اخترنا لكم

“بايدن” الذي يتعثر في خطواته مع إيران


توجد أغلبية واضحة في الكونجرس تقول للرئيس جو بايدن إنه سلك الطريق الخطأ في التعامل مع إيران.

هذه الأغلبية أعادت تذكيره بما كان يجب أن يلتفت إليه، وقرر إهماله، حتى تعثرت خطواته ببعضها، فلم يعد قادرا على العودة بالمفاوضات إلى الخلف، ولا العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، وذلك رغم مرور نحو عام ونصف العام على المفاوضات، التي توالت فصولها في فيينا.

البدايات الخاطئة لا يمكنها أن تُوصل إلى نهايات صحيحة. ولم يكن الرئيس “بايدن” يجهل أن بداياته خاطئة. كل دول المنطقة كانت تقول له إن استئناف المحادثات مع إيران يجب أن يتضمن برنامج إيران الصاروخي، ونشاطاتها المزعزعة لاستقرار المنطقة، بما فيها نشاطات مليشياتها التي تهدد الاستقرار في العراق ولبنان وسوريا واليمن.

وقد آثر الرئيس “بايدن” ألا يُصغي لحلفاء بلاده، بمن فيهم إسرائيل. وبدلا من أن يأخذ تحفظات هؤلاء الحلفاء بالاعتبار لكي يساوم إيران على أساسها، فقد حرص على أن يساوم حلفاءه على مطالبهم ويقدم لهم تطمينات كلامية. ولقد ثبت من ذلك أن بايدن لا يثق بأحد. وهو ما أوحى لحلفائه بأن لا يثقوا به هو نفسه، ليس لأنه لا يعرف الصواب أو يتمسك بالخطيئة، بل لأنه يرتكب خطأ استراتيجيا جسيما يهدد مصالح ونفوذ الولايات المتحدة فوق مصالح وأمن حلفائها.

منذ البداية كان يمكن للرئيس بايدن أن يقول لإيران إن العودة إلى الاتفاق النووي سوف تتم على أساس ثلاثة شروط: التخلي عن خروقات الالتزامات في ذلك الاتفاق، وكبح البرنامج الصاروخي لأنه جزء لا يتجزأ من معادلة التهديد، ووقف أعمال المليشيات التي تهدد أمن واستقرار دول المنطقة. ودون ذلك فإن العقوبات سوف تزداد تشددا، وإن الأعمال العدوانية الإيرانية سوف تلقى ردا صارما.

لو أن هذه كانت هي بداية الطريق لما كان الوقت قد مضى ليكون مجرد دورة في الفراغ.

امتلكت إيران أم لم تمتلك قدرات نووية، فإن دول المنطقة لم تطلب منها العجب. لقد طلبت وقف أعمال العدوان والتهديدات ضدها فقط. وهو أمر لا يحتاج إلى مفاوضات أصلا، لأنه جزء من التزامات أي دولة أقرَّت ميثاق الأمم المتحدة وقبلت العمل به وأصبحت بموجبه عضوا في هذه المؤسسة الدولية. وهو ما يشمل عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.

أفلم يكن من عجب العجب، بموجب التزام دولي صريح، أن يتحول “الحرس الثوري الإيراني” إلى طرف مباشر في كل أزمات العراق وسوريا ولبنان واليمن؟
أسوأ من ذلك، فإنه طرف لم يفعل سوى أن حوّل هذه البلدان إلى ضحية من ضحايا الفساد والفشل الاقتصادي والأمني، وجعل عشرات الملايين من أبنائها يواجهون مِحَن الحياة اليومية بأقسى أشكالها تطرفًا. بل وأن تقع ضحية لظهور تنظيمات إرهابية كنوع من رد الفعل على الأعمال الإرهابية التي دأبت مليشيات إيران على ممارستها ضد الملايين.

ما العيب في أن يُعاد تذكير إيران بميثاق الأمم المتحدة؟ ولماذا لم تنبرِ واشنطن في الدفاع عنه، دعْ عنك الدفاع عن حلفائها أو مصالحها الخاصة؟

لقد كان يتعين على الولايات المتحدة، وهي ترعى مصالحها في المنطقة وتحتفظ بوجود عسكري كبير فيها، أن تأخذ واقع التهديدات والتدخلات الإيرانية بالاعتبار، بل وأن تجعله هو القضية الأهم، على الأقل لأنه يهدد نفوذها نفسه.

ولكن إدارة الرئيس بايدن اختارت، منذ البدء أن تتجاهل هذا الواقع، لتسلك طريق التفاوض مع إيران على النووي، وتهمل كل الكوارث التي رافقته والتي سبقته والتي أسست له.

مجلس الشيوخ الأمريكي بالشروط التي وضعها على إدارة الرئيس بايدن للمضي قدما، أعاد المفاوضات إلى المربع ما قبل الأول. أي إلى مربع الأسس التي تسبق التفاوض. وحيث إن الرئيس بايدن ليس من ذلك النوع الذي يقر بالخطأ، فقد ترك لخطواته أن تتعثر حتى بعدما وصلت المفاوضات إلى الوقوف على مشارف النهايات. فلم يعد قادرا على توقيع الاتفاق ولا العودة بالمفاوضات إلى بدايتها.

أغلبية 62 صوتا مقابل 33 صوتا من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في مجلس الشيوخ، قالت للرئيس بايدن إنها “لن توافق على أي صفقة مع إيران لا تتضمن كبح برنامجها الصاروخي واستمرار العقوبات ضد الحرس الثوري الإيراني، ومنع صادرات النفط”، (لأنه يمثل بالنسبة لإيران سبيلا للتهرب من العقوبات).
وهناك أغلبية أخرى في مجلس النواب تدعم هذه الشروط.

وحتى لو أن الرئيس بايدن اختار أن يوقع على الاتفاق متجاهلا الجميع، فإنه لا يستطيع الزعم أنه لا يعرف ما الثمن..

عزلته وفشل إدارته ستكونان هما الثمن.

“بايدن”، الذي لم يستطع أن يُقنع قادة حزبه بالاتفاق مع إيران، دع عنك خصومه الجمهوريين، لن يمكنه أن يقنع حلفاءه في المنطقة بأنه توصل إلى اتفاق جيد.

أعمال إيران نفسها سوف تخبره بأنه سلك معها الطريق الخطأ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى