انسحاب «مينوسما» من مالي
أجبرهم عسكر مالي على الرحيل، وها هم يحزمون أمتعتهم استعدادا لانسحاب تحت التهديد من بلد تطوقه التهديدات الإرهابية والتوترات الانفصالية.
وأجبرت قرارات المجلس العسكري الحاكم في مالي بعثة الأمم المتحدة على تسريع رحيلها وتخريب المعدات التي تتركها وراءها في البلد الأفريقي.
وأُرغمت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) على البدء بالانسحاب في يونيو/حزيران الماضي، وأعلن المجلس العسكري “فشل” البعثة وندد بـ”الاستغلال” المفترض لقضية حقوق الإنسان.
وفيما يلي تطورات عملية الانسحاب واسعة النطاق والمحفوفة بالمخاطر، والتي تضع حدا لعشرة أعوام من الجهود المبذولة لمحاولة تحقيق الاستقرار في بلد تنهشه أزمة عميقة متعددة الأبعاد.
توترات من كل جانب
من المقرر أن تنسحب بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي، التي يُقدّر عددها بنحو 15 ألف جندي وشرطي بينهم أكثر من 180 عنصرا قُتلوا في هجمات، بحلول 31 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
وتسعى مختلف الجهات المسلّحة التي تتنافس للسيطرة على الأراضي في الشمال إلى الاستفادة من إخلاء قواعد البعثة الأممية، فيما يسارع الجيش لاستعادتها.
واستأنفت جماعات الطوارق الانفصالية التي تعارض استيلاء الجيش على هذه القواعد أعمالها العدائية ضدّ الحكومة المركزية.
ومن جهتها، كثّفت جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» التابعة لتنظيم القاعدة هجماتها على المواقع العسكرية.
وعزت “مينوسما” تسريعها وتيرة انسحابها إلى التصعيد العسكري الذي يهدّد عناصرها. متّهمة السلطات بتعقيد عملية خروجها من البلاد من خلال عرقلة تحركاتها.
هجمات
بعد إخلائها خمسة معسكرات مطلع أغسطس/آب الماضي، أعلنت البعثة الأممية. الأحد، أنها “أكملت انسحابها المتسارع”، السبت. من قاعدتها في تيساليت (شمال) في ظلّ توتر عرّض “طاقمها للخطر”.
وقبل انسحاب البعثة اضطر الطاقم “إلى الاختباء في الملاجئ عدة مرات بسبب إطلاق النار”.
حدث ذلك الخميس “في 19 أكتوبر/تشرين الأول الجاري. حين أُصيب جناح (طائرة شحن) من طراز سي-130 (تونسية مستأجرة من قبل مينوسما) أثناء هبوطها في تيساليت” وفق البعثة التي أكّدت عدم وقوع “إصابات أو أضرار جسيمة للطائرة”.
وغادر جزء من البعثة، في طائرة، فيما غادر الباقي “في قافلة برية” باتجاه غاو. أكبر مدينة في شمال مالي، في رحلة تمتدّ لأكثر من 500 كيلومتر في الصحراء. وسط تهديدات مستمرة من المجموعات المسلحة.
وتكرّر المشهد في اليوم التالي مع انسحاب عناصر البعثة الأممية من قاعدة أغيلهوك وسفرهم برّا لعدم حصولهم على تصاريح للسفر جوّا.
وتعرّضت هذه القوافل لهجمات بعبوات ناسفة تسببت بسقوط جرحى. وفق بعثة مينوسما، وتبنتها جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين».
وذكرت البعثة أن سائق شاحنة أصيب بجروح خطيرة واثنين آخرين بجروح طفيفة، الخميس، حين فتح مسلحون النار على قافلة لوجستية انطلقت من أنسونغو وهو معسكر آخر سيتم إخلاؤه، وفق البعثة.
المعدات
قبل مغادرة البعثة، أكّدت أنها اتخذت “القرار الصعب بتدمير أو تعطيل أو إخراج المعدات القيمة من الخدمة، مثل المركبات والذخيرة. ومولدات الكهرباء وغيرها من الأصول” وهو “الملاذ الأخير” عملا بقواعد الأمم المتحدة.
وأوضحت أن هذه المعدات “لا يمكن إعادتها إلى الدول المساهمة بقوات ولا حتى إعادة نشرها في بعثات حفظ السلام الأخرى”.
وقالت إن “مثل هذه الخسائر كان يمكن تجنّبها” لو لم تكن 200 شاحنة عالقة في غاو منذ 24 سبتمبر/أيلول الماضي بسبب قيود سفر فرضتها السلطات”.
ولا تزال شاحنات صهاريج مخصصة لإمداد القوافل عالقة أيضا في غاو وقال مسؤول في البعثة “تقول الجمارك إن كميات الوقود غير مبرّرة”.
مغادرة كيدال
يُحتمل أن تتفاقم التوترات مع رحيل بعثة الأمم المتحدة من مدينة كيدال معقل الانفصاليين الطوارق.
وكانت مغادرة هذه القاعدة مقررة بالأساس للنصف الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. غير أنها قد تكتمل في وقت أقرب. وربما في غضون بضعة أيام بحسب مسؤول في البعثة.
وأشار مسؤول في البعثة إلى أن العناصر غير الأساسيين بدأوا يغادرون فيما قال ضابط تشادي “لن نبقى مكتوفي الأيدي ونعرّض قواتنا للخطر”.
وفضّل العديد من المسؤولين الذين تحدثت معهم وكالة فرانس برس عدم الكشف عن هويتهم لحساسية الموضوع.