تحديات تواجه “المعسكر الشرقي” .تتمثل في افتقاره إلى التناغم الذي كان يتمتع به “المعسكر الغربي” سابقًا.

وأوضح أن الدول الشرقية (روسيا وتركيا وإيران والصين). لا تتبع سياسة موحدة لتحقيق مصالحها في أفريقيا، بل تُجمعها فقط مواجهة النفوذ الغربي.

ويُقدم مثالًا على ذلك من خلال حادثة بوركينا فاسو. حيث حاولت روسيا عرقلة استفادة تركيا من مناجم الذهب، لكن حكومة بوركينا فاسو تمسّكت بحقها في اتخاذ القرارات ورفضت الرضوخ للضغوط الروسية، وقررت منح تركيا حق التنقيب عن الذهب في أراضيها.

ويُحذر الخبير من أن “هذه التباينات في المصالح قد تُؤدي إلى صراعات بين الدول الشرقية في المستقبل، خاصةً بين تركيا وروسيا وإيران”.

وأكد على أن “الصين تتبع نهجًا مختلفًا في أفريقيا. حيث تركز على الاستثمار الاقتصادي وتبتعد عن التدخل العسكري”.

وشدد على أن أساليب الاستعمار، بما في ذلك إنشاء القواعد العسكرية والتدخل العسكري. ستُلحق الضرر بالدول الشرقية على المدى الطويل.

الرد الأمريكي

وعبّر الخبير الموريتاني عن قناعته بأن “الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بالاستفادة من اليورانيوم في النيجر دون مقاومة”.

ورجح أن “الولايات المتحدة تُغذّي حركة التمرد التي اندلعت في النيجر مؤخرًا. بهدف إسقاط النظام الحالي وإعادة العلاقات إلى ما كانت عليه”، بحسب قوله.

وفسر الخبير الموريتاني سعي الولايات المتحدة إلى استعادة سيطرتها على النيجر. بـ”رغبتها في تعزيز نفوذها الاستراتيجي في المنطقة وضمان مصالحها”.

في المقابل، سلّط الضوء على أهداف الدول الأخرى التي تسعى إلى إقامة تحالفات جديدة مع النيجر، مثل روسيا وتركيا والصين”.

وأُشار إلى أن “روسيا تسعى إلى منع أي مشروع لتمديد الغاز نحو أوروبا. وحماية مصالحها الاقتصادية في مجال الطاقة”.

أما تركيا، فهي تُركز على الاستفادة من الموارد الطبيعية للنيجر، مثل الذهب، بتكلفة أقل من خلال تبادل السلاح والخبرات العسكرية.

فيما تُشير إيران إلى رغبتها في الحصول على اليورانيوم مقابل تقديم السلاح. والخبرات العسكرية، بحسب قوله، بينما تُشدد الصين على رغبتها في إقامة شراكة اقتصادية مع النيجر بعيدًا عن الصراعات السياسية، وتُبحث عن حكومة رشيدة تتعامل معها.

وحذر الخبير من أن هذه الدول، باستثناء الصين، قد لا تُعير اهتمامًا لاستقرار النيجر. بل تسعى إلى استغلال ثرواتها واستغلال الأوضاع غير المستقرة لتحقيق مصالحها، بحسب قوله.

وأكد أن “نجاح الدول البديلة في النيجر يتوقف على قدرتها على محاربة الإرهاب والتمرد”.

وأوضح أن “التمرد كان شبه ميت في النيجر، ومنذ أسابيع سمعنا عن عودته مرة أخرى”. لافتا إلى أن “خروج القوات الأمريكية أعاد من جديد الانهيار الأمني بالنيجر بعد أن كانت مستقرة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى